هل ستساعد الولايات المتحدة الأكراد على محاربة «داعش»؟

نشر في 08-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 08-08-2014 | 00:01
 ديكستر فلكنز تطرح أحدث سلسلة انتصارات حققها المقاتلون الإسلاميون في العراق سؤالاً واضحاً وبالغ الأهمية: ماذا تفعل الولايات المتحدة لمساعدة الأكراد؟

سيطر المقاتلون في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو "داعش" على بلدة سنجار ثم سد الموصل في اليوم التالي، وهو أكبر سد على نهر دجلة، وهذه الانتصارات تضعنا أمام احتمالين مرعبين: الأول لأسباب إنسانية والثاني لأسباب استراتيجية.

سنجار هي موطن آلاف المنتمين إلى الطائفة اليزيدية (أقلية دينية تعود جذورها إلى الإسلام والزرادشتية). يعتبر المتطرفون الإسلاميون، بمن في ذلك قادة "داعش"، أن اليزيديين هم من الكفار، وتتعدد الأسباب التي تجعلنا نخشى الأسوأ بشأن ما سيقوم به مقاتلو "داعش" باليزيديين، وفي بلدات أخرى استولت عليها "داعش"، أقدم المقاتلون على صلب أعدائهم وقطع رؤوسهم، بدأ مئتا ألف شخص يهربون من سنجار والبلدة المجاورة تلعفر، فيوم الأحد، أعلن مسؤول بارز في الأمم المتحدة التي تبقى متحفظة في تصريحاتها العلنية "بدء مأساة إنسانية في سنجار".

الوضع يزداد سوءاً، فوفق التلفزيون العراقي الرسمي استولى مقاتلو "داعش" على سد الموصل الذي ينظم تدفق المياه نحو الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلد، ونحو مجموعة من البلدات والمدن جنوباً، وتوفر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية في السد الكهرباء لمعظم أجزاء تلك المنطقة نفسها، فإذا قرر قادة "داعش" إغراق المدن والبلدات والحقول على طول نهر دجلة وصولاً إلى كربلاء في جنوب بغداد، فلا شيء سيمنعهم. سبق أن أثبت الرجال الذين يديرون تنظيم "داعش" قدرتهم على أقسى درجات التدمير؛ لذا لا داعي للتساؤل عن ميلهم إلى اتخاذ قرار مماثل.

ما العمل في هذه الحالة؟ في المقام الأول، يمكن أن تساعد الولايات المتحدة الجماعة الوحيدة التي تبذل قصارى جهدها لمقاومة "داعش": الأكراد. في الوقت الراهن، يتصدى الأكراد الذين يحتلون مساحة واسعة من شمال شرق العراق لعناصر "داعش" وجهاً لوجه ضمن جبهة تمتد على مسافة 600 ميل، ويُعتبر الأكراد من أفضل أصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فهم موالون للغرب وعلمانيون وديمقراطيون في معظمهم. منذ عام 1991، حين أحبطت الولايات المتحدة آخر محاولة أطلقها صدام حسين لارتكاب إبادة جماعية بحقهم، بدأ الأكراد يحكمون نفسهم بنفسهم بدرجة معينة. خلال الحرب الأميركية، بين عامي 2003 و2011، لم يُقتَل ولو جندي أميركي واحد في المنطقة الكردية، ويعتبر الأكراد أنفسهم منفصلين ثقافياً ولغوياً عن العرب (السُّنة والشيعة) الذين يقيمون في بقية أجزاء العراق، وفي هذه الأيام يتراجع عدد الأكراد الذين يجيدون اللغة العربية.

هذه هي المشكلة تحديداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة على الأقل، فمنذ عام 2003 كانت السياسة الأميركية تجاه كردستان تُختَصر بمطلب "توحيد العراق"، وبالتالي، مهما كان الأكراد لطفاء أو موالين للغرب، لطالما دعتهم السياسة الأميركية إلى الحفاظ على وحدة العراق، ويعني ذلك عدم القيام بأي خطوة من شأنها أن تساعد الأكراد بشكل مفرط خوفاً من أن ينفصلوا عن العراق ويعلنوا استقلالهم، وهو أكثر ما يريده الأكراد.

حتى الفترة الأخيرة كانت تلك المقاربة منطقية بعض الشيء، مع أنها كانت تحرم الأكراد من تحقيق أمنياتهم الحقيقية، لكن منذ شهر يونيو، حين اجتاح مسلحو "داعش" الحدود السورية واستولوا على أجزاء شاسعة من شمال العراق وغربه، بات من الصعب تبرير هذه السياسة، فالأكراد يتقاسمون الآن حدوداً شاسعة مع الأرض التي تسيطر عليها "داعش"، وهي تقع على بُعد أميال قليلة من بقية أجزاء العراق، وتحارب الميليشيا الكردية (أو "البشمركة") "داعش" يومياً، ومنذ بداية هذه السنة حُرمت حكومة إقليم كردستان التي تدير المنطقة من عائدات النفط العراقي بالكامل، مع أنها من حقها قانوناً، بسبب الحكومة في بغداد. إن الطريقة التي يتعامل بها رئيس الوزراء نوري المالكي مع الأكراد تشبه طريقة تعامله مع العرب السُّنة: إنها طريقة قاسية وتعسفية، وأدت سلوكياته مع السُّنة إلى تسريع الأحداث التي قادت إلى اجتياح "داعش".

مع ذلك يبدو أن إدارة أوباما تصرّ على الضغط على الأكراد كي يبقوا جزءاً من العراق، فوفق وكالة رويترز، حين طلب الأكراد حديثاً مساعدات عسكرية، أخبرهم البيت الأبيض بضرورة التعاون مع الحكومة في بغداد علماً أن هذه الحكومة تميل إلى رفض مطالبهم فوراً، ويدرك البيت الأبيض هذا الأمر، كذلك صعّب المسؤولون الأميركيون على الأكراد بيع نفطهم حين أعلنوا أن أي شركة تشتري النفط الذي يصدّره الأكراد بشكل أحادي الجانب ستواجه مشاكل قانونية، إذ يُعتبر النفط، عدا استعمالاته العملية، السلعة الوحيدة التي يصدّرها الأكراد، وقد كرر المسؤولون الأكراد هذه المعلومة خلال هذا الأسبوع.

لقد اجتاح مقاتلو "داعش" معظم المناطق في شمال العراق وغربه، وما من مؤشر على أنهم ينوون إبطاء تحركهم، وفي تحول مفاجئ وواعد للأحداث، أمر المالكي القوات الجوية العراقية بشن ضربات جوية لمساعدة الأكراد، لكن أثبت الجيش العراقي قلة كفاءته في محاربة "داعش"، فإذا قررت الولايات المتحدة مساعدة الأكراد، فلا شيء يضمن ألا يستعمل الأكراد لاحقاً تلك الأسلحة لتحقيق مصالحهم الشخصية.

لكن ما الخيار البديل؟ يبدو أن الأكراد هم الطرف الوحيد القادر على إبطاء مسار "داعش"... وذلك بغض النظر عما يخططون لفعله في المرحلة اللاحقة.

* نيويوركر

back to top