خيارات كردستان بعد الممانعة الأميركية الأخيرة

نشر في 15-02-2014
آخر تحديث 15-02-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر هناك تباين واضح بين المنجزات السياسية والمكتسبات الاقتصادية لإقليم كردستان خلال السنوات القليلة الماضية، ففي الوقت الذي خطا فيه الإقليم خطوات اقتصادية ثابتة نلاحظ انكفاءً واضحاً في مواقفه السياسية داخل الإقليم وخارجه، وآخر ما يشير إلى هذا الانكفاء هو الرفض الأميركي لاستعدادات كردستان إعلان الانفصال عن العراق خلال السنوات الخمس القادمة. هذا الموقف ليس جديداً على الحكومة الأميركية فطالما لمحت إليه... غير أن ما يميزه هذه المرة أنه جاء وسط متغيرات كثيرة تمر بها المنطقة توحي لحكومة الإقليم بضرورة إعادة النظر في أدائها السياسي وتوظيف نجاحاتها الاقتصادية لقضاياها السياسية الملحة.

فقد نجح الإقليم خلال السنوات السابقة في إنعاش الاقتصاد الكردستاني وجذب الاستثمارات الأجنبية إيماناً منها بأن الاقتصاد هو مفتاح حل لمشاكل كثيرة، وعملت على جعل كردستان مركزاً اقتصادياً وتجارياً مهماً في المنطقة، لكن ما تغافلنا عنه في كردستان هو توظيف هذا النمو ليكون في خدمة الأهداف السياسية للشعب الكردي، وبدلاً من أن تكون الاستثمارات الأجنبية ورقة ضغط على الدول ذات العلاقة بها لإحداث تغير في مواقفها إزاء استقلال كردستان، فقد أصبحت ورقة ضغط على الإقليم نفسه وبدا من الصعب التحرك سياسياً بشكل مرن في هذا الصدد.

 كان من الممكن إظهار الإمكانات الاقتصادية للإقليم على مراحل وانتظار المكسب السياسي في كل مرحلة ثم البدء بعد ذلك بمراحل أخرى، لكن الذي حصل هو أن الإقليم قد دفع بكل أوراقه الاقتصادية دفعة واحدة للحصول (بعد ذلك) على مكاسب سياسية من الدول المعنية في تحقيق طموحاته السياسية. هذا "الدفع بالآجل" للمكاسب السياسية قطعا لم يجن الإقليم ثماره وهو ما حصل أيضا في ملف استخراج النفط وكذلك تصديره. فرغم أن تصدير النفط الكردستاني إلى الاسواق العالمية كانت الورقة الأخيرة التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق حلم الانفصال الكردستاني، فإن سوء التوقيت أدى إلى ضياع هذه الورقة أيضا بعد أن تزامنت مع المتغيرات الإقليمية، ولذلك فليس من المستغرب أن ينصح بايدن الساسة الكرد بالتروي في إعلان الانفصال حتى إن كان بعد خمس سنوات قادمة.

إن ربط السياسة الخارجية للإقليم بفلك السياسة التركية جعلته منكفئاً على الداخل الكردي سواء في كردستان سورية أو كردستان تركيا في الوقت الذي كانت المنطقة تشهد تغيرات في ميزان القوى كان من المفترض أن يتحرك الإقليم في مسارات أخرى غير التي تحركت خلالها، بينما استطاع المالكي من خلال هذه المتغيرات كسب نقاط كثيرة لمصلحته مكنته من التحول إلى نقطة لالتقاء المتناقضات السياسية بين أميركا وإيران، وتحول إلى عامل اطمئنان للسياسة الأميركية والإيرانية في الحرب الإقليمية على الإرهاب ساعده في ذلك تغير الموقف الأميركي والغربي من التعامل مع إيران والأزمة السورية، بينما بقي الموقف الكردي معتمداً على صدى مواقف تركيا المتقلبة التي حشرت في زاوية ضيقة إقليمياً مقابل توسع الدور الإيراني في المنطقة. كنا قد حذرنا في مناسبات سابقة من مغبة وقوع حكومة إقليم كردستان في فخ المماطلة والتسويف الذي كانت حكومة المركز تمارسه معها وسياسة التطمينات التي كانت الإدارة الأميركية تمارسها مع الجانب الكردي في الملفات العالقة بين أربيل وبغداد. ومع ذلك فالوقوف على الأخطاء يجب ألا يعطلنا عن دراسة ما يترتب علينا عمله في المراحل المقبلة والبحث في الإمكانات المتاحة لإقليم كردستان للتحرك على ضوئها مستقبلاً. وأهم ما يتحتم على الساسة الكرد دراسته هو هل الانفصال أمر ممكن في الوقت الراهن أم أنه لا بد من البقاء ضمن عراق يحكمه المالكي وسيتبعه بالتأكيد في الحكم الكثير من مالكيي العراق؟

