لا تتحمّل الغلوتين؟ قد تكون مخطئاً!

نشر في 11-05-2014 | 00:02
آخر تحديث 11-05-2014 | 00:02
الداء البطني (السيلياك أو ما يُعرف بحساسية القمح) مرض مناعي ذاتي. فيؤدي تناول الغلوتين، بروتين يتوافر في حبوب مثل القمح والشيلم والشعير، إلى إفراز أجسام مضادة تهاجم الأمعاء الدقيقة.
تكون أعراض حساسية القمح في البداية مزعجة: ألم في المعدة، غازات، وإسهال. لكنها قد تزداد حدة بمرور الوقت لتصبح خطرة. يسبب هذا الهجوم المناعي الذاتي تراجع قدرة الأمعاء الدقيقة على امتصاص مواد مغذية، ما يؤدي إلى الإصابة بفقر الدم، تعب مزمن، وخسارة الوزن. لا يتوافر سوى علاج واحد للداء البطني: الالتزام بصرامة، طوال الحياة، بنظام غذائي خالٍ من الغلوتين.

ولكن رغم ندرة هذا الداء، يتبنى عدد متزايد من الناس في العالم الغربي نمط حياة خالياً من الغلوتين. ففي أستراليا مثلاً، يتناول 20 شخصاً أطعمة خالية من الغلوتين مقابل كل شخص يُشخص الأطباء إصابته بالداء البطني. ومن المحتمل أن تكون الأرقام مشابهة في دول عدة حول العالم، هذا إن لم تكن أكثر ارتفاعاً.

حساسية تجاه البروتين

يعتقد كثيرون ممن يختارون اتباع نظام غذائي خال من الغلوتين أنهم يعانون حساسية تجاه هذا البروتين، علماً أن هذه حالة أقل خطورة بكثير من الداء البطني يعاني خلالها المريض بالأعراض ذاتها من دون أن تُصاب أمعاؤه بأي ضرر.

تذكر المؤسسة الوطنية للوعي بشأن الداء البطني في الولايات المتحدة أن نحو 18 مليون أميركي يعانون على الأرجح حساسية الغلوتين هذه. وبما أن هذه الحالة اكتُشفت منذ فترة قصيرة وما زال الأطباء لا يملكون معرفة واسعة عنها، يشخصونها من خلال عملية استبعاد مدروسة. إذا تبين بعد إجراء الفحوص الضرورية للمريض أنه لا يعاني الداء البطني، إلا أن حالته تحسنت عند اتباعه نظاماً غذائياً خالياً من الغلوتين، يعني ذلك أنه مصاب بالحساسية تجاه الغلوتين.

ولكن بدل استشارة الطبيب والحصول على تشخيص دقيق، يعتبر كثيرون من تلقاء ذاتهم أنهم يعانون حساسية تجاه الغلوتين، فيختارون اتباع نظام غذائي خالٍ من الغلوتين. بعد ملاحظة هذا الميل، بحثت جسيكا بياسياكيارسكي، طبيبة جهاز هضمي في جامعة موناش وباحثة بارزة تدرس تأثيرات الغلوتين، على أشخاص بالغين يعتقدون أنهم يعانون هذه الحساسية للمشاركة في دراسة وتجربة سريرية. فاختارت مشاركين من منطقة ملبورن في أستراليا بعد توزيع منشورات عبر الإنترنت والعيادات المحلية ونشرها إعلانات في الصحيفة المحلية. فتجاوب 248 شخصاً مع عرضها هذا. وشارك 147 منهم في دراسة معمّقة هدفها تقييم طبيعة حساسيتهم، وشارك أربعون آخرون في تجربة سريرية.

نتائج الدراسة

بلغ معدل عمر المشاركين نحو 43.5 سنة وكان 130 منهم من النساء (88%). صحيح أن هذه الأرقام تعود، على الأرجح، إلى تحيّز في اختيار العينة، لكنها تعكس الحالة الديموغرافية لمن يقررون من تلقاء ذاتهم اتباع نظام غذائي خال من الغلوتين. بالإضافة إلى ذلك، اتبع 63% من المشاركين في دراسة هذا النظام الغذائي انطلاقاً من قرار شخصي أو من نصيحة أحد العاملين في مجال الصحة. كذلك اتضح مدى انتشار عدم الخضوع لتشخيص دقيق للتأكد من أن المريض لا يعاني الداء البطني (62%)، وخصوصاً بين مَن اعتمدوا على تشخيصهم الخاص للحساسية تجاه الغلوتين أو على نصيحة أحد العاملين في مجال الصحة، غير الطبيب.

