العطش... يحث الخطى في الأحلام

نشر في 20-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 20-07-2014 | 00:02
No Image Caption
تركز الكاتبة إستبرق أحمد على مفردة "العطش" اصطلاحاً، لاسيما أنها تشغل بال الصائمين أثناء ممارسة عبادتهم في هذا الشهر المبارك، متتبعة بعض الأعمال الأدبية التي تناولت هذه الكلمة.
يعرف العطش في الويكيبيديا بأنه "شعور يتعلق بوظائف الأعضاء ينبه الكائن الحي من إنسان أو حيوان إلى أنه بحاجة إلى ماء". الماء الذي يصنعنا، كما ورد في قوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي".

ذاك المتغلغل في أجسادنا، تتجه إليه أفكارنا في حالتنا الصائمّية رغبة في دفقاته حتى الارتواء، إذ يبدو ماثلاً بشدة في الصيف الرمضاني في أكثر الصور النمطية مناكفة وتلصصاً على الصائم على شكل "كوب ماء بارد تتكثف عليه تعرجات الندى الباردة وهي تنزلق إلى القاع"، صورة تزداد وتيرة نداءاتها في رمضان، خاصة قبل الإمساك عن الطعام، وعند عودتك من الخارج الحارق منزوياً في المنزل، أو قبل الإفطار مباشرة، وإذا جاءك العطش يحث الخطى في أحلامك... فيجب أن تحاذر، فالعلامة ابن سيرين لا يربطه إلا بسوء الدين.

العطش والذكاء

أثناء قراءتي تعريف الويكيبيديا للعطش، صادفتني معلومة لاحقة بعد بضعة أسطر، تدعو إلى التأمل حول ارتباط الماء بالذكاء، وأنه كلما توافر الماء وُجِد الذكاء... وهي نقطة شديدة الالتماع، تدل على أننا ربما حين نحرم بشدة من الماء، لا يمكننا التركيز ولا التعرف بسرعة على الإجابة الصحيحة لأي سؤال، مما يدفعنا إلى التساؤل: هل غباء الأسلوب وجفاء التعامل لبعض الصائمين يمكن تبريره بانخفاض منسوب الذكاء؟ في الواقع هو دليل فقط على انخفاض منسوب الأخلاق، وانحسار الفكرة العميقة للصيام إلى استشعار المعاناة مع إنسان آخر محتاج، وجائع، فالصوم هو التعرف والتشبث بفضيلة الصبر، وشحن النفس بالتقرب والإمعان في تأمل الحياة.

 للتحولات الخصبة "للمصائر" وهي كلمة تدفعنا للتفكير في الماء وقضايانا المصيرية على مستوى أوطاننا ليظهر تساؤل آخر...هل في تعاملنا مع هذه المعضلات ما يدل على أننا بذهنية تشرب الكافي من الماء حقاً؟ فالدراسات تذكر الماء كسبب رئيسي للحروب القادمة وسد النهضة الإثيوبي دليل قريب، وتخص الشرق الأوسط بالذات فتشير للسرقات المستمرة من إسرائيل لمياه الدول المجاورة لها كلبنان والأردن، وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتوسعها شمالاً كان دائماً الغاية منه الوصول إلى المزيد من الماء فهل فعلنا شيئاً للقادم؟!

العطش والتعذيب

لا يمكن تخيل ما الذي يعانيه مَن يموت عطشاً في الصحاري المترامية. الإحساس المفرط باليأس، في الأشهر الماضية طالعتنا الصحف عن موتى في الربع الخالي، انقطعت بهم سبل الاتصال، فكان الضياع، والصمت، والوحدة الجاثمة. آخر أخبار الموت الصحراوي، هي حادثة وفاة الممثل "ديفيد ليجينو" أحد أبطال فيلم "هاري بوتر" في صحراء كاليفونيا التي تعتبر بحسب الخبر من أشد المناطق حراً بحيث تصل درجة حرارتها 50 درجة مئوية، درجة حرارة تبدو مضحكة للكويت التي تم الإقرار وفق أحد مراصد الأحوال الجوية الأميركية بأنها البلد الأكثر سخونة في العالم، لذا هنا شعب يدهش لميوعة الغرب عند قراءة إحصائيات الموت في موجات الحر التي تفد إليه مهما كانت الأسباب، إذ 50 درجة مئوية هي درجة حرارة لا تهين ولا تلين ولا تمس عافية أصغر فرد في الشعب، ولو اشتدت أصناف التعذيب في سخونة العطش سيبقى "جبل لا تصعقه الأشعة الجحيمية"، مع سؤال آخر حقيقي... لو افترضنا أن هناك رصداً آخر لسخونة أحداثه ودرجة تداعيات الإرهاب القريب منه جداً... هل سيشعر آنذاك بلهيب الأخطار أم سيظل يعيش اللامبالاة من الحرارة، والعطش، والقتل؟.

العطش والأدب

 ترن كلمة "العطش" هنا، يتبادر العطش لكتاب تقرأه يجلب اخضرار الوقت لك كقارئ، عطش لكتابة تعطيك شيئاً من الرضا، والمتعة، والاستغراق، والدهشة، يظل راسخا في الذاكرة القرائية، من هذه الكتابات الغنية، عطش ايتسوكو في رواية "عطش الحب" للكاتب الياباني يوكيو ميشيما، حيث جفاف حياة الأرملة والرغبة في رشفات تهدئ العاطفة رغم المخاطر في مجتمع ريفي، كما أن الأحداث الغزاويّة تشدنا ليتراءى معها عطش الرفاق "أبو القيس، وأسعد، ومروان" الفلسطينيين الثلاثة، المتجهين إلى الكويت، عبر الرواية القصيرة الشهيرة "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، التي مازالت ترسم أوضاع الشعب الفلسطيني آنذاك والآن، مؤكدة عمق رؤية الكاتب لشعبه الذي تدك أحلامه دكاً، وتقصيه مكاييل السياسة الظالمة عن العيش السوي الكريم، وحين نعثر في زمن تقلب الأحوال ونهوض الأهوال على قصيدة إيليا أبي ماضي "عطش الأرواح" نجدها تترجم السنوات التي نعيشها، وفيها يرجم غباء الناس وخيار الحروب والردى، قائلاً "جاءني بالماء أروي ظمأي/ صاحب أي من صحابي الأوفياء/ ياصديقي أجنّب الماء فمي/ عطش الأرواح لا يروى بماء/ أنا لا أشتاق كاسات الطلاّلا/ ولا أطلب مجدا أو ثراء/ إنما شوقي إلى دنيا رضى/ وإلى عصر سلام وإخاء... لا يسعنا إلا الإقرار أكثر أننا عطشى للحب، وللحرية، وللسلام، عطشى لمصائر لا تشرع عيونها للموت ويملأ حلقها التراب، عطشى لغيوم نطلبها بصلوات استسقاء للخير، عطشى لأصوات/ لأمطار تأتي بطوفان يغسل الكراهية، والأسى، والضياع، عطشى مدركين أنه لا غيم في الأفق لكننا سننتظر ولو غاب طويلاً جداً.

back to top