لغتنا العربية ستضيع

نشر في 16-08-2014
آخر تحديث 16-08-2014 | 00:01
 نادية سالم جاسم لا تعتبر اللغة طريقة للتواصل بين الناس فقط، فيمكن أن يتواصلوا بالإشارة والصور، بل هي تعبر عن تاريخ وحاضر وماض وحياة لكل شعب، وقد حبا الله اللغة العربية بتكريم خاص، إذ جعلها لغة كتابه المبين، وأي شخص لا يتحدث بها من المسلمين تجده يقرأ القرآن بلغتنا العربية، فهي لغة لا تموت، ومن هذا المنطلق كان علينا تقديراً لها أن نهتم بها أكثر من ذلك، لكن الواقع ليس كذلك أبداً، فنحن العرب أصبحنا نتفاخر بأننا نتحدث الإنكليزية أكثر منها في تعاملاتنا اليومية حتى لم نعد نسمعها إلا قليلاً.

المشكلة تبدأ من المدرسة، فاللغة العربية لا تدرّس بطريقة تحبب الطفل بها، فهي لغة خاصة يجب على من يعلّمها أن يعرف أبجديات ما يعلّم، لا أن يعلمها لأنه في آخر الشهر سيأخذ راتبه لتدريسها حسب منهج الوزارة وانتهت القصة.

لدي طفلان أحدهما في السادسة من العمر والآخر في الثامنة ولله الحمد والشكر على خلقهما أذكياء، فهما في مدرسة أجنبية طبعا، ومن يسمع ما سأقول فإنه سيبدأ بالنقد، لكني كولية أمر لطفلين في المرحلة الابتدائية أرجو أن يسمعني أي مسؤول لأشكو إليه حالنا نحن أولياء أمور الطلبة، وما حدث العام الماضي.

أن يكون طفل في السادسة من العمر في الأول الابتدائي يعني أنه يتعرف على الحروف العربية لأول مرة، فحتى لو رآها في الروضة فالأمر يختلف جداً في المدرسة بأن يتعرف على قراءة حروفها وسماع أصواتها، ومتى تبدأ ومتى تنتهي، فهو يتعرف على لغة أخرى تقريبا غير التي نتحدث بها في البيت والشارع، حتى أصبحت أخشى أن يصاب الأطفال بانفصام الشخصية؛ لأنه سيحمل هذه اللغة معه طيلة حياته فالقرآن الذي نقرؤه يكتب بها.

ففي منهج اللغة العربية للأسف يبدأ الطفل بحفظ الكلمات بأكملها دون أن يتم التركيز على معرفته الدقيقة للحروف وأصواتها؛ لأن المنهج كبير جدا وواسع على طفل الأول الابتدائي، وإذا ما قلنا سيتعلمها بمرور الوقت فنحن نخدع أنفسنا.

السنة الماضية فوجئنا نحن أولياء الأمور بأن الوزارة قررت إجراء امتحانات لطفل الأول الابتدائي، ويالغرابة الامتحان فهو سيمتحن اللغة العربية والإسلامية بالورق، امتحان من يكتب ويقرأ الأسئلة وكأنه ناضج، وقد تعلم القراءة والكتابة كالأطفال الكبار، ونسوا أنه بدأ يتعلم الحروف للتو، ولم يعرف حتى أن يكتب غير كلمتين أو ثلاث، التربية الإسلامية يا سادة ليست أن يكتب القرآن؛ لا، لأن فيها فقها وحديثا وتعليما للصلاة رغم أنه لم يبلغ بعد مرحلة الصلاة لكنه يتعلم الصلوات الخمس، وهل هي فرض أم سنّة، وكثير من المعلومات القيمة لكنها لعمر أكبر بكثير من ستة أعوام، وبقي الأطفال يحفظون المعلومات كالببغاء، وأتحدى أي شخص أن يقول إنهم فهموا شيئا مما حفظوه.

 لقد أصبحوا يحفظون شكل الكلمة، ويحاولون حفظها لكنهم لم يتعلموا القراءة بعد، فحفظوا أماكن الكلمات لا ما تعنيه، أو كيف يكتبونها لأنهم ببساطة لا يعرفون الكتابة، فهم في بداية مرحلة تعلم الحروف، فكيف بالله عليكم يطلب منهم حل أسئلة اللغة العربية والإسلامية إن لم يكونوا قد تعلموا الكتابة بعد؟ نعم طفلي حصل على درجة كاملة في الإسلامية والعربي لكنه حفظ أماكن الكلمات ولله الحمد ولم يفهم شيئاً.

ولأن منهجي التربية الإسلامية والعربي مفروضان على جميع المدارس خاصة كانت أو حكومية فإن المدارس الخاصة مضطرة أن تعلمهما للطلبة مثلما هما، وترضخ هذه المدارس لتعليمات الوزارة، أما منهج اللغة الإنكليزية فيبدأ بتعليم الطفل بطريقة بطيئة شكل الحرف وصوته، وكيف نستعمله حتى تجد أن طفلا في الخامسة من عمره يستطيع قراءة مقطع طويل مكتوب بالإنكليزية بسهولة لأنه أخذ وقتا طويلا وجهدا لتعليمه الحروف، وجعله يشربها ويبتلعها ويهضمها هضماً، فأصبحت سهلة جدا، وترى اللغة الانكليزية أصبحت شيئا لطيفا لدى الأطفال، فهم عرفوا كيف يوصلون اللغة الإنكليزية وبسطوها حتى أصبحت محببة لدى الأطفال كغناء وموسيقى وألوان ومرح، أما اللغة العربية فلم تأخذ أي نصيب من هذا، بل أصبحت هماً نتحمله نحن الآباء حتى نوصل لفهم الطفل معلومة بلغتنا الأم التي من المفروض أنهم يفهمونها.

عندما كنا صغارا كنا نسمع اللغة العربية بكل مكان في الشارع في المدرسة في التلفاز قبل أن ندخل المدرسة، حتى كانت هناك برامج باللغة العربية لا نستغرب عند سماع أحد يتحدث بها، فأصبحت اللغة شيئا طبيعيا في حياتنا، وتعلمنا أن هناك الكثير من الكلمات والمفردات لا نستعملها في الشارع هي من صميم العربية، وهناك العكس، فلم نستغرب المفردات ولم نستهجنها كما يفعل الأطفال الآن.

 أرجوكم إن أطفالنا ابتعدوا عن لغتهم الأم بسبب المناهج التي لا تتناسب وعمرهم، فهم يحفظون فقط ولا يفهمون، أقولها لكم إن لم يقلها أحد قبلي، والذي يحفظ ينسى، أما من يفهم فلا ينسى أبدا وهذه لغتنا نحن، ربما هي آخر معاقلنا كعرب، فلم يتبق لنا شيء، الأرض تختفي من تحت أرجلنا والأجيال القادمة لن تجد ما تتحدث به، أصبحنا ضائعين بين لغات الناس ومفرداتهم الغريبة.

 برامج الأطفال اختفت من الشاشة، ولم يتبق للطفل غير قنوات أجنبية تبث السم بشكل أفلام كرتون تسمم عقول الأطفال العرب، ربما لو انتبهتم فإنها موجهة لأطفالنا ليفقدوا عروبتهم وأخلاقهم ويصبحوا تائهين.

انتبهوا... فاللغة هي باب يفتح للحياة ولا يغلق أبدا، والتفتوا إلى أطفالنا واعتنوا بمناهجهم، فالعام الدراسي سيبدأ عما قريب، ماذا حضرتم لهم؟ هل سنجد مفاجآت جديدة مرعبة للطلبة؟

 ودمتم بخير.

back to top