الصفقة مع إيران تحتاج إلى المزيد من الجهد

نشر في 18-11-2013
آخر تحديث 18-11-2013 | 00:01
على الولايات المتحدة أن تتعاون مع حلفائها في المنطقة وحول العالم، لتوازن طموحات إيران الهدامة ومبادراتها في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة، وتبرهن لها أن فوائد التدخل في شؤون الآخرين منخفضة وكلفته باهظة.
 فوراين بوليسي نظراً إلى الكم الكبير من الوقت والجهد الذي تخصصه الولايات المتحدة للتجسس على فرنسا، ما كنا نتوقع أن يأخذ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس نظيره الأميركي جون كيري على حين غرة (كما ادعى كيري) في جنيف الأسبوع الماضي. لابد من أن كيري اشتبه في أن وزير الخارجية الفرنسي ورب عمله، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي يُعتبر اليوم حليف الولايات المتحدة الأبرز في أوروبا على الأرجح، اعتبرا أن الصفقة التي أوشك الغرب والإيرانيون أن يوقعا عليها كانت صفقة "غبية".

ثمة أسباب أخرى بالتأكيد تُظهر أن هذا الخلاف الظاهري بين الولايات المتحدة وحليف تتعاون معه عن كثب في عملية تفاوض مجموعة (5+ 1) منذ سنوات لن يخضع لتدقيق شامل. وتشمل هذه الأسباب تأكيد كيري في دبي أخيراً أن الإيرانيين، لا الفرنسيين، هم مَن عرقلوا المحادثات. أوضح كيري أنهم توصلوا إلى اتفاق عام حول الشروط، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وفريقه "لم يستطيعوا القبول به في تلك اللحظة. ما كان بإمكانهم الموافقة على ذلك بالتحديد".

أما ظريف، فلجأ إلى موقع "تويتر" ليعلن أن "نصف المسودة الأميركية" رُفضت" ليلة الخميس، ولم يكن الجانب الإيراني المسؤول". كذلك اتهم كيري بأنه يقف وراء هذا التعطيل، وحذر من أن هذه المناورات الدبلوماسية قد "تساهم في تبديد الثقة أكثر".

بالإضافة إلى هذا الأخذ والرد بين الأميركيين والإيرانيين، يكثر التهامس بين البعض (في الشرق الأوسط وواشنطن، وقد أقر بذلك شخص واحد على الأقل ممن تحدثتُ إليهم داخل الإدارة الأميركية) عن أن تغييرات اللحظة الأخيرة في الخطاب المعتمد وما نتج عنها من "شرخ" بين الولايات المتحدة وفرنسا كانت أمراً سياسياً ملائماً جداً. فقد بدأت واشنطن وباريس تشعران بمدى استياء حلفاء مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومع أن فرنسا خشيت التضييق الاقتصادي على صفقات كبرى قيد التنفيذ مع المملكة العربية السعودية، لاحظ الأميركيون أن معارضة منظمة بدأت تتشكل في الكونغرس. ومن هنا نشأ الخوف من ألا تؤدي هذه المعارضة إلى رفض أي صفقة تُعقد مع إيران فحسب، بل من أن تسعى مجدداً أيضا إلى تشديد العقوبات في وقت تفاوض فيه الإدارة على تخفيفها. ولاشك في أن هذا الرفض للمبادرة سيلحق بالرئيس ضرراً بالغاً، ما يعيد إحياء أصداء إخفاقه في الحصول على دعم الكونغرس لتدخله المقترح المحدود جداً في سورية، والذي استهدف تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية.

بكلمات أخرى، لا يهم مَن عطل المحادثات. فكانت هذه الصفقة

لاتزال تحتاج إلى جهد كبير سواء من ناحية تعزيز شروطها أو من ناحية جمع الدعم الضروري لها قبل توقيعها. صحيح أن هدف اتفاق جنيف التوصل إلى تجميد مؤقت لبرنامج إيران النووي فيما يتواصل العمل على اتفاق دائم، ولكن كثرت الأسئلة عمّا إذا كانت هذه الصفقة القصيرة الأمد تستطيع تحقيق هذا الهدف، إذا لم تجمِّد بفاعلية جهود التخصيب وتغلق العمل في مفاعل إيراني قادر على إنتاج البلوتونيوم. بالإضافة إلى ذلك، مازال أمام فريق أوباما الكثير من العمل. وهذا ما يقوم به حالياً وزير الخارجية جون كيري ومساعدته ويندي شيرمان خلال لقاءاتهما مع الحلفاء في الشرق الأوسط، بغية حشد الدعم لهذه الصفقة. لكن هذه المهمة ستكون صعبة في الكونغرس والمملكة العربية السعودية، بما أن هاتين البيئتين تحفلان بعدم الثقة بالرئيس الأميركي.

حتى الإيرانيون يجب أن يسعدوا بالتأخير. ولا يعود ذلك إلى السبب السلبي المعتاد عن أن التأخير يمنحهم وقتاً إضافياً يريدونه ويحتاجون إليه ليروجوا لبرنامجهم النووي العسكري. فهم بأمس الحاجة إلى تخفيف العقوبات. ولتحقيق ذلك، يجب أن تحظى الصفقة بالتأييد في الكونغرس الأميركي. ونظراً إلى الجهود التي تبذلها قوى عدة لعرقلة هذه الصفقة، يعني ذلك أن على إدارة أوباما والرئيس بحد ذاته محاولة استمالة الخصوم بطريقة منظمة قلما يقومان بها.

