الشاعرة التونسية راضية الهلولي: المشهد الإبداعي يعاني الوجع والإهمال بعد الثورة

نشر في 27-01-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-01-2014 | 00:02
No Image Caption
ترى الشاعرة التونسية راضية الهلولي أن الرواية هي الطاغية على المشهد الأدبي التونسي وهذا الطغيان لا يعود إلى ضعف موقف الشعر ولكن إلى المساحة الكتابية الكبيرة التي تحظى بها الرواية وشساعة توزيع السرد. وتنحاز الهلولي إلى كتابة المرأة وتؤكد أن لها حضورها المميز وبما يليق بقيمة المرأة التونسية وريادتها في كثير من المجالات.
ما تقييمك للحركة الأدبية والوضع الثقافي التونسي بعد ثلاث سنوات من الثورة؟

يعاني الوضع الثقافي اليوم في تونس الوجع والإهمال والضبابية كغيره من أوضاع في مجالات عدة كالأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الضبابية التي تكسو المشهد، رغم وجود بعض المحاولات الجادة للاحتفال بالثقافة في جميع مجالاتها من بعض مثقفات ومثقفين غيورين على الوطن العزيز.

صدرت لك أعمال عدة من بينها «طريق الحب» و{أشتعل في الفرح « و{عدلت عمري على صوتك»، كيف تجدين صدى هذه الأعمال وأيها الأقرب إليك؟

هذه المجموعات الشعريّة جزء من قلبي ومن أحاسيسي وقلقي وبكائي وفرحي. المجموعة الأولى «طريق الحب» هي لراضية التي لم تغادر بعد عتبات الطفولة وتجهّز حرفها وقلبها لمرحلة الشباب، «وأشتعل فيّ الفرح» تشكِّل الشباب والاندفاع والحب الحارق حتى الهذيان والبكاء الهستيري والفرح العالي والحب الاختياري لامرأة اختارت لنفسها منهجاً عشقيّاً واضحاً يكسوه الفرح والورد. أما «وعدّلتُ عمري على صوتك» فهي رحلة جديدة مختلفة وتجربة سفر مغاير مع الصوفية كما تراها، واخترت لها منهجاً لا يشبه صوفيّة أحد. مجموعاتي الشعريّة جزء من كلّي وكلّ من مشاعري وأعصابي وتفاعلي في الكتابة التي تدرجت حسب مراحل الحياة والوعي والتدفّق العاطفي في النبض، إلى جانب الحفاظ على خصوصية الشاعرة راضية على نوعيّة كتابتها المتفرّدة. وأكاد أكون الشاعرة الأولى في تونس التي بادرت بكتابة قصيد الدّهشة أو قصيد الومضة كما يحلو للبعض أن يسمّيها، وكان ذلك في مرحلة مبكّرة جداً في تجربتي منذ أواسط الثمانينيات.

 

كيف أثر عليك الارتباط بالشاعر الحبيب الهمامي أدبياً؟

حين عرفت الشاعر الحبيب الهمامي كنت شاعرة بدأت أفرض نفسي في الساحة الشعرية التونسية وبدأت ألقى النجاح والانتشار والحضور الجميل في مختلف الأمسيات الشعرية والمهرجانات الأدبية التي كانت تكتظ بها الساحة الشعرية التونسية. كنا نعيش الكثير من الرخاء الثقافي والأدبي، خصوصاً وأنا شاعرة بدأت أتحسس طريقي إلى الأبهى بينما هو كان شاعراً معروفاً أيامها وبدأنا نطرّز مشوارنا الأدبي بكثير من الورد والياسمين، وكوّنا أوّل ثنائي شعري في تونس سنة 1993 بعد زواجنا مباشرة، وبذلك كنا ثنائياً لا ينتهي ولا يختلف ويفترق على عكس الثنائيات التي وُجدت بعدنا.

ماذا عن ملتقى الأديبات الشابات في مدينة الساحلين وماذا قدم ويقدم للثقافة؟ وهل هو خاص بالأديبات فحسب؟

ملتقى الأديبات الشابات في مدينة الساحلين مدينتي، أسّسته مع الصديق الشاعر الحبيب الهمامي ومجموعة من الأصدقاء المهتمين بالثقافة وبالأدب وهو يقدّم شواطئ أمان وهدوء وتجلّي وتحليق بطريقة مغايرة للأنفاس الأنثويّة التي تنتشر في كثير من المدن التونسية وكان لا بدّ لها من أيادٍ حنونة وناعمة لتأخذ بحرفها إلى الضوء. وكان هذا الملتقى هو الضوء الذي ينبعث أمام وحول تجارب هذه الأقلام الشابة التي تبحث عن المساعدة للتواجد ومددت لها قلبي ليكون معها، والمشاركات فيه في المسابقة طبعا كلّهن شابات، ولأننا نؤمن ألا حركة أدبية إلا بالتعاون مع المرأة والرجل نستدعي كضيوف للملتقى شعراء وأدباء من الرجال طبعا حتى يصبح للملتقى مذاق بطعم السكّر.

هل ترين قطيعة بين أدباء المشرق وأدباء المغرب العربي عموماً؟

لا ليست قطيعة بالمفهوم المتعارف عليه. أن نقول قطيعة أي أننا نعترف بوجود وفاق وتفاهم وتقارب قبلها، بينما هذا الأمر لم يقع كما يليق بالأدب المشرقي وأدب المغرب العربي، ما عدا بعض علاقات محتشمة وقليلة ومحاولات تعارف بين الأدبين يقوم بها بعض الأدباء في اجتهاد خاص منهم ومحاولات قليلة منهم ليكونوا أقرب. اليوم تغيّرت الاتجاهات كافة في اتجاه واحد جميل ومنسق، لذلك نرى الكثير من التقارب بين الأدبين.

