نفتالي بينيت... الإسرائيلي الذي بوسعه إيقاف عملية السلام

نشر في 31-03-2014 | 00:02
آخر تحديث 31-03-2014 | 00:02
يرفض نفتالي بينيت، رئيس حزب المستوطنات {البيت اليهودي} المفاوضات مع الفلسطينيين ويقول إنه سيسمح بانهيار الحكومة الإسرائيلية، إن دعت الحاجة. ومن المتوقع اتخاذ القرار بشأن المحادثات قريباً.
شبيغل عادت بتفاصيل حول الموضوع.
يعمل الرجل الذي يريد اختبار مدى نفوذه مقارنة بسلطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، {الملك بنيامين} الإسرائيلي المحبوب، في مكتب متواضع مستطيل الشكل كانت ثلاثة هواتف فيه ترن بلا توقف. يخلو هذا المكتب مما قد يجذب اهتمامك، إلا تلك الصورة المعلقة على الجدار والمغطاة بالزجاج. تظهر في هذه الصورة امرأة ترتدي ثوباً فوقه مئزر.

لا يتردد وزير الاقتصاد نفتالي بينيت (42 سنة) في تأكيد عدم اكتراثه بعجلة الحياة السياسية اليومية. فلولا صورة قريبته زيلا المطرزة بخيوط زرقاء، لاكتفى على الأرجح بمتعة تحقيق النجاح في عالم الأعمال في مدينة رعنانا الساحلية. كانت قريبة أمه هذه روسية وعانت مصير معظم أعضاء عائلة بينيت، الذين قتلهم رجال ستالين المجرمون بسبب انتمائهم اليهودي. نتيجة لذلك، تذكّره صورتها المطرزة المعلقة فوق مكتبه، يومياً، بتلك المأساة وتحفّزه على العمل بدأب للحرص على ألا يكون مصير أولاده مماثلاً.

تشكّل الخالة زيلا، أيضاً، أحد أسباب انضمام بينيت، الذي يعتبر نفسه رجل أعمال أولاً وأخيراً، إلى عالم السياسة. فما عاد العمل المزدهر في مجال برامج الكمبيوتر في إسرائيل والولايات المتحدة يشعره بالاكتفاء بعدما مرّ بتجربة لا تُنسى بعد مشاركته في حرب لبنان 2006. في تلك الفترة، كان قد رُزق بطفله الأول، فتساءل: {ماذا يريد حزب الله بالتحديد؟}. يخبر بينيت أنه أيقن في لبنان أن {الجميع هناك ما زالوا يملكون هدفاً واحداً: قتلنا}.

مهمة واحدة

منذ ذلك الحين، يصب بينيت اهتمامه على مهمة واحدة. وعندما يتحدث عنها، لا يبدو مثالياً أو مثيراً للشفقة، بل يعكس صوته تصميمه العميق على تحقيق أهدافه. يذكر وزير الاقتصاد هذا: {مهمتي إبقاء اليهودية حية، تعزيزها، ومحاربة الأعداء}. ويؤكد أنه سيخصص كامل {حياته لاستمرار إسرائيل}.

ولكن بغية تنفيذ مهمته هذه، يخاطر بالتسبب راهناً بشرخ في الحكومة الائتلافية في إسرائيل. كتبت الصحيفة اليومية الإسرائيلية هآرتس، أخيراً، أن هذا السياسي يبذل جهوداً تفوق ما يقوم به أي سياسي آخر لتحديد مصير بلده.

يرأس رجل الأعمال السابق هذا حزب {البيت اليهودي} القومي المتدين، الذي يروّج لسياسات المستوطنات. كذلك يُعتبر الخصم الأكثر تشدداً لأي تطور يرتبط، وإن من بعيد بـ{مسيرة السلام}. وبما أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أقنع الإسرائيليين والفلسطينيين بالبدء بالتفاوض، فلم يتردد بينيت في مخاصمة كل مَن يدعم هذه المحادثات.

