«كفاية»

إنه مأزق حقيقي، عفن تفوح روائحه بين الفينة والأخرى، إلا أن أحداً منّا لا يود أن يغمس يده لينظف العفن، كلنا نفضل أن نُحكم إغلاق الغطاء وندع الخلق للخالق، ولأن شخصا آخر يدفع الثمن، نصمت صمتاً يحكي حكاية خوف، صمتاً يطلب الستر، صمتاً نسير في ظله "جنب الحائط"، حتى لا نفقد وظيفة ولا نضر ابناً ولا نعطل ترقية، نصمت حتى لا تتعلق "إكس" كبيرة فوق رؤوسنا، حتى لا تقع العين علينا ونصبح تحت الرادار وتمضي منافع الحياة "بلانا"، وما لا نفقهه هو أنه بسكوتنا انما نلف الحبل حول رقابنا ونفرش الطريق للحادثة لتصبح ظاهرة، ولتدور وتدور وتعود إلينا، نحن نسكت لأننا نريد الأمان ولأننا نريد المنفعة، وكلاهما تحديداً هما ما نفقد عند سكوتنا، انه مأزق حقيقي. من منّا لا يعرف فلاناً الذي يعرف فلاناً الذي يمكنه أن يساعدنا أن نتقدم خطوة، نأخذ مكاناً ليس لنا، ننتهي من معاملة قبل غيرنا، ننتقم من شخص أزعجنا واختلف معنا، نحن نعيش في دولة عربية، يعني دولة يقوم مجتمعها على شبكة معقدة من العلاقات مختلفة الدرجات، لكن "القوي فيه الأقوى منه"، وفي يوم ستلاحقك "كارما" أعمالك وستدور الدوائر. ماذا لو عملنا، عوضاً عن تقوية خطوط علاقاتنا وتوسعة دائرة معارفنا من أجل ضمان الوسائط، ماذا لو عملنا على تقوية خطوط مؤسسة الدولة وتوسعة دائرة القانون في قلبها؟ ألن نكون كلنا في مأمن عدا الكسول المذنب غير المستحق؟ ولم نعمل على تقوية "سيستم" ينقذ هذا الشخص ويعليه على من يستحق، على النشط المخلص صاحب المبادئ؟تدفع الدكتورة كفاية ثمناً باهظاً لأن المجتمع يهتم بصاحب العلاقة القوي أكثر من الطبيب القوي، بصاحب السلطة أكثر من صاحب العلم، لأننا في الغالب استقوينا في موقف ما على غيرنا، ولأننا، إن لم نستقو، سكتنا على من فعل. "فمتى تنجو من الأسر وأنجو... لست أدري؟"** من "طلاسم" إيليا أبو ماضي