الغرب وروسيا لمَ إرث أوباما مرتبطٌ بأوروبا؟

نشر في 02-04-2014
آخر تحديث 02-04-2014 | 00:01
صنّف باراك أوباما روسيا {قوة إقليمية} تعمل من موقف ضعف، لا قوة. قد يكون محقاً. علماً أن إرث الرئيس الأميركي في مجال السياسة الخارجية يعتمد، إلى حد كبير، على فلاديمير بوتين وأوروبا.
يشتهر الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتماده المفرط على المنطق أو الحسابات الباردة، وذلك وفق وجهة نظرك منه. لا شك في أن ضبط النفس ميزة أساسية، وقلما يخرج أوباما عن طوره. لذلك من الطبيعي أن نفترض أن هدف تعليقات أوباما القوية بشأن روسيا، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أخيراً في لاهاي، كان الاستفزاز. كذلك أظهرت هذه التعليقات مدى استياء الرئيس الأميركي من مغامرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منطقة القرم.

أعلن أوباما، عقب قمة الأمن النووي في هولندا، أن روسيا {قوة إقليمية} تهدد جيرانها {لا بدافع القوة، بل الضعف}.

لا شك في أن هذا التعليق سيثير غضب بوتين. فقد سبق أن أعرب الرئيس الروسي عن ميله للعودة إلى المناورات القيصرية في محاولته لتعزيز دور بلده على المسرح العالمي. لكن أوباما لم يكتفِ بهذه الملاحظة. فقد أضاف أن الولايات المتحدة تمارس، أيضاً، النفوذ على جيرانها. واستدرك موضحاً: «لا نحتاج عادةً إلى غزوهم كي تجمعنا بهم علاقة تعاون قوية... وتشكل تصرفات روسيا مشكلة. إلا أنها لا تُعتبر الخطر الأمني الأبرز الذي يهدد الولايات المتحدة».

من الصعب الادعاء أن الرئيس الأميركي مخطئ. فلم تعد القوة الروسية كما كانت في الماضي، فضلاً عن أن ميولها التوسعية تشكّل، عموماً، ردة فعل تجاه الموقف الجيو-سياسي الضعيف الذي تجد نفسها فيه. لذلك لا تشكّل خطراً مباشراً يهدد الولايات المتحدة: فمن المستبعد أن تغزو روسيا ألاسكا، ومن المستحيل أن تشن اعتداء نووياً.

رغم ذلك، تمثّل روسيا، بطريقة غير مباشرة، خطراً كبيراً بالنسبة إلى أوباما نفسه. إذ يهدد بوتين مصداقية أوباما كقائد وراعٍ للغرب.

مزيد من المساعدة

منذ بداية  رئاسته، صبّ أوباما اهتمامه على تعزيز القوات الأميركية، بدل الانطلاق في مغامرات دولية جديدة. نتيجة لذلك، حدّ من الانتشار العسكري الأميركي في الخارج، مطالباً صراحةً بمزيد من المساعدة من حلفاء الولايات المتحدة، ومشدداً، أيضاً، على الحاجة إلى حلول متعددة الأطراف للصراعات. كذلك فضّل التركيز على المسائل المحلية قدر المستطاع. يعكس تراجع أوباما هذا، إلى حدّ كبير، رغبة الناخبين الأميركيين بعد ثماني سنوات من حكم جورج بوش الابن.

ولكن ما انعكاسات ذلك على الأزمة الراهنة؟ فهل تعني مقاربة أوباما الحذرة في مجال السياسة الخارجية تلقائياً أنه رئيس ضعيف؟ وهل شكّلت عاملاً في قرار بوتين اتخاذ خطوات حازمة في منطقة القرم؟

مهما كانت وجهات نظر أوباما من روسيا، تبقى الأزمة الأوكرانية وطريقة مواجهته بوتين عاملين بالغي الأهمية في تحديد إرث سياسته الخارجية. لا شك في أن إنهاءه الحرب في العراق وأفغانستان يستحق الثناء. لكننا لم نشهد حتى اليوم أي انتصار حققه هو بنفسه.

