الأميركيون ليسوا انعزاليين... بل أنهكهم أوباما!

نشر في 21-12-2013
آخر تحديث 21-12-2013 | 00:01
يبدو أن الجمهور الأميركي في صلبه أكثر حكمة وعقلانية من النخبة الليبرالية التي ما زالت سجينة أوهامها القائمة على افتتانٍ بروحاني وبإمكان قيام «مصالحة تاريخية» مع دولة داعمة للإرهاب دأبت على مدى 35 عاماً على استهداف المصالح الأميركية.
 ويكلي ستاندرد    أظهر استطلاعا رأي صدرا الأسبوع الماضي أن الرأي العام الأميركي يشكك في الاتفاق المؤقت الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران حول برنامج الأخيرة النووي. أظهرت الاستطلاعات كذلك أن أغلبية الأميركيين لا يثقون "بالملالي" وبقدر ما ينشدون تسوية عبر التفاوض، إلا أنهم يجدون الهدف المنشود صعب المنال.

بعبارة أخرى، يبدو أن الجمهور الاميركي في صلبه أكثر حكمة وعقلانية من النخبة الليبرالية التي ما زالت على ما يبدو سجينة أوهامها القائمة على افتتانٍ بروحاني، وبإمكان قيام "مصالحة تاريخية" مع دولة داعمة للإرهاب دأبت على امتداد 35 سنة على استهداف الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها.

تدحض نتائج هذه الاستطلاعات إذاً المزاعم التي أكدت أن الأميركيين جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين، وبعد حربين، ما عادوا يأبهون لما هو خارج حدود بلادهم ناهيك عن الشرق الأوسط. ليس الأميركيون إذاً انعزاليين ولا "منهكين من الحرب" كما وصفهم أوباما سابقاً، لعلهم منهكون من قادتهم.

في التاسع من ديسمبر، نشر كل من مركز "بيو للأبحاث" Pew وصحيفةUSA TODAY نتائج استطلاع أجرياه بين الثالث والثامن من ديسمبر الجاري حول اتفاق الرابع والعشرين من نوفمبر المؤقت الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة دول "خمسة زائد واحد".

تبين من النتائج أن 43% يعارضون الإتفاق في حين يؤيده 23%. الجمهوريون يعارضون الاتفاق بنسبة 58% مقابل 14%يؤيدونه، في حين يؤيد الاتفاق نصف الديمقراطيين مع إعلان 27% منهم عدم ترحيبهم به.

علماً أن معظم من شارك في الاستطلاع، بنسبة 62%، لا يعتبر نظام طهران جدياً في سعيه إلى الامتثال للطلبات الدولية بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم.

وأظهر استطلاع آخر عقب اتفاق جنيف مخاوف الرأي العام الأميركي الجدية حيال النوايا الإيرانية، ويبين الاستطلاع الذي أجرته مجموعة Luntz Global  لمصلحة موقعي almasdar.net و The Tower.org أن 84% من الأميركيين (96% من الجمهوريين و75% من الديمقراطيين) يعتقدون أن إيران إنما تستخدم المفاوضات للمماطلة في حين تستمر بتطوير أسلحتها النووية، في حين تصل نسبة المؤمنين بحسن نية النظام وبإمكان تعليقه لتطوير الأسلحة النووية إلى الـ 16% فقط. ويشكل استطلاع الـMasdar/Tower  خير دليل على وجود معارضة واسعة لموقف البيت الأبيض التفاوضي والتكتيكات التي يتبعها.

وبينما أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأسبوع الماضي أن الاتفاق النهائي قد يعطي إيران قدرة محدودة لاستئناف تخصيب اليورانيوم، أكد 86% من الذين شملهم الاستطلاع ضرورة عدم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم على الإطلاق.

ليس ذلك فحسب، بل بينما جهدت الإدارة الأميركية لتخفيف العقوبات وتعطيل جهود الكونغرس لفرض جولة جديدة من العقوبات، عارض 77% السياسة المذكورة معتبرين أن فرض عقوبات جديدة والضغط اقتصادياً على النظام الإيراني هو أنسب طريق لحث الأخير على التخلي عن برنامجه النووي.