ومن بين مَن اضطروا إلى مواجهة غضبه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، الذي اتهمه بينيت بالضعف. لكن وزير الاقتصاد هذا استهدف أيضاً رجلاً كان يعتبره حليفاً: وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي عبّر صراحة في خطوة غير متوقعة عن تأييده لجهود كيري. على نحو مماثل، ظلّ تحالفه مع وزير المالية يائير لابيد، نجم الحكومة السابق ورجل يدعوه بينيت {أخي}، ناقصاً نتيجة وجهات نظر لا يمكن التقريب بينها على ما يبدو في مسألة مسيرة السلام.

من الصعب تخيّل أن المسيرة السياسية الإسرائيلية قد تعاني انقسامات حادة، نظراً إلى غياب أي تطورات جديدة.

تسم المحادثات التي يروج لها كيري المحاولة العاشرة للتفاوض بشأن تعايش سلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولم نشهد منذ ديسمبر الماضي ما يمكن وصفه بالمحادثات المباشرة. فيكتفي كلا الطرفين في الوقت الراهن بالتحاور مع كيري أو كبير المفاوضين الأميركيين مارتن إنديك.

من المتوقع التوصل، قريباً، إلى قرار بشأن ما إذا كان من الضروري متابعة هذه المحادثات المصغرة أو تعليقها. فإذا امتنعت إسرائيل عن إطلاق سراح المجموعة الأخيرة من السجناء الفلسطينيين، يؤكد المسؤولون الفلسطينيون أنهم سينسحبون من المحادثات. فقد شكّل تحرير 104 فلسطينيين كانوا قد اعتُقلوا قبل اتفاقيات أوسلو (1993) شرطاً لاستئناف المفاوضات. وقد وافق نتانياهو على هذا الشرط بضغط من الولايات المتحدة الأميركية.

لكن بينيت يصر على ضرورة بقاء هؤلاء السجناء خلف القضبان. يقول، متحدثاً من مكتبه: {لن نسمح لقتلة وإرهابيين بالخروج من السجن}. كذلك هدد بالسماح بانهيار الحكومة بسبب هذه المسألة.

يشتكي هذا الوزير من أن العالم يعامل إسرائيل بإجحاف. فإذا استمرّ المجتمع الدولي، على حد قوله، بممارسة ضغط على بلده بسبب المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، السجناء الفلسطينيين، وانسحاب الجنود الإسرائيليين من دولة فلسطين المستقبلية، علماً أن هذه مسألة لم يتفاوض بشأنها الطرفين بعد، فهو مقتنع بأن هذا المجتمع يستهدف الجانب الخطأ.

{لا يمكنك أن تحتل أرضك}

لا يحاول بينيت حتى تلطيف موقفه العنيد واعتماد لغة دبلوماسية. يذكر، مشيراً إلى الضفة الغربية الفلسطينية باسمها في التوراة، إلى أنه من غير الممكن التنازل عن {قلب الأرض الإسرائيلية، اليهودية والسامرة}، إلى {الأعداء العرب». ويضيف أن هذه الأرض كانت ملكاً لليهود منذ أكثر من 3 آلاف سنة، وأن مَن يتحدثون عن قوة إسرائيلية محتلة لا يفهمون التاريخ. ويتابع بينيت، معبراً بوضوح عن ازدرائه بكل مَن لا يشاطرونه رأيه: {لا يمكنك أن تحتل أرضك}.

يعارض رئيس الحزب هذا وأتباعه أي نوع من الاتفاق مع الفلسطينيين. ويقول بينيت إن التسوية {انتحار}. فما الحل الذي يطرحه لهذه المشكلة؟ {علينا أن نبقى أقوياء}.

يُعتبر {البيت اليهودي} ثالث أقوى حزب في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم. وكلما قدّم نتانياهو أفكاراً عن تعايش سلمي في المستقبل بين دولتين ذات سيادة تكون أكثر واقعية مما يستطيع بينيت وداعموه تحمله، يتعرض رئيس الوزراء بسرعة للتأنيب من كبير موظفيه السابق.

