الاستخفاف بدور فلاديمير بوتين

نشر في 26-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 26-12-2013 | 00:01
مثلما تعرض غورباتشوف لغدر في قضية حلف شمال الأطلسي، كان ذلك هو حال بوتين في قضية ليبيا، عندما وافق على دعم قرار من مجلس الأمن الدولي لأسباب "إنسانية" في الظاهر، ثم وجد أن العملية كانت تدخلاً فاضحاً من أجل تدمير نظام القذافي، مع عواقب مروعة متوقعة.
 الغارديان خالص التمنيات بعيد ميلاد سعيد لكل من "بوسي رايوت"، و"غرينبيس"، وميخائيل خودوركوفسكي، لكن ليس بالنسبة إلى فلاديمير بوتين. في مؤتمره الصحافي السنوي الغريب نوعاً ما، مع تلويح 1300 صحافي بأعلام لجذب انتباهه، أعلن بوتين أن خودوركوفسكي، مثل الآخرين، سوف يطلق سراحه من السجن. قد لا يكون بوتين مخلوقاً محبوباً أو لطيفاً تماماً، ولكنه أظهر من جديد براعة غير معتادة لأنه لم يكن مصدر سخرية فقط بل استخفاف على الدوام.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، قبل أكثر من 20 سنة، ارتكب الغرب كل غلطة يمكن تصورها في التعامل مع روسيا. وفي خضم فرحة الانتصار العالمي للديمقراطية الليبرالية ورأسمالية السوق، الأمر الذي اعتبره البعض "نهاية التاريخ"، حاول المتحمسون الأميركيون فرض الأسواق الحرة على روسيا بعد أكثر من 70 سنة من الاشتراكية فيها. لذا فإن النتيجة البائسة يتعين ألا تكون مفاجأة بالنسبة لنا.

هذا ليس دفاعاً عن نظام بوتين غير المحبب في طرق عديدة. وليس في وسع صحافي الشعور بإعجاب كبير نحو دولة ينتهي فيها مصير صحافيي التحقيقات المشاكسين إلى الموت. لكن السياسة الخارجية مسألة مختلفة تماماً، حتى إذا كان العجز عن التمييز بين السمات الداخلية للنظام واهتماماته الخارجية، هو في حقيقة الأمر قصة قديمة جداً. أجيال الغرب المتعاقبة سحرتهم الأسطورة السوفياتية منذ أمد طويل، ثم تخلصوا من هذا السحر الذي تحول على لسان الساخر مالكوم ماغيريدج إلى تهكم حين اعتبر أن روسيا "الجانب الأيسر من الصليب" هي عبارة عن: "حلف مولوتوف- ريبنتروب" في عام 1939، و"العصيان التشيكي" في سنة 1948، و"قمع الثورة المجرية" في سنة 1956. قد يكون في ظل الوضع الراهن ثمة قدر قليل من العزاء للبولنديين والتشيكيين والمجريين، لكن روسيا في الماضي كانت في كل مناسبة تتدخل وتتصرف كقوة عظمى. فالاعتداء على الجيران الأصغر هو ما تفعله القوى العظمى: انظروا سجل الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية. قال بوتين يوم الجمعة الماضي إن ستالين لم يكن أسوأ من أوليفر كرومويل، الذي قد يبدو وكأنه يحمل جانباً الطرافة، لكن ستالين هو نفسه الذي كاد يعتذر عن مطالبات الترهيب ضد فنلندا بقوله "أنا لست مسؤولاً عن الجغرافيا".

كانت كل محاولة روسية لحماية مصالحها القومية ينظر إليها بوصفها استفزازاً، بينما كانت الاستفزازات في حقيقة الأمر تصدر عن الغرب طوال قرون خلت. وعندما كان يطلق على الروس بأنهم مرضى بـ"جنون الارتياب" (البارانويا) أستذكر حكمة الكاتب ديلمور شوارتز القائلة إن المصابين بجنون الارتياب لديهم أعداء أيضاً. فالجيش الروسي لم يحرق باريس في سنة 1812، ولم تقم روسيا بغزو ألمانيا في 1941.

كما أن روسيا لم تعمد إلى تعزيز تحالفاتها في تسعينيات القرن الماضي، بل كان الغرب الذي فعل ذلك عبر توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقاً في تصرف كان غبياً كما كان شائناً. كانت خيانة- فقد أعطى جورج بوش الأب وعداً واضحاً إلى ميخائيل غورباتشيف بأن دول الكتلة الشرقية السابقة، ناهيك عن دول البلطيق التي استقلت حديثاً عن روسيا، لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما تراجع بيل كلينتون عنه بعدئذ- وكانت إهانة.

وقال والتر ليبمان في سنة 1944 "لم نفكر قط في الاعتراف" بحق "كوبا أو هايتي أو جمهورية بنما- وكلها دول مستقلة ذات سيادة- في تحقيق تحالفات كانت غير متلائمة مع منطقة أميركا الشمالية برمتها". والسؤال هو كيف كانت أميركا ستتصرف لو أن روسيا دعت كوبا إلى الانضمام الى حلف وارسو؟

حتى اذا بدت السياسة الروسية ساخرة وقاسية في بعض الأوقات، كان يتبين أنها أكثر حكمة من سياساتنا. وفي أزمة سنة 2008 حول جنوب أوسيتا كانت الحكومة الجورجية هي التي لجأت إلى القتال ضد روسيا. ولا نزال نذكر الوصول الغريب لديفيد كاميرون- زعيم المعارضة البريطاني آنذاك- إلى تلبيسي ومطالبتها بالتقدم للالتحاق الفوري إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما كان سيعجل باندلاع حرب دولية شاملة وواسعة النطاق.

إذا كان ذلك حال كاميرون كزعيم للمعارضة، فما الذي يمكن أن يفعله كرئيس للوزراء؟ للرد على هذا السؤال علينا النظر إلى سورية. ومثلما تعرض غورباتشوف لغدر في قضية حلف شمال الأطلسي، كان ذلك هو حال بوتين في قضية ليبيا، عندما وافق على دعم قرار من مجلس الأمن الدولي لأسباب "إنسانية" في الظاهر، ثم وجد أن العملية كانت تدخلاً فاضحاً من أجل تدمير نظام القذافي، مع عواقب مروعة متوقعة. ومنذ ذلك الوقت رفض بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف دعم محاولة حكومتنا الهادفة إلى إطاحة نظام بشار الأسد، حتى يتم تسليم سورية إلى تنظيم "القاعدة".

وهكذا نتقدم بتحية العيد إلى أولئك الذين تحرروا حديثاً في موسكو، وربما نتمنى صدور قرار سنة جديدة يدعو إلى ترك روسيا وشأنها.

Geoffrey Wheatcroft

back to top