التصادم بالكلمات

نشر في 20-06-2014
آخر تحديث 20-06-2014 | 22:08
 د. نجوى الشافعي للتواصل مع الناس فنون ومهارات تكون ذات أهمية قصوى في المعاملات الإنسانية عامة والتجارية والمصالح التبادلية خاصة، حتى فيما يجري بين الناس من حوارات ومشاورات وتبادل للآراء... في المثل المصري يقولون "الملافظ سعد" في إشارة واضحة إلى ضرورة حسن اختيار الكلمات التي تخرج من الأفواه، وأنه لكم من لفظ طائش أو عبارة جارحة تكون سبباً في إثارة المشاكل والمشاحنات بل المعارك والحروب أحيانا.

يمتلئ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالآيات والأحاديث التي تحث على ود الحديث وتسامح النفوس ورقّة القلوب والمشاعر، يقول المولى عز وجل في سورة آل عمران مخاطبا نبيه الكريم "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ..."، فاللين في القول والعمل من أهم وسائل التواصل الجيد المثمر مع الناس، وإذا كان عذب الكلام مطلوباً لاستمالة بعض القلوب لبعض، ونشر المحبة والسلام والوئام فإنه مطلوب بالدرجة القصوى عند الاختلاف أو التشاحن واحتقان المواقف.

 ويصف المولى سبحانه وتعالى نوع ذلك التواصل في لحظات العنف في سورة فصلت "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ". يالروعة الآيات في الوصف، فلفظ ادفع يوحي بأن القادم إليك قد يكون مهاجما، أو يهم بالاعتداء سواء كان ذلك الاعتداء بدنياً أو سلوكيا أو لفظيا وأن الموقف انفعالي، وقد يكون عدوانيا فانظر كيف يأمرنا القرآن أن يكون رد فعلنا؛ أن ندفع هذا العدوان اللفظي أو السلوكي أو حتى البدني بالتي هي أحسن، أي أفضل ما يمكن الاستعانة به من رد الفعل الهادئ أو الكلمات اللينة، ولم يقل فادفع بالحسنى أي بالقول أو الفعل الحسن بل ادفع بأحسن ما تعرف من لين القول أو هدوء رد الفعل، فإذا الذي بينك وبينه حتى عداوة، لاحظ كلمة "عداوة" ولم يقل "خلاف" أو "شجار" أو "عنف" أو "احتقان" بل عداوة، أي أقصى درجات المشاعر الإنسانية السلبية، والتي يمكن أن تشحن النفوس بالكراهية والبغضاء والتحفز للاعتداء، فإذا بالقول اللين ورد الفعل الهادئ المتحكم وحتى الكاظم للغيظ ليس فقط يحجم العدوان وفظاظة العبارات، بل يحول الطرف الآخر إلى وليّ أي صديق قريب ودود لطيف.

 يا الله ما أروع آياتك وما أعظم كلماتك ثم تتبعها الآية التي تقول إنه لا يحظى بهذا الفضل في المعاملات إلا الذين يصبرون، أي أن هذه الفضيلة تحتاج الى الصبر على الناس وأذى قولهم وفعلهم صبرا جميلا لامتصاص غضبهم، وتحويله بحسن المعاملة والرد بأحسن ما يكون إلى محبة وصداقة.

 ولا شك أن من أنعم الله عليه بهذا الخلق الرفيع والقلب الكبير والعقل الراجح لذو حظ عظيم؛ لما سيعود عليه في الدنيا من الحب والاحترام والمودة الخالصة، هذا الى جانب الثواب الأعظم عند لقاء الخالق في الآخرة، إذا اقترن حسن الخلق هذا والصبر على الناس بحسن توجيه، وتصحيح النوايا لنيل رضا الله سبحانه وتعالى.

back to top