ولعل أسوأ الأخبار بالنسبة إلى البيت الأبيض وما قد ينذر بالسوء لمن سيخوض الانتخابات النصفية من حلفائه، إعلان 77% من الديمقراطيين و96% من الجمهوريين تفضيلهم التصويت لسيناتور يدعم فرض عقوبات جديدة وليس لمصلحة من يرفض ذلك. لا بد طبعاً من أخذ الاستطلاعات كلها في إطارها الشامل، خصوصاً أن الاستطلاعين المذكورين جاءا في أعقاب استطلاعاتٍ داعمة للاتفاق المرحلي.

أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Hart Research Association عقب اتفاق جنيف أن 63% يدعمون الاتفاق في حين يعارضه 24% فقط، وجاءت النتائج تلك بعد شرح بنود الاتفاق للمستطلَعين، ولكن المشكلة الأساسية هيَ أن القيمين على هذه الاستطلاعات استطلاع Hart تحديدا لم يشرحوا الاتفاق بدقة.

فاتفاق جنيف لا يجبر الإيرانيين على تجميد برنامجهم النووي أو التخلص من مخزونهم خلافاً لما قاله القيمون على الاستطلاع المذكور. وبينما يبدو، كما أشارت استطلاعات هارت، أن معظم العقوبات الاقتصادية لم ترفع، إلا أن أثر الاتفاق جاء معاكساً لهذا الواقع حيث تتهافت الشركات العالمية لإقامة علاقات اقتصادية مع طهران. يتضح هنا إذاً أن استطلاع Hart جاء ناقصاً، ويبدو الاستطلاع المذكور خاطئاً كلياً في سياقٍ آخر، إذ نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الأسبوع الماضي أن البيت الأبيض اعترف لمسؤولين إسرائيليين أن المبلغ المقدر لإيران أن تجنيه بصورة فورية وفعلية من جراء الاتفاق ليس 7 مليارات دولار، كما تم تداوله سابقاً، بل سيصل إلى 20 مليار دولار، وهو ما يقترب إلى التقديرات الإسرائيلية في هذا الشأن. وهذا دليل واضح على أن ما ذكره استطلاع Hart عن أن القيمة متواضعة هو كلام غير دقيق.

وثمة استطلاع آخر يميل إلى كفة الاتفاق، فوفقاً لاستطلاع أجرته وكالة رويترز بالتعاون مع شركة Ipsos للأبحاث، تؤيد نسبة 44% الاتفاق في حين تعارضه نسبة 22% فقط. أما بالنسبة إلى الموضوع الأهم والمتعلق بالخطوات الواجب اتخاذها في حال فشل الاتفاق الموقت فأعرب 49% أنهم يؤيدون فرض عقوبات أكثر صرامة في تلك الحال، في حين اعتبر20% منهم أن على البيت الأبيض اتخاذ إجراءات عسكرية مقابل 31% فقط فضلوا الدبلوماسية.

تبين جميع استطلاعات الرأي حول الملف النووي الإيراني، من ذاك الذي أجراه مركز Pew للأبحاث عام ٢٠٠٩ وصولا إلى استطلاعات الواشنطن بوست وABC والتي أجريت عقب اتفاق جنيف أن الأميركيين يدعمون التفاوض للوصول إلى تسوية، ولكنها تبين في المقابل أن أغلبية الرأي العام الأميركي لا يثق بحسن نية النظام الإيراني في هذه المفاوضات. وفقا لاستطلاع الـMasdar/Tower لا يثق 77% ممن شملهم البحث بالملالي لأنهم يشكلون بالنسبة الى 69% منهم تهديدا كبيرا لأمن الولايات المتحدة القومي، وهو تهديدٌ يتجاوز التهديدات كلها التي قد تأتي من دول الشرق الأوسط مجتمعة.

باختصار، يضع الشعب الأميركي الشؤون الاستراتيجية في سلم أولوياته: إنه لا يثق بأن إيران تفاوض بحسن نية ولا يؤمن بأنها ستوقف مشروعها الرامي إلى تطوير قنبلة نووية.

نعم، الأميركيون منهكون من رئيس لا ينفك يلعب دور الفارس البطل على حساب الأمن الوطني.

* لي سميث | Lee Smith

back to top