كتب ستيفن سيستانوفيتش، خبير روسي مشهور ومستشار سابق لوزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت، في كتابه الجديد Maximalist: America in the World from Truman to Obama: {بالنسبة إلى أي رئيس يتبع سياسة التخفيض، لا يُقاس نجاحه السياسي بالنجاح الذي تحققه الولايات المتحدة في الانسحاب من التزاماتها القديمة}. ويضيف أن السؤال الأهم يبقى: {ما مدى نجاحها في التعاطي مع التحديات الجديدة؟}.

لا شك في أن هذه التحديات كثيرة: الصراع مع إيران بشأن برنامجها النووي، الحرب الأهلية في سورية، حكم عسكري مستبد ناشئ في مصر، موقف الصين الأكثر عدائية من حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، وروسيا في عهد بوتين. إذاً، تُمتحن حدود قوة أوباما في مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن أن الحكام المستبدين، تقريباً، يصورون الولايات المتحدة على أنها العدو في محاولة منهم لترسيخ سلطتهم ونفوذهم.

فشل المهمة

لا ينفك الصقور الجمهوريون يطلقون دعابات حول محاولة أوباما الساذجة، على حد قولهم، {لإعادة ضبط} العلاقات الأميركية مع روسيا. فيُعتبر سلفه جورج بوش الابن (رجل مشى وراء هوسه، تماماً مثل بوتين راهناً) اليوم رئيساً قوياً، مع أنه عجز حتى عن تطبيق عقوبات شبيهة بما يعتمد اليوم، رداً على الصراع الروسي في جورجيا عام 2008. ولكن يكمن خطأ أوباما في أنه قلق من أهمية الطبيعة الانتقامية لسياسة بوتين الخارجية. فلا يصب الرئيس الروسي اهتمامه على التعاون مع الغرب، بل على بناء بديل له. بوتين رجل يعيش في الماضي، مع أن أوباما حاول جره إلى القرن الحادي والعشرين. لكن مهمته هذه فشلت.

من المعبر بالتأكيد تشديد أوباما، خلال جولته الأوروبية الأخيرة، على ما يبدو جلياً، ليتفادى السقوط في أفكار مضلّلة. فهذا ما شهدناه أخيراً حين أكّد للحلفاء في أوروبا الشرقية أن المادة الخامسة في حلف شمال الأطلسي، التي تعتبر الاعتداء على أحد الأعضاء اعتداء على كل الحلف، ما زالت قائمة. فقد نادى: {نؤكد لكل من حلفائنا في حلف شمال الأطلسي أننا سنعمل للدفاع عنهم ضد أي تهديدات}. يبدو هذا جيداً. لكنه أشبه باتصال قسم مكافحة الحرائق المحلي بمالكي المنازل كل يوم ليؤكد لهم أنه سيعمل على إخماد النيران حين تندلع. ولكن إذا امتنع أوباما عن تقديم تطمينات مماثلة، فكيف يُفسر عمله هذا؟

لا شك في أن هذا الوضع صعب. لكنه يُعتبر مصيرياً، أيضاً بالنسبة إلى أوباما ومستقبل السياسة الخارجية الأميركية. ومن المؤكد أن طريقة تعاطي رئيس التخفيض هذا مع وضع مماثل ستحدد ما إذا كان سيدخل التاريخ كرئيس قوي أو ضعيف، وستساهم في صوغ سياسات مَن يأتون بعده.

بالإضافة إلى ذلك، يعتمد كثر على المستشارة أنجيلا ميركل وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين. يبدو أن هذه الفكرة السائدة في واشنطن. ولكن هل يعرب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن الوحدة والاستعداد الضروريين لتحمل الأعباء الاقتصادية المحتملة التي قد تنتج عن ردهما تجاه أعمال روسيا؟ أم أن العلاقات عبر الأطلسي ستتراجع مجدداً؟

باختصار، سيكون لمسار أوروبا تأثير حاسم في توجه السياسة الخارجية المستقبلية التي ترسمها القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم. ولا شك في أن إرث أوباما يقف اليوم على المحك.

back to top