صحيح أن بينيت نجح أخيراً في استمالة قاعدة دعم كبيرة، إلا أن المعارضين العنيدين لمسيرة السلام يكثرون أيضاً داخل حزب الليكود، الذي يرأسه نتانياهو.

لكن بينيت يُعتبر أول مَن نجح في ترسيخ العقيدة القومية-الدينية في قلب وزارات الحكومة. فتتمتع وجهات نظره بدعم كبير في حكومة نتانياهو، التي يعيش نحو نصف وزرائها في الجانب الآخر من الخط الأخضر، أي في الأراضي الإسرائيلية.

يوضح بينيت: {أعلم أن رأيي لا يحظى بشعبية واسعة في الخارج}. لكنه يرفض الاستسلام، مشيراً إلى أنه حظي بدعم الناخبين نتيجة مواقفه.

تشمل ميزات نفتالي بينيت أنه لم يظهر مطلقاً بمظهر السياسي المسعور الذي أعمته العقيدة والذي يفضّل تفجير الحرم القدسي الشريف بأكمله على السعي للسلام. على العكس، عندما تتحدث إليه، تلاحظ أنه مرح، مسلٍّ، وسريع البديهة.

الوقت حليف بينيت

يدرك وزير الاقتصاد هذا أن الوقت حليفه. يشير مكتب الإحصاءات المركزي في إسرائيل إلى أن 2013 كانت سنة قياسية بالنسبة إلى حركة المستوطنات. فقد وُضعت في الأراضي الفلسطينية أسس أبنية يهودية يفوق عددها ضعف ما شهده 2012.

لا شك في أن رجلاً آخر يقف أيضاً وراء هذه الحركة: قائد المستوطنات أوري أرييل الذي يتولى على نحو ملائم منصب وزير الإسكان الإسرائيلي. أما في حياته كمواطن إسرائيلي، فيشتهر أرييل بتنظيم جلسات صلاة حاشدة ضد مفاوضات السلام عند حائط البراق في القدس. كذلك أضاف الكنيست أخيراً ، بمبادرة من حزب {البيت اليهودي}، بنداً إلى الدستور ينص على أن أي اتفاق مستقبلي مع اليهود يجب أن يحظى بموافقة الشعب من خلال استفتاء شامل.

يعتبر بينيت الشعب اليهودي حليفه الأكبر. وتدعم استطلاعات الرأي فكرته هذه. فنحو ثلاثة أرباع الإسرائيليين المستطلعين يشاطرونه رأيه عن أن الفلسطينيين {ليسوا شركاء سلام}. بالإضافة إلى ذلك، رفض نحو 86% منهم إطلاق مزيد من السجناء. ومع أن نحو ثلثي الإسرائيليين يقولون إنهم ما زالوا يؤيدون حل إقامة دولتين، يعارض العدد ذاته الانسحاب من الضفة الغربية.

يشعر بينيت من جهته أن موقف إسرائيل العنيد راهناً يشكّل خدمة قدّمها لهذا البلد. صحيح أنه لا يدير كل القرارات والمواقف، إلا أنه بالتأكيد يحدد جزءاً من الأجندة المتبعة. ويشدد على أن نتانياهو لا يملك الحرية المطلقة ليقوم بكل ما يرغب فيه كاري لأنه يضع، على حد تعبيره، {يداً على المقود}.

يصر بينيت على أنه لن يسمح بقيام ضفة غربية فلسطينية خاضعة لسيطرة دولية (لا من خلال قوات حلف شمال الأطلسي ولا من خلال قوات الأمم المتحدة بالتأكيد)، طالما أنه معني بالقرار. ويوضح أن التاريخ علّمه أن على إسرائيل وحدها أن تضمن أمنها الخاص، مضيفاً: {عانينا الحظ العسير في كل مرة اعتمدنا فيها على الآخرين}.

back to top