الأسباب الداعية للوقف التام لتخصيب اليورانيوم في إيران

نشر في 29-03-2014
آخر تحديث 29-03-2014 | 00:01
إن وقف طهران للتخصيب هو أبعد ما يكون عن كونه موقفاً متشدداً؛ إذ إنه يستلزم تقديم شيء إلى إيران تحتاجه بشدة «وهو تخفيف العقوبات» في مقابل شيء لا تحتاجه، وهو «تخصيب اليورانيوم».
 وول ستريت جورنال في الجدل الدائر حول فرض عقوبات على إيران- ودور مجموعة "دول الخمس زائد واحد" في دفع طهران إلى طاولة المفاوضات، والموضع المناسب لهذه الدول في الاستراتيجية الدبلوماسية الأميركية في المستقبل- لم يمنح سوى قدر ضئيل من الاهتمام للتحول الكبير في الموقف التفاوضي لمجموعة "5 + 1" المؤلفة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إضافة إلى ألمانيا)، التي تجري مفاوضاتها مع طهران حول البرنامج النووي الإيراني.

لم تَعُد مجموعة "دول الخمس زائد واحد" تطالب إيران بوقف تخصيب اليورانيوم. وفي الواقع، في "خطة العمل المشتركة" من 24 نوفمبر، وهي الخطوة الأولى من الاتفاق النووي، قبلت مجموعة "الدول الست" تقريباً بالسماح لإيران بتخصيب اليورانيوم إلى الأبد. وفي تصريحات منفصلة سرعان ما أصبح اعتقاداً سائداً في أوساط المحللين الإيرانيين، بأن المفاوضين الأميركيين يصفون الآن موقفهم السابق القائل بأن على إيران وقف تخصيب اليورانيوم بـ"المتشدد". صحيح أن ذلك الموقف يستهدف بلا شك تحقيق أهداف محددة، إلا أن الابتعاد عن الموقف التفاوضي القائم على وقف التخصيب يعد عملاً مضللاً وغير ضروري.

الخطة المشتركة

ويمثل تحول الموقف الأميركي من إيقاف التخصيب إلى التخصيب المحدود نصراً دبلوماسياً كبيراً لإيران. فعلى مدى العقد الماضي، تجسد موقف مجموعة "الدول الأوروبية الثلاث" (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) ومن بعدها مجموعة «دول الخمس زائد واحد» في أنه يتعين على إيران "تعليق جميع أنشطتها المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة" بما في ذلك أعمال البحث والتطوير.

وقد تم تأكيد هذا الموقف باعتباره التزاماً إيرانياً في سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي. ومع ذلك، أكدت إيران "حقها في تخصيب اليورانيوم" ورفضت إيقاف التخصيب بعد استئنافه عند انهيار المحادثات النووية مع الاتحاد الأوروبي عام 2005.

كما أن هذا الاختلاف قد شكّل جوهر المواجهة التي تأججت لاحقاً ما بين إيران والحلفاء. وابتداءً من عام 2005، فرضت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها عقوبات قاسية على إيران، أفضت إلى فصل البلاد عن النظام المالي العالمي على نحو فعال وتقليص عائداتها النفطية وغيرها من أشكال التجارة بشكل حاد. ومع ذلك، لم تكن إيران أول المتضررين من هذه العقوبات بل كانت هذه مجموعة "دول الخمس زائد واحد".

وفي أكتوبر 2009، اقترح الحلفاء إبرام اتفاقية لمبادلة الوقود تقوم إيران بموجبها بشحن اليورانيوم منخفض التخصيب إلى خارج البلاد مقابل الحصول على قضبان وقود لـ"مفاعل طهران البحثي"، الذي يستخدم اليورانيوم المخصب إلى أعلى مستوى لإنتاج النظائر الطبية المشعة. ولم يقر الاقتراح صراحةً بحق إيران المزعوم في تخصيب اليورانيوم، لكن بدا أنه يقبل ضمناً مواصلة إيران على تخصيب اليورانيوم عند مستوى منخفض قدره 5 في المئة أو أقل. وتمثل الخطة المشتركة من 24 نوفمبر ذروة هذا التحول.

لقد أصرت إيران- التي هي مصدرة صافية للوقود الأحفوري والكهرباء- على رغبتها في التخصيب لأغراض سلمية فحسب، ويشير نص الخطة المشتركة إلى إعطاء إيران الضوء الأخضر للعمل على "برنامج تخصيب يتم تحديده بصورة متبادلة وفق معايير متفق عليها تتماشى مع الاحتياجات العملية". ومع ذلك، فإن الفكرة بأن لدى إيران حاجة عملية للتخصيب هي محل شك.