ولا شك في أن هذا الوضع مقلق، لأن الداء البطني، كما ذكرنا مسبقاً، يلحق ضرراً كبيراً بالأمعاء الدقيقة. وإذا لم يُعالج بالطريقة الصحيحة، فقد يؤدي إلى تدهور صحة المريض. لكن اللافت أن 28% من المشاركين في الدراسة خضعوا لعملية تشخيص دقيقة لهذه الحساسية. علاوة على ذلك، يعاني 24% من المشاركين من أعراض يعجزون عن التحكم فيها رغم امتناعهم عن تناول الغلوتين، حتى إن 27% لم يتبعوا نظاماً غذائياً خالياً من الغلوتين.

أما خلال التجربة السريرية، التي شارك فيها 37 شخصاً ممن شخصوا بأنفسهم إصابتهم بالحساسية تجاه الغلوتين، أجرت بياسياكيارسكي اختبارات للتوصل إلى مبررات أخرى لهذه الحساسية. من اللافت أن معظم المنتجات التي تضم الغلوتين تحتوي عادةً على نشويات قصيرة السلسلة، قابلة للتخمّر، ولا يمتصها الجسم بسهولة (FODMAPs).

ومن المعروف أن هذه النشويات تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي. لذلك أرادت بياسياكيارسكي أن تتأكد من أن هذه النشويات ليست السبب الفعلي وراء المشاكل الهضمية التي يعانيها المشاركون في التجربة السريرية. فأظهرت هذه الأخيرة أن المرضى الذين اتبعوا نظاماً غذائياً لا يحتوي كميات كبيرة من النشويات لم يعانوا عوارض مؤلمة عند تناولهم الغلوتين. تذكر بياسياكيارسكي: {يبدو أن المرضى الذين يعتقدون أنهم يعانون حساسية تجاه الغلوتين يجنون فوائد جمة من خفض استهلاكهم هذا النوع من النشويات}.

صحيح أن الأسباب الكامنة وراء الحساسية تجاه الغلوتين لا تزال مجهولة، يدرك الأطباء جيداً لمَ تؤدي هذه النشويات إلى اضطرابات هضمية. فلا تستطيع الأمعاء الدقيقة هضمها وامتصاصها بسهولة، مع أن البكتيريا في الأمعاء الغليظة تفرح بتخميرها، مسببة الغازات، ما يؤدي إلى شعور المريض بالانتفاخ ومعاناته غازات المعدة. ومن المنتجات التي تحتوي كميات كبيرة من هذه النشويات الخبز، الشوكولا، ألواح الطاقة التي تشمل محليات اصطناعية، الفطر، الفاصوليا، التفاح، وأي منتج آخر يحتوي على شراب الذرة العالي الفركتوز.

دروس

دروس ثلاثة مهمة يمكننا استخلاصها من بحث بياسياكيارسكي:

• إذا كنت تظن أنك تعاني حساسية تجاه الغلوتين، فاخضع للاختبارات الضرورية للتأكد من أنك لست مصاباً بالداء البطني، لأن هذه الحالة خطرة وقلما تُشخص. فمقابل كل مريض يشخص الأطباء إصابته بهذا الداء، تبقى سبع حالات على الأقل من دون تشخيص.

• إذا لم تكن تعاني الداء البطني، إلا أنك تصاب بأعراضه بعد تناول منتجات تحتوي على الغلوتين، فقد تعود المشكلة هذه إلى نشويات قصيرة السلسلة، قابلة للتخمّر، ولا يمتصها الجسم بسهولة، لا حساسية تجاه الغلوتين. كذلك قد تفتقر الأنظمة الغذائية الخالية من البروتين إلى الألياف ومجموعة كبيرة من الفيتامينات والمعادن، في حين أن الحد من تناول هذه النشويات يُعتبر أسهل وأقل ضرراً بالصحة.

 • قد لا يكون للحساسية تجاه الغلوتين من دون الإصابة بالداء البطني (أي عدم تحمل الغلوتين) أي وجود فعلي.

back to top