لماذا لا تلقى كتب المغرب العربي انتشارها المطلوب في المشرق العربي?

ثمة محاولات محترمة، لكن ليست بالكثرة المطلوبة لأنّ الشرق الذي كان يتميّز على المغرب العربي بسهولة النشر وتعاون دور النشر معه أصبح يعاني وبحدّة من مشكلة النشر. حتى إن بعض دور النشر في مصر مثلاً لم يعد يخاطر بالنشر إلا لأسماء معروفة تضمن المساعدة على انتشار الأثر الأدبي، وإلا ستسجل خسائر كبيرة. وقد علمت من بعض دور النشر في مصر أن الشاعر أو الأديب غالباً ما ينشر عمله على نفقته الخاصة، تماماً كما يفعل الكتَّاب في تونس مثلاً.

يرى البعض أن النقاد يجاملون كتابات المرأة لكونها امرأة فحسب، ولا يقيّمون منجزها الأدبي بموضوعية؟

هذا خطأ النقاد وليس خطأ المرأة المبدعة، وطبعاً لا ينطبق هذا الأمر على النقاد كلهم، بل إن غالبيتهم يتعاملون مع منجز المرأة بكثير من الاحترام والتقدير والمحبة كي يتأكدوا من أن المرأة تتقدّم بخطى أجمل وأعمق وأمتن مقارنة بالرجل لأنّها تتعامل مع منجزها بجديّة وحماسة وضمير. فضمير المرأة الأدبي في حالة عمل متواصل نظراً إلى طموحاتها التي لا حد لها، بينما الرّجل في تعامله مع منجزه يتراجع سريعاً ويفقد إصراره للتواصل ويكتفي بالمتاح. عموماً، وعلى امتداد الساحة الفنيّة والأدبيّة والشعريّة وفي مختلف الفنون، منجز المرأة مميّز ومتميّز بالورد ولك المشهد الشعري التونسي وما تطرّزه المرأة الأديبة والشاعرة من بهاء. شخصياً، أتعامل بإجلال مع الأقلام النقدية كافة التي احتفلت بحرفي سواء التونسيّة أو المصريّة أو العراقيّة أو المغربيّة أو الفلسطينيّة أو الأردنيّة أو الإيرانيّة.

ما رأيك بالمبادرات التي تقام لدعم الشعر في العالم العربي؟

لا بدّ من دعم الشاعرات والشعراء العرب فهم الوجه الأجمل للمجتمع، فالفنان هو وجه مجتمعه الأجمل، وعلى الجميع مساعدته على مواصلة مشواره ونشر الورد من حوله لأنه هو من يمنح الشعوب الأمل والفرح والغد السعيد.

 

بمن تأثرتِ في كتاباتك الشعرية عربياً وعالمياً؟

كانت بداياتي مع الشعر التونسي وأهم الأسماء الشعريّة التونسية كأبي القاسم الشابي ومحمد البقلوطي ونعيمة الصيد وغيرهم، ثمّ الأسماء العربيّة كنجيب محفوظ والحكيم ولطفي المنفلوطي وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل، وبعدهم جبرا إبراهيم جبرا ورائعته «البحث عن وليد مسعود» والشاعر الكبير عبد المعطي حجازي الذي زارنا أخيراً في تونس، ثم الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي وزوربا العظيم والروايات العالمية الحاصلة على جائزة نوبل الآداب والرائعة «مئة عام من العزلة» وأجواؤها الساحرة للروائي المبدع غابريال غارسيا ماكيز.

 

 ما تأثير الثقافة الفرنسية على الأدباء التونسيين?

نتعامل مع هذا الإبداع منذ كنا على مقاعد الدراسة، فالأديبات والأدباء التونسيون يقرأون الأنماط الأدبية الفرنسية والأنكليزية والعالميّة عموماً، والترجمات اليوم سهّلت علينا الكثير، خصوصاً في ظلّ الفضاء الافتراضي المثير.

ما هي أبرز المشاكل التي تواجه الثقافة العربية والأديب العربي؟

انصراف السياسيين بعيداً عن الثقافة، أي نكرانهم لها واعتبارها على هامش الحياة في دولهم وهو الخطر الكبير لأنّ هذا يجعل الفنان يعيش في تهميش، وهم بذلك يقللون من شأن الإبداع والفن فيتحوّل المجتمع إلى مشهد ضبابي لا نور فيه. المثقف في بلده مشهد ملون، بينما السياسي مشهد ثقافي أسود لأنه ترك الثقافة والمثقفين.

ما جديدك في الفترة المقبلة؟

تُرجمت مجموعتي الشعريّة الأخيرة «وعدّلتُ عمري على صوتك» كاملة إلى الفرنسيّة بقلم الأديب المترجم التونسي الأستاذ عبد المجيد يوسف. كذلك تُرجمت كاملة إلى الإنكليزية بقلم الأديبة والمترجمة المغربيّة الأستاذة بديعة بنمراح فإني أستعد لنشر هذه الترجمة وهي الآن تحت الطبع وبعد صدورها أشرع في نشر الترجمة الفرنسية في انتظار أن تصلني ترجمات أخرى كاملة لمختارات من أشعاري.

back to top