«في البدء كانت الفكرة» لضياء يوسف الفن في ميدان الحرية

نشر في 02-06-2014 | 00:01
آخر تحديث 02-06-2014 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن دار طوى كتاب {في البدء كانت الفكرة... تأملات في الفن المعاصر}، للباحث والمؤلف ضياء يوسف. وفيه يبين أن الفن نال حريته بعد أعوام من التجميد لصالح التعابير التي لا تقول شيئاً ولا تحرك ساكناً في العالم. نال الفن حريته بنيل الإنسان لحريته. وقد يكون الفن المعاصر مندمجاً بطبيعته ويريد الاقتراب فعلاً من الناس لكنه في ميدان التحرير استخدم أقصى هذه الأهداف.
كتب ضياء يوسف المقالات الواردة في {في البدء كانت الفكرة... تأملات في الفن المعاصر} بشكل متفرق وفي عدد من الأماكن، وما يشرحه على نحوه الطبيعي كان شبيهاً ومتقارباً للمعنى الأصلي في بيانات الفنانين. لكنه وفي غالب الأحيان يخرج من سجن البيان ويمتد لصالح تعبيراته الفكرية الذاتية.

 بمعنى آخر، يحاول يوسف بجدية ابتكار فعل تحريري، فلم يفرض بياناً جديداً للعمل بل انبثاقاً، حركة جوهرية تتناغم منسجمة حد البديهية مع الأعمال. حيث يقول يوسف إن التأمل فعل مترفع وسلس، في مقابل هذا يظهر النقد كفن يسقط بسهولة في الصلابة. بمعنى آخر، فإن استخدام عناصر العمل الفني لبناء رؤية جديدة أو بيان جديد هو روح التأمل الذي يهدف إليه، وهو الذي يغدو لضروراته المعاصرة وعمقه فناً يجاور الفن.

يقسم المؤلف كتابه إلى أربعة محاور أساسية، الأول {احتمالات لفن مقبل}، ويضم عدداً من المقالات متنوعة المواضيع، من بينها: {معضلة أن يكون الفن معاصراً، النحت اللامرئي... في تشكيل الفن باللغة، الرمز الفني في عصره التأويلي، الانعتاق.. بصفته اندماجاً بحركة التحولات (قراءة في جوهر الفن المحلي الجديد)}. أما المحور الثاني فكان بعنوان {في مكان بين الرموز... في تأويل النماذج المشرقة}، وقد تناولت نصوصه عدداً من الفنانين وأعمالهم، ومن هذه النصوص: {اللباقة الشكلية... الاستثناء الشاعري ومزاجية ما بعد الحداثة (كومي ياماشيتا مثالاً)، الاصطدام ليس حكاية واحدة (قراءة في أعمال الفنان كاي جو)، الندب العميق في الحضارة.. عبقرية سالسيدو في كسر القاعدة النقدية، الفوتوغرافي الفنان جويل بيتر... جمال مستتر بالموت وبعد ثقافي ملهم، روبرت وشانا.. صورة مثالية وفضاء غير مطمئن}.

أما المحور الثالث بعنوان {الغيمة والخيط}، فقد تناول أعمالاً لخمسة فنانين عرب: {عادل عابدين.... النافذة تفتح على المبدأ، عبد الناصر غارم... فن احتمالات البقاء، محمد الغامدي وفن الخلق من المهمل، أيمن يسري... إنجاز العقل والروح الشاعرة، باسم الشرقي... اللون بصيغة ثورية}. وجاء المحور الرابع بعنوان {المنصة والانفعال}، وتناول مواضيع عدة: {خبز الفن... نيران الثقافة، الفنان المعاصر وفصا دماغه، الفن في ميدان الحرية، التوثيقية... جرح البيان، الفن الإسلامي المعاصر... غيابنا شبه الكلي، التفاعلية... طموح الفن، وما أوتينا من الفن إلا قليلا، الماسونية خلف الفن، الفن الأكبر من صاحبه}.

