العراق... هل هو دولة مدنية أم دولة مرجعيات؟
حسب الدستور العراقي، فإن للمرجعيات الدينية احترامها وتقديرها عند طوائف الشعب العراقي المختلفة على تباين أديانهم وطوائفهم. واستطاعت هذه المرجعيات الحفاظ على احترامها أمام فئات الشعب المختلفة لما كان لها من دور مهم في منع سفك الدم العراقي، وعدم انجرار الشارع إلى أتون حرب مذهبية حاولت قوى خارجية وداخلية إذكاءها خلال السنين الماضية. وهذه المواقف ليست منّة وصدقة من هذه المرجعيات على الشعب، بل هي واجبها أمام الله والشعب.شهدت الفترات الماضية تغيراً في تفاعل هذه المراجع مع الحدث السياسي في العراق عندما أعلنت على لسان ممثلها الشيخ عبدالمهدي الكربلائي رفضها لمقترح زيادة عدد مقاعد البرلمان المقبل، مؤكداً أن المهم في البرلمان النوع وليس الكم أو العدد. وبالطبع فإن هذا التصريح مثل صدمة للكثير من شرائح المجتمع العراقي كونه جاء في وقت يعاني فيه البرلمان العراقي عسر ولادة لقانون الانتخابات الجديد مما أضفى عليه عسراً فوق عسر.ويمكننا تلخيص أسباب الصدمة هذه في النقاط التالية:1 - لقد مثل ذلك إقحاماً غير مبرر للمرجعية الدينية في شأن سياسي من المفترض أنه من صميم اختصاص الحكومة ومكونات البرلمان العراقي الذي يحوي ممثلين من مذاهب وطوائف كثيرة وليس مقتصراً فقط على الطائفة التي تتبع المرجعية الشيعية الموقرة.2- هذه هي المرة الأولى التي تنحاز فيها مواقف المرجعية لطرف معين على حساب المكونات الأخرى، وهو المكون الذي تمثله.3- كانت نقاشات البرلمان العراقي قد وصلت إلى طريق مسدود وكان مقترح زيادة مقاعد البرلمان يمثل حلاً يمكن للأطراف السياسية الاجتماع عليه، فجاء تصريح المرجعية ليعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر وتضرب بكل الجهود التي بذلت داخل البرلمان عرض الحائط.4- المبررات التي اعتمدت عليها المرجعية في رفضها هي وجوب التركيز على النوعية وليس الكمية (العدد)، وعزت ذلك إلى أن البرلمان الحالي لم يستطع القيام بمسؤولياته امام الشعب العراقي رغم عدد المقاعد الكثيرة فيه. مع كل تقديرنا لرأي المرجعية الشيعية في كربلاء، إلا أن المبرر الذي استندت إليه لا يشكل سبباً مقنعاً لرفض هذا المقترح، وذلك للاعتبارات التالية:1- أن الفترة الفاصلة بين البرلمانين هي فترة كافية لمراجعة عدد المقاعد في كل دورة بسبب الزيادة السكانية التي من المؤكد أنها طرأت على عدد سكان العراق، وبالطبع فإن هذه الزيادة تستوجب من يمثلها في البرلمان الجديد.2- إن كانت النوعية في الكثير من المواضيع أهم من الكمية (العدد)، فإن هذا لا يسري في موضوع البرلمانات، ففي البرلمان أهمية الكمية توازي أهمية النوعية باعتباره منافسة عددية بين مكونات مختلفة في اتخاذ أي قرار يهم الشعب.3- طوال النقاشات التي جرت في البرلمان في الأيام الماضية وقفت المرجعية تراقب عن بعد تلك النقاشات على الرغم من أن تأخير إقرار القانون يهدد إجراء الانتخابات من الأساس، لكن عندما اتجهت الأمور منحى آخر قد يؤثر على نسبة المقاعد المخصصة للتحالف الوطني في البرلمان المقبل، تدخلت المرجعية بهذا الشكل المفاجئ، وهو الأمر الذي يشكل تخلياً عن الحيادية التي ظلت المرجعية ملتزمة بها منذ بداية العملية السياسية وحتى يومنا هذا.إن كانت النوعية هي الفيصل، "حسب رأي المرجعية"، فلا نتوقع أن يكون البرلمان القادم أفضل "نوعية" من البرلمان الحالي، وعليه فليس هناك داع من الأساس لوجود برلمان عراقي إن لم يكن قادراً على القيام بدوره أمام الشعب، وبالتالي فلا مبرر للاستعجال في إجراء الانتخابات، ويمكننا تأجيل الانتخابات القادمة لما بعد إجراء تعداد سكاني تكون الانتخابات على أساسه عادلة ويحصل فيها كل مكون استحقاقاته الشعبية على ضوئه.تصريح المرجعية يتضمن لغة فوقية تجاه الحكومة العراقية بشكل يمكن اعتباره خلطاً في الأدوار بين الحكومة والمرجعية الدينية، ويشير إلى تحول تدريجي للحكومة العراقية من حكومة غير إسلامية إلى حكومة تتحكم فيها مرجعيات دينية من الممكن أن تدخل العراق إلى نفق جديد يحاول فيه كل مكون إدخال مرجعياته إلى المعادلة السياسة، وبذلك يتحول العراق الى دولة مرجعيات.* كردستان العراق – دهوك