«مبروك... جالك دكتاتور!»

نشر في 03-01-2014
آخر تحديث 03-01-2014 | 00:01
 حمد نايف العنزي كما في عالم التسوق، إن أردت الحصول على سيارات بمواصفات عالية فضالتك ستجدها حتماً في الصناعة الألمانية، أما إن أردت الحصول على أي من الأجهزة الكهربائية فالصناعة اليابانية هي الأفضل في هذا المجال، أما إن كان طلبك مختلفا بعض الشيء، وأردت الحصول على "دكتاتور" مثلاً، فلا تذهب بعيداً، فلدينا في منطقتنا العربية أفضل مصانع "الدكتاتوريات" في العالم، والتي لا يضاهيها مصنع آخر في العالم، فهي "hand made" صنعتها يد الشعب لأجل الشعب، وكفالتها مدى الحياة حتى الموت أو... الخلع!

وكل الطغاة في هذه المنطقة هم نتاج هذه المصانع، فلا أحد منهم ولد طاغية، بل لم يكن أحد منهم كذلك في السنين الأولى لتوليه الحكم، وربما كان أكثر الناس مطالبة بالحريات وإيمانا بالديمقراطية والعدالة بين المواطنين، لكن ثقافة النفاق والتزلف في التعامل مع الحكام والتي ترتكز عليها المصانع العربية لإنتاج الطغاة هي من تقوم بإعادة تصنيع هؤلاء الحكام ذوي الوجوه الملائكية والابتسامة اللطيفة ساعة استلامهم للحكم إلى أباليس وشياطين ساعة إزاحتهم عنه، وسط لعنات من كانوا يسبحون بحمده، ويدعون له بطول البقاء تاجا على رؤوسهم!

وبعد حدوث ثورات الربيع العربي، كان التصور بأن هذه المصانع سوف تغلق للأبد، وأن شعوبنا العربية قد تعلمت دروساً لا تنسى من سنين الطغيان، وكان من المتوقع-منطقياً- ألا تكرر أخطاءها السابقة في تأليه الرؤساء وإضفاء صفات الكمال عليهم والتغني بعظمتهم وعبقريتهم حتى يشعر أحدهم بأنه "حاجه ما حصلتش" وأن الشعب من دونه لا قيمة ولا كرامة له، أقول إن التصور كان بألا يتكرر هذا الأمر، فهل ما حدث بعد ثورات الربيع العربي يطابق هذا التصور أم خلافه؟

في الواقع، ما حدث بعيد عن هذا الأمر، وإذا كانت الصورة لا تزال ضبابية بعض الشيء في تونس وليبيا، فإن ما حدث في مصر على وجه التحديد، هو تكرار للخطأ مرة أخرى، فبعد أن تم التخلص من كابوس الإخوان بقرار من قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، وهو قرار بلا شك شجاع وجريء يشكر عليه كثيراً، لكن فرح المصريين المبالغ به برحيل "مرسي" جعلهم ينسون من أجل ماذا قد ثاروا على "مبارك"!

وتحول السيسي خلال شهور قليلة لما كان عليه جمال عبدالناصر وحسني مبارك في بداياتهما، فقد بدأ المصريون إضفاء صفات الكمال والجمال والعبقرية على السيسي لتأليهه تدريجياً، وصرنا نرى مصر تعيش حالة أقرب ما تكون للحكم الدكتاتوري بفرمانات عسكرية أشد قسوة من كل فرمانات مبارك الذي قامت عليه الثورة!

فما السبب يا ترى؟ وكيف تقوم ثورة شعبية هدفها القضاء على حكم دكتاتوري لتسبدله بحكم شبيه له، وربما أشد بطشاً؟!

السبب في رأيي يكمن في الأساس الذي قامت عليه هذه الثورة، ففي الثورات الحقيقية تقوم الثورة في أساسها على القيم والمفاهيم والأخلاقيات والتقاليد السيئة التي تنتج الدكتاتور وحاشيته الفاسدة، أما في ثورات الربيع العربي فالأساس كان هو الثورة على "شخص" الدكتاتور ومن حوله "وليحكمنا الشيطان بعد ذلك"، أي أنها ثورة على النتائج لا على الأسباب، متجاهلين الظروف أو "المصنع" الذي ينتج تلك النوعية من الحكام، مصنع الغباء العاطفي والحماسة العمياء والمصلحة الشخصية التي تنافق وتتزلف وتعطي الحاكم من المديح أكثر مما يستحق لترفعه إلى مرتبة الآلهة، وهو في واقع الأمر ليس سوى بشر من لحم ودم مثلهم تماما، ومهمته كحاكم ينبغي أن تكون "مؤقتة" تنتهي بانتهاء مدة حكمه، فإن أحسن عمله شكر، وإن أساء حوسب، وهكذا تفعل الشعوب المتحضرة والمتقدمة، تعامل الرئيس كأجير لديها، لا أقل ولا أكثر، فهل سمعتم يوما بصاحب عمل يرفع صور أجيره ويصيح بحماسة "بالروح بالدم نفديك يا..."؟!

back to top