بولندا واختبارات منطقة اليورو

نشر في 18-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-02-2014 | 00:01
 ماريك بيلكا إن الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي من وسط وشرق أوروبا مُطالَبة بالانضمام إلى منطقة اليورو، كجزء من اتفاقيات الانضمام، لكن اتخاذ القرار بشأن توقيت تبني اليورو كان موضوع مناقشة محتدمة.

وما هو على المحك الآن ليس مجرد مسألة حسابات اقتصادية، فلابد أيضاً من البت في مستقبل العملة الموحدة ذاتها. ويرى كثيرون أن الفوائد المترتبة على العضوية تضاءلت منذ اندلاع الأزمة المالية، ولم يعد بوسع البلدان الأعضاء المحتملة مثل بولندا أن تحقق أقصى قدر من الاستفادة من الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا إذا كانت على يقين من الظروف الاقتصادية التي لابد أن تسود في الداخل أولاً.

والمعايير الرسمية للدخول واردة في معاهدة ماستريخت لعام 1992، التي تحدد أهدافاً للديون الحكومية، والعجز في الموازنات، والتضخم وأسعار الفائدة وأسعار الصرف. ولكن مجرد تحقيق هذه الأهداف (أو ما هو أسوأ من ذلك، الاقتراب منها) عند أي نقطة بعينها من الزمن أثبت كونه أساساً غير كافٍ للعضوية. والواقع أن مطاوعة معايير "ماستريخت" كانت سبباً في إحداث العديد من مشاكل منطقة اليورو. وطالما استمرت ديون منطقة اليورو في الارتفاع ومادامت اقتصادات البلدان الأعضاء تتجه نحو التباعد لا التقارب، فلابد من إخضاع البلدان الأعضاء المحتملة أيضاً لاختبارات الإجهاد لمعرفة مدى قدرتها على الصمود في وجه الصدمات الخارجية وتحمل معايير العضوية في الأمد البعيد.

وقبل أن تقرر بولندا الاشتراك في عملة موحدة مع شركائها التجاريين الرئيسيين، فينبغي لها أن تضع في اعتبارها ثلاثة شروط اقتصادية بالغة الأهمية: قدرتها التنافسية على المستوى الدولي، ومرونة سوق العمل لديها، وصحة مواردها المالية العامة.

وأسواق التصدير في بولندا تنمو باطراد. ولكن هذا لا يرجع إلى كونها تتاجر في الأساس مع اقتصادات ناشئة ديناميكية أخرى، أو بسبب الطلب العالمي الضخم على منتجات بولندية فريدة، فالأمر ببساطة أن بولندا تجمع بين انخفاض التكاليف (بما في ذلك الأجور) والإنتاج العالي الجودة، ولهذا السبب تسمى بولندا أحياناً "الصين الأوروبية".

لكن التنافس على أساس التكلفة لا قيمة العلامة التجارية أو الإبداع يجعل الاقتصاد البولندي عُرضة للمخاطر. وتفتقر بولندا إلى القدرة التنافسية العميقة الجذور التي تتمتع بها بلدان مثل ألمانيا وهولندا والنمسا والسويد وسويسرا على سبيل المثال. فالمنتجات البولندية تباع تحت أسماء غير بولندية (إيطالية بالنسبة للأحذية على سبيل المثال، أو إنكليزية للملابس). وتشكل صادراتها من الآلات جزءاً من شبكات ضخمة متعددة الجنسيات تديرها شركات ألمانية أو هولندية أو شركات عالمية أخرى. وستتبدد ميزة التكلفة التي تتمتع بها بولندا إذا سجلت عملتها (الزلوتي) ارتفاعاً حاداً.