باختصار، لا تُعتبر كلمات المسودة التي وضعها الدبلوماسيون العنصر الأهم في هذه الصفقة، بل ما يكمن في قلب الإيرانيين ورئيس الولايات المتحدة، فإذا غيرت إيران نهجها السابق والتزمت حقاً بالاتفاق، فقد تؤدي هذه الصفقة إلى تخفيف كبير في التوتر يرحب به الجميع في المنطقة ويساهم في تبديل اللعبة. ولكن بما أن هذا التغيير لا سابقة له، وبما أنه يتناقض مع عقود من السلوك الإيراني، فضلاً عن طباع رئيس الولايات المتحدة والتزامه، فمن الضروري إنجاحه. وإذا اعتقد الإيرانيون أن الرئيس أوباما عاقد العزم على تطبيقه بسرعة وحزم، فقد ينجح. أما إذا ظنوا أنه سيتردد في اتخاذ تدابير حازمة لتطبيقه، وإذا اعتقدوا أن من الممكن التلاعب به (إما لأنه يتوق إلى إرث صفقة ناجحة في الظاهر أو لأنه يرفض الإقدام على عمل عسكري خطير ومكلف ضد إيران)، فيشير التاريخ في هذه الحالة إلى أنهم سيتلاعبون به (مثلما جرى التلاعب بقادة أميركيين سابقين في "صفقات" أخرى مشابهة، كما في حالة كوريا الشمالية).

ولكن ثمة تفسير إضافي لم يحظَ باهتمام كبير خلال الجدال الأخير الذي نشأ حول هذه المفاوضات. فحتى لو توصل المفاوضون في النهاية إلى اتفاق ناجح وطُبق وفُرض بفاعلية، لا ينهي حل مشكلة إيران النووية المشكلةَ الإيرانية بالنسبة إلى سائر دول المنطقة وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. غير أنه سيشكل بالتأكيد خطوة جيدة نحو الأمام. ويجب ألا نستخف بهذه المسألة.

لا أحد يريد سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط أو يسمح لمنطقة (أو عالم) متقلبة إلى هذا الحد بالوقوف على شفير هاوية حرب نووية أو إرهاب نووي. صحيح أن إيران لم تصبح بعد قوة نووية، بيد أنها تسببت في الكثير من المشاكل. فمازالت الدولة الراعية للإرهاب الأبرز في العالم. كذلك تسعى للسيطرة إقليمياً من خلال عملاء يعملون لمصلحتها في العراق وسورية ولبنان وغزة. وتستطيع أيضاً أن تنشر الفوضى في أسواق النفط العالمية باستخدامها الأسلحة التقليدية أو بتهديدها طرق الشحن البحرية. وما من صفقة مقترحة تُعالج هذه المخاطر أو تلك التي قد تنشأ في أماكن أخرى (في غرب أفغانستان، مثلاً).

لاشك في أن عقد صفقة نووية مع إيران أمر مرحب به، مع أنه ينطوي على الكثير من المخاوف. فإن كان الإيرانيون يريدون السعي في النهاية إلى تطوير أسلحة نووية، فسيعتبرون صفقة ضعيفة أو عدم توقيع صفقة أو حتى صفقة تحررهم من بعض العقوبات مدة من الزمن خطوة ناجحة. أما قوى العالم الكبرى وجيران إيران، فيعتقدون أن الصفقة يجب ألا تفرض على طهران تبديل وجهتها بالكامل فحسب، بل ستتطلب أيضاً يقظة حقيقية وقوة واستعداداً لاعتماد تدابير تطبيق خطيرة وغير مضمونة طوال سنوات للحرص على نجاحها. لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد. فعلى الولايات المتحدة أن تتعاون مع حلفائها في المنطقة وحول العالم لتوازن طموحات إيران الهدامة ومبادراتها في أرجاء الشرق الأوسط المختلفة، وتبرهن لها أن فوائد التدخل في شؤون الآخرين منخفضة وكلفته باهظة. ويعني ذلك أن علينا الحفاظ على تحالفاتنا الأساسية في الخليج العربي ومع إسرائيل وتطويرها. وكما رأينا أخيراً، قد تبدو هذه المهمة أكثر صعوبة، نظراً إلى هفواتنا السياسية وترددنا في مصر وسورية وغيرهما من الدول. رغم ذلك، يجب أن نتمسك بأمل حدوث تغييرات داخلية في إيران ودعمها. صحيح أن هذه مهمة محفوفة بالمخاطر، إلا أنها تشكل المعيار الحقيقي لنجاح كل هذه الجهود أو فشلها. فلن يتبدل الوضع حقاً أو يتراجع التوتر بشكل دائم، إلا مع الإصلاح الفعلي في إيران، والتعددية الحقيقية، وحكومة تكون ملتزمة بحل المشاكل الداخلية أكثر منه بالتسبب في أزمات دولية.

ديفيد روثكوبف | David Rothkopf

back to top