في مقدمة كتابه يقول ضياء يوسف إن من آثار الكائن الفني المعاصر أن يثير التفكير والتعليق والمناقشة، يحرض على المشاركة أو بالأحرى على محادثة الذات للذات ومحادثة الذات والآخر. وإحدى خصائص الممارسات الفنية المعاصرة أساسها اجتماعي وثقافي ونقدي جمالي وسياسي أيضاً. لذلك لا يكفي استحضار الكائن الفني أو وصفه، ثمة حاجة ماسة إلى الامتداد عنه لأجل حالة نماء أفضل للأطر الجمالية والثقافية التي تعمل على أساسها هذه الأعمال. ويتناول هنا المؤلف مفهوم الامتداد، حيث من الضروري أن ندرك فن الفكرة وهي تمتد فناً في أذهان الآخرين، على المستويين المفهومي والجمالي باعتبارهما مفهومين ترتبط بهما الممارسة الفنية المعاصرة في المقام الأول بالبحث والتفكير، بغية تفصيل موقف جمالي يتعلق بتجربة التلقي. علاوة على ذلك يطمح الكتاب، حيث يقوم كثيراً بفلسفة الأعمال وإعادة تنظيم عناصرها في معان جديدة، أن يدعو القارئ إلى المشاركة في التفكير بما يتضمنه من صناعة للفكرة. فإلى جانب هذه اللذة النادرة يجد المرء أنه في لحظة حاضرة ممددة، وهذا مدلول تكرار عوامل الخلق حيث لا يتلافى المتأمل اللحظة الفنية، ولا يتجاهل حضورها الطاغي فيه.

التجارة... تبخير الفن

يشير المؤلف في أحد نصوص الكتاب إلى أن البيناليات الفنية وأسواق الفن ومهرجاناته تأتي في أول الفعاليات التي تنهض بالفنون اليوم، وتجعل من معاصرة الفنون قيمة موازية للتاريخ الفني الطويل، ليس فقط لشرط المواكبة الذي تفترضه مثل هذه الفعاليات في القطعة المقدمة، وإنما أيضاً ليأتي الواقع الخلاق للتقديم والتجربة الحية للتلقي المحكوم بزمن ينتهي، كأسباب جذب مغرية حيث السعي وراء قطعة فنية لا تنتظرنا في المكان تعد تجربة نفسية غنية بحد ذاتها.

ويلفت يوسف هنا إلى أنه وفي مثل هذه الأجواء تزدهر التجارة الفنية، وهي حدث بإمكانه تنميط الفنان، وبالتالي تنميط الفن، إذ من غير العادي قدرتها على تسييد أسماء عن أخرى بشكل يقود آخرين إلى مساحات غير حرة بالضرورة، وإنما حريتها محكومة بالمسافة قرباً وبعداً عن تلك الأسماء، وهذا ليس أسوأ ما يمكن حدوثه. فالأسوأ في نظر المؤلف، هو ظهور نوع جديد من الفنانين لا يشغلهم سؤال الفن كما يشغلهم سؤال التجارة.

الفن في ميدان الحرية

يؤكد ضياء يوسف أنه وبعد ثلاثين عاماً من الحد من حرية التعبير ظهر ميدان التحرير كقطعة حرة ونزيهة من الأرض تفتح قلبها وتصغي جيداً إلى المتظاهرين وتدفع سائر الأرض إلى ذلك. كنتيجة لهذا كان يموج ميدان التحرير بفن أدائي متواصل لا ينقطع انتهى بالنصر الجميل ودموع المسالمين. فروح المقاومة والإحساس المتزايد بالإحباط كلاهما يمثلان طاقة هائلة للتعبير امتدت لتجمع ذلك الكم الهائل من مثقفي مصر وبصحبتهم وسائل تعبيرهم. فالفن الأدائي والتشكيلي والموسيقى والشعر والكوميديا التي تجلت في ميدان التحرير تمثل العلامة الأولى على أن الثقافة تحتوي في داخلها وواقعياً على أحد أكثر طرق التعبير السلمية عن الحقوق وأرقى أنواع التظاهرات السلمية وصولاً، وأن هذه الطريقة في التعبير بالذات تنبض بدم الشباب وزماننا اليوم حيث حق الحياة حق معمم للجميع لا لفئة واحدة متسلطة.

back to top