عنكبوت الأرملة السوداء لا تلدغ إلا بعد استفزاز
أجرى الموسيقي الشهير بيك أخيراً عدداً من المقابلات في إطار حملته للترويج لألبومه الجديد Morning Phase. لكن جملة واحدة قالها أثناء مقابلة معه على إذاعة NPR لفتت انتباهي: فخلال تسجيل ألبومه، لدغته عنكبوت الأرملة السوداء واضطر إلى دخول المستشفى. وأخبر بيك ستيف إنسكيب: {ورمت يدي بالكامل}.
لا شك في أنه عانى ألماً مبرحاً. لكن هذا عنى أيضاً أن العنكبوت عانت الكثير من الانزعاج أو اعتبرته على الأقل مصدر خطر كبيراً. تختار عنكبوت الأرملة السوداء بدقة متى تستعمل سمها، حسبما أشارت دراسة حديثة. فلا تُلدغ إلا إذا لكزت مراراً أو قرصت. فاستعمالها سمها بكل ما يحتويه من بروتينات معقدة وما يكلفها من طاقة في حالات أخرى لا يستحق العناء. فإذا لم تشعر هذه العنكبوت بخطر كبير، تفضل ادعاء الموت أو رمي بعض القنابل الحريرية.لا أقصد بقولي هذا أن بيك تعمد استفزاز العنكبوت. لم يعرف هذا الموسيقي على الأرجح بوجودها إلى أن أذاقته لدغتها المؤلمة. تحب الأرملة السوداء الاختباء في الأماكن المعتمة، تحت الصخور مثلاً أو داخل مجموعة من عناقيد العنب أو تحت الأثاث (أماكن تتجاهلها إذا كنت تركز على الأرجح على تسجيل ألبوم بالغ الأهمية). وعلى غرار معظم لدغات العناكب، كانت هذه المواجهة في الغالب حادثاً مؤسفاً، إلا أذا سئمت هذه العنكبوت من الاستماع لأغنية Loser للمرة الثمانية آلاف.
خوف وإزعاج بغض النظر عن السبب، من المؤكد أن هذه العنكبوت شعرت بخوف كبير. يوضح ديفيد نيلسون، واين كلن، ووليام هايز من جامعة لوما ليندا في كاليفورنيا ما هو ضروري لاستفزاز الأرملة السوداء وحملها على اللدغ. أمسك هؤلاء الباحثون ببعض عناكب الأرملة السوداء من تلال سان برناردينو ووضعوها في أكواب بلاستيكية. سمحوا لهذه العناكب بأن تنسج شباكها وراحوا بعد ذلك يلكزونها، يخزونها، ويقرصونها بواسطة إصبع من الجيلاتين لمعرفة ما ستكون ردة فعلها.بدأ العلماء بإزعاج العناكب بدفعها مرة واحدة في مكان ما من جسمها. فاكتفت هذه العناكب بالابتعاد. ثم صعّدوا مناوراتهم لتشكّل {خطراً متوسطاً}. فتحولوا إلى مفترس افتراضي ملحّ بلكزهم العناكب مرة كل ثانية طوال دقيقة. فاكتفت العناكب مرة أخرى بالتراجع، سحبت قوائمها وقذفت أحياناً كرات من الحرير باتجاه المعتدي. وعندما انتقلوا إلى {حالة الخطر القصوى}، دفع العلماء العناكب إلى الصعود على إصبع الجيلاتين وضغطوها نحو الأسفل طوال 10 ثوانٍ. فسبب ذلك ذعراً كبيراً لديها. نتيجة لذلك، ادعت الموت أو لدغت الإصبع، مطلقة سمها.اختلفت ردود الفعل هذه بين العناكب باختلاف مدى خطورة التهديد، مع استعمالها عدداً من التكتيكات الدفاعية. لكن هذه التجربة ازدادت تشويقاً عندما تأمل الفريق المدة الفاصلة بين عمليات الاستفزاز وعدد اللدغات وكمية السم التي أطلقتها في كل لدغة. ازداد احتمال أن تسدد العناكب اللدغات عند دفع قوائمها نحو الأسفل، إلا أنها أطلقت كمية أكبر من السم عند الضغط على صدرها أو بطنها. وهذا منطقي بالتأكيد. فاللدغ خط دفاعها الأخير. وعندما تلدغ، لا تستعمل كمية كبيرة من السم إلا إذا دعت الحاجة.يكتب الباحثون: {بما أن هذين المنتجين، السم والحرير، يُعتبران محدودين، تتوخى العناكب الحذر عند استعمالهما}. ويتابعون موضحين أن النتائج التي توصلوا إليها تُظهر أن العناكب تتخذ قرارات مدروسة.ولكن هنا ينشأ السؤال: هل هذه قرارات واعية؟ بغض النظر عن الجواب، من الواضح أن العناكب تتحكم بطريقة ما في استخدام مواردها. مسكين بيك! ربما تزيد هذه الحادثة من حزنه.