إن وصول الشعوب إلى طموحاتها في الاستقلال لن يكون دون ثمن، ومخطئ من يظن أنه بالإمكان انفصال كردستان عن العراق دون أن يدفع الشعب الكردي وحكومته الثمن، وكلما طال زمن اتخاذ هذه الخطوة زاد حجم الثمن. فالعامل الزمني ليس في مصلحة الإقليم وهو يتناسب طردياً مع الثمن الذي سيدفعه الكرد في طريق الانفصال لاسيما بعد توجه حكومة المركز لتقوية ترسانته العسكرية بحجة محاربة الإرهاب وتهافت الجانب الأميركي على تنفيذ العقود المبرمة بين الطرفين وتحويل العراق إلى سوق كبيرة للأسلحة الأميركية. هذا التباين في التسليح بين مركز مدجج وإقليم غير مصرح له بشراء الأسلحة رسمياً يجعل من التسويف في خطوة الانفصال أشبه بانتحار جماعي لشعب كامل.

وإن كانت الحكومة في كردستان تعرف أن ليس بمقدورها الآن حتى التفكير في الانفصال لأسباب سياسية أو اقتصادية معينة (وهذا أمر مؤسف حقيقة ) فعليها أن تتحرك وفق أسس جديدة تبقيها قوة سياسية فاعلة في الشأن العراقي غير مهمشة وعلى هذا الأساس فعليها أن تتحرك وفق النقاط التالية:

1- رفع مستوى العلاقات الاقتصادية والسياسية بين كردستان وإيران لتضاهي العلاقة الكردستانية مع تركيا من خلال الجانب الاقتصادي والسياسي، فإبقاء العلاقة الإيرانية مرهونة بعلاقتها مع أحزاب كردستانية يمثل خطراً حقيقياً على الداخل الكردستاني إضافة إلى أن الرهان على الموقف التركي فقط أفقد الإقليم مرونة الحركة بين الدولتين ولم يجن الإقليم مكاسب سياسية حقيقية من هذه العلاقة بقدر ما جنته تركيا.

2- الانخراط وبشكل كامل في الحياة السياسية داخل العراق والخروج من قوقعة الكردستانية التي رافقت مسيرتها طوال العقود السابقة، فمخاطبة الشارع العربي بشكل مباشر تعتبر ضرورة ملحة لحكومة الإقليم بعد وجود إشارات واضحة للنظرة الإيجابية التي يرى فيها الشارع العربي العراقي مواقف حكومة إقليم كردستان حالياً.

3- تغير العلاقة بين بغداد وأربيل من علاقة فدرالية إلى علاقة كونفدرالية خصوصاً إذا ما بقي موضوع الموازنة السنوية للعراق مثار مشاكل بين الإقليم والمركز، وبالطبع فإن هذه الخطوة تحتاج إلى تغيير في الدستور العراقي الذي يحدد نوعية العلاقة الفدرالية بين الطرفين مما يستوجب الدخول في مفاوضات وتوافقات مع بعض المكونات العراقية التي تتطلع إلى تشكيل أقاليم مع المركز للحصول على تأييدها في كونفدرالية كردستان مع العراق مقابل دعم محاولاتها في "الفدرلة" مع العراق.

4- التقليل من الاعتماد على الدور الأميركي في تأييد المواقف الكردية في العراق وتغير معادلة العلاقة معها من طرف مضمون الجانب بالنسبة لأميركا إلى طرف يعطي لمصالحه الأولوية في اتخاذ القرارات وتنويع تحالفاته خصوصاً أن كردستان قد أهملت حتى الآن الدورين الروسي والصيني في المنطقة.

* كردستان العراق – دهوك

back to top