الأسعار المدعومة

لقد أنعم الله على إيران بموارد وفيرة من النفط والغاز الطبيعي، لدرجة أنّها كانت واحدة من أكبر المصدرين في العالم لتلك الأنواع من الوقود قبل فرض العقوبات الأخيرة. فقد وفّرت البلاد الوقود المكرّر للمستهلكين المحليين بأسعارٍ مدعومة بشكلٍ كبير، مما جعل نصيب الفرد الإيراني من استهلاك البنزين بين أعلى المعدلات في العالم. حتى إذا وضع المرء ذلك جانباً وقَبِل بحجة طهران بأنها تريد تنويع إمدادات الطاقة لديها لأسباب بيئية وأخرى، فإن تخصيب اليورانيوم يجعل هذه الحجة غير منطقية على الإطلاق. وبما أن استيراد الوقود هو أكثر توفيراً من الناحية الاقتصادية، فهناك عدد قليل جداً من الدول التي لا تمتلك الأسلحة النووية لكنها تقوم بتخصيب اليورانيوم الخاص بها.

قد تدّعي إيران أنها لا ترغب في استيراد وقود للمفاعلات- على الرغم من أن هذا هو بالضبط ما تفعله لمفاعل بوشهر- لكي يتسنى لها ضمان توفير إمدادات آمنة، ومع ذلك، فبما أن إيران تمتلك أدنى كمية من احتياطيات اليورانيوم، فسوف تبقى معتمدة على استيراد اليورانيوم الطبيعي. وفي الواقع، ينتج منجما اليورانيوم الإيرانيان- المعلن عنهما- سنوياً كميات من اليورانيوم لا تكفي حتى لسد احتياجات مفاعل واحد بقدرة 1000 ميغاواط. وقد أشار إلى ذلك المدير السابق لـ"مختبر لوس ألاموس الوطني" سيغفرايد هيكر، ووزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام بيري أخيراً بقولهما: "لا يمكن لإيران تحقيق الاكتفاء الذاتي على الإطلاق" في برنامجها للطاقة النووية. إن أمن الطاقة الإيراني سيكون أفضل حالاً من خلال الحد من اعتماد الجمهورية الإسلامية على استيراد النفط المكرر والغاز الطبيعي، وخفض الاستهلاك المحلي. هناك حجة شائعة تقول إنه يتعيّن على إيران الاحتفاظ بالقدرة على تخصيب اليورانيوم لأن الشعب الإيراني يريد ذلك، أو لأن إيران، بعد ما قامت به من استثماراتٍ هائلة في عمليات تخصيب اليورانيوم، تحتاج إلى حفظ ماء الوجه. وعلى الرغم من أنّ استطلاعاً للرأي جرى أخيراً أشار إلى أن 96 في المئة من الإيرانيين يعتقدون أن "الحفاظ على الحق في دفع عجلة البرنامج النووي إلى الأمام يستحق السعر الذي تدفعه البلاد من خلال العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية"، إلا أن 6 في المئة فقط اتفقوا على أنّ "استمرار برنامجنا للتخصيب النووي" هو من أكبر المخاوف التي يريدون أن تقوم الحكومة الإيرانية بمعالجته، وتأتي قضايا مثل الانتعاش الاقتصادي وزيادة فرص العمل على رأس الأولويات الكبرى، ويوحي ذلك بأن الشعب الإيراني سيكون منفتحاً أكثر للوصول إلى حلول وسط من أجل انتعاش اقتصاد البلاد مع الحفاظ على البرنامج الإيراني للاستخدامات السلمية للطاقة النووية من دون السماح بتخصيب اليورانيوم تحديداً.

تعديل اليورانيوم

باختصار، ليس لدى إيران "حاجة عملية" لتخصيب اليورانيوم، إلا إذا كانت رغبتها الفعلية هي بناء سلاح نووي أو الاحتفاظ بخيار بنائه، وفي الواقع، أن الحكومة الإيرانية لم تقنع حتى شعبها بسلمية نواياها، وقد وجد الاستطلاع المذكور أعلاه أن 55 في المئة من الإيرانيين يعتقدون أن إيران "لديها طموحات لإنتاج أسلحة نووية". يمكن للمرء القول إنه حتى إذا لم يكن لدى إيران حاجة عملية لتخصيب اليورانيوم، فإن تحوّل [موقف] مجموعة "دول الخمس زائد واحد" من إيقاف التخصيب إلى تقييده يُعد في حد ذاته أمراً نفعياً، إذ إنه يمهد الطريق للوصول إلى اتفاق دبلوماسي لا يُكلف مجموعة "دول الخمس زائد واحد" الكثير. ويتجاهل ذلك المساوئ الخطيرة التي ينطوي عليها السماح لإيران بالتخصيب.