ورغم أن الشركات البولندية تعمل جاهدة على بناء علامات تجارية في الخارج، فإن هذا قد يستغرق عقوداً من الزمان. وفي الوقت ذاته، يتعين على البلاد أن تتوخى الحذر بشأن الانضمام إلى آلية سعر الصرف- النطاق الضيق الذي يتعين على البلدان الطامحة إلى العضوية أن تعمل من خلاله لفترة لا تقل عن سنتين قبل تبني اليورو. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة الزلوتي، كما حدث مع الكورونا السلوفاكية، فيقضي ذلك على ميزة بولندا التنافسية.

وثمة جانب آخر مهم في قدرة بولندا التنافسية يكمن في سوق العمل المرن. فواحد من كل أربعة موظفين يعمل بعقد لمدة محددة أو لحسابه الخاص. ويشمل ربع الأجر البولندي المعتاد عناصر متغيرة، الأمر الذي يجعل من السهل تجميد أو حتى خفض التعويضات في الأوقات الاقتصادية العصيبة. وهذا يعني أن الشركات تستطيع أن تستأجر العمال بعقود قصيرة الأجل عندما لا تكون على يقين من التوقعات التجارية المستقبلية؛ وبشكل أكثر عموماً فإن مثل هذه المرونة تعين الاقتصاد على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية.

ولكن أسواق العمل المرنة لا تخلو من العيوب أيضاً. فالشركات لا تميل إلى الاستثمار في المواهب أو تنمية مهارات جديدة، وهذا يعني أن جودة المهارات القائمة قد تتدهور. وفي الأمد البعيد تعمل أسواق العمل المرنة أيضاً على زيادة مستوى البطالة البنيوية وتغذية الاقتصاد غير الرسمي.

وفضلا عن ذلك فإن النقص في سوق الإيجارات السكنية في بولندا يعمل على تقييد قدرة العمال على الانتقال إلى حيث توجد فرص العمل. وبوسعنا أن نقول إن سوق العمل في بولندا أقرب إلى سوق العمل في إسبانيا وليس في الدول الاسكندنافية، حيث تسمح الحماية الاجتماعية السخية بالتدريب المكثف للموظفين.

وأخيراً، تحتاج بولندا إلى تمويل عام سليم- وهذا يعني توفير الحيز المالي لعوامل تثبيت الاستقرار التلقائية أثناء الأزمات الاقتصادية. ومن خلال ادخار المال للأوقات العصيبة يصبح بوسع الحكومات أن تعمل على تنفيذ التدابير الضرورية في مواجهة التقلبات الدورية في حين تضمن التمويل المستقر على مدى الدورة الاقتصادية بالكامل.

وقد تم تنفيذ هذه السياسة بنجاح في عام 2009 ثم في عام 2010، ولكن الحكومة كانت تفتقر إلى الأموال التي نشأت الحاجة إليها عندما تدهورت الظروف الاقتصادية في وقت لاحق. ولا يتطلب التمويل العام السليم انخفاض الدين العام فحسب، بل تطبيق سياسة الموازنة الملائمة أيضاً، والتي تتضمن خفض الإنفاق (أو زيادة الضرائب) في أوقات الازدهار وليس خلال فترات الركود كما كانت الحال أخيراً.

إن القدرة التنافسية الواسعة النطاق، وأسواق العمل المرنة حقاً، والميزانية الحصيفة ليست بعيدة عن متناول بولندا. وفي كل حالة على حِدة، هناك أمثلة وطنية أخرى يمكن محاكاتها: القدرة التنافسية لدى سويسرا، وسوق العمل في الدنمارك، والتمويل العام في استونيا، على سبيل المثال. وقبل أن تلتحق بولندا بعضوية منطقة اليورو فلابد من توجيه سياستها الاقتصادية نحو تحقيق هذه المعايير الثلاثة لتحقيق النجاح الاقتصادي الطويل الأمد.

* رئيس وزراء بولندا الأسبق، والمدير السابق للقسم الأوروبي في "صندوق النقد الدولي"، ويشغل حالياً منصب رئيس "البنك الوطني البولندي".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top