أولاً إنّ السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم يعقّد مهمة التحقق من أنها لا تقوم بتحويل المواد النووية الخاضعة للضمانات ظاهرياً إلى برنامج أسلحة نووية موازٍ وسري. وإذا سُمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، فسيُسمح لها ضمناً بتعدين اليورانيوم وتحويله وتخزينه. بالإضافة إلى ذلك، سيُسمح لها بتصنيع أجهزة الطرد المركزي، وربما مكوّنات أجهزة الطرد المركزي المستوردة والمواد ذات الصلة. حتى في إطار الخطة المشتركة سُمح لإيران بمواصلة إجراء أبحاث واختبار أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. ومن شأن هذا الإجراء أن يقصر بشدة من الفترة اللازمة لحصول إيران على السلاح النووي إذا ما ألغت الاتفاق النووي أو إذا ما انتهت مدة ذلك الاتفاق.

إن التحقق من عدم تحويل اليورانيوم في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإمدادات يُعد مهمة هائلة، وإذا ما وافقت إيران على التخلي عن تخصيب اليورانيوم تماماً، والاستعاضة عنه باستيراد وقود مفاعلها، فمع ذلك، ستمثل أي من الأنشطة المذكورة أعلاه، حال اكتشافها، إنذاراً مبكراً بوجود أنشطة نووية سرية محتملة.

معيار عالمي

إن السماح لإيران بالتخصيب يثير تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة الأوسع نطاقاً حول تخصيب اليورانيوم. وقد سعت واشنطن إلى احتواء انتشار هذه التقنية، نظراً لطبيعتها ذات الاستخدام المزدوج، وقد اقترحت الولايات المتحدة إبرام اتفاقية تعاون نووي سلمي، مماثلة لاتفاقية "المعيار الذهبي" التي وقعتها مع الإمارات العربية المتحدة في عام 2009، والتي وافقت دولة الإمارات بموجبها طواعية على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة. ولم يكن المقصود من هذه الاتفاقية الإشارة إلى إيران وحدها، بل أيضاً محاولة لتعزيز نظام منع انتشار الأسلحة النووية على الصعيد العالمي، على الرغم من أن مسألة تحديد ما إذا كان يجب تطبيق هذا المعيار عالمياً هي محل نقاش بين خبراء حظر الانتشار النووي.

ولن يُشكل تخلي الولايات المتحدة عن جهودها لإرغام إيران على إيقاف التخصيب تهديداً فقط على الاتفاقية المبرمة مع الإمارات العربية المتحدة- التي سيكون لديها، شأنها شأن غيرها من منافسي إيران الإقليميين، حافز لمضاهاة قدرات طهران- بل إنه سيقوض كذلك أي جهود لإقناع الدول للتخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة، سواء كنتيجة لالتزام قانوني أو سياسي فقط. وفي سبيل القيام بذلك، سوف تضع واشنطن نفسها في موقف لا تحسد عليه وربما غير قابل للاستمرار بسعيها نحو حرمان حلفائها من التكنولوجيا التي منحتها لدولة تعتبرها عدواً دأبت على انتهاك "معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية" مرات عديدة. ومن المرجح أن تكون النتيجة انتشار تكنولوجيا التخصيب.

هزيمة واشنطن

وأخيراً، إن السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم، خصوصاً في سياق الاتفاق الذي لا يتطلب من طهران التخلي عن دعم الإرهاب أو سياسات أخرى مزعزعة الاستقرار، سيُعتبر بمنزلة هزيمة لواشنطن. وفي الوقت الذي يتراجع فيه التأثير الأميركي في الشرق الأوسط بالفعل، فسوف يكون ذلك مؤشراً إلى الحلفاء والخصوم على حد سواء على تراجع الإرادة الأميركية. وسيكون التأثير الواقع على نظام حظر الانتشار العالمي هو عينُهُ: ستكون إيران قد نجحت في تحدي مجلس محافظي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ومجلس الأمن الدولي بعد رفض شرعية كل منهما، وبعثها برسالة مفادها أن الالتزامات الدولية بمنع انتشار الأسلحة النووية غير ثابتة.

إن وقف التخصيب هو أبعد ما يكون عن كونه موقفاً متشدداً؛ إذ إنه يستلزم تقديم شيء إلى إيران تحتاجه بشدة (وهو تخفيف العقوبات) في مقابل شيء لا تحتاجه (وهو تخصيب اليورانيوم). وليس هناك أي حاجة عملية لمجموعة "دول الخمس زائد واحد" لصرف نظرها عن وقف التخصيب. وفي وقت تؤثر فيه العقوبات تأثيراً قوياً في الاقتصاد الإيراني، ينبغي لمجموعة "الدول الست" أن تسمح بأن يصل ضغط العقوبات إلى أقصى مدى له. وقد يعمل تقديم تنازلات حول تخصيب اليورانيوم على التعجيل بإبرام اتفاقية نووية، إلا أن ذلك سيهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة مثل منع انتشار الأسلحة النووية والاستقرار في المنطقة.

* مايكل سينغ | Michael Singh

back to top