على ديفيد كاميرون أن يقلق بشأن انتخابات 2015

نشر في 19-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-11-2013 | 00:01
No Image Caption
تُعتبر الإصلاحات غير المدروسة استراتيجياً في مجال الخدمات الصحية والاجتماعية أخطاء لا تُغتفر، إضافة إلى تقلب كاميرون بشأن استفتاء الاتحاد الأوروبي، وكرهه للريف، والتزامه بالضرائب الخضراء والتوربينات الهوائية نفّرت حتى أوفى الداعمين لحزبه.
 Simon Jenkins عندما تقع في ورطة، اهرب. قد لا يكون هذا الشعار الأفضل بالنسبة إلى سياسي واقع في أزمة. لكن هذا التصرف يُعتبر مبرراً في حالة ديفيد كاميرون. فقد فقدت شعبيته بريق التعافي الاقتصادي، وعادت إلى عجز النقاط الثماني الذي كانت عليه في شهر فبراير الماضي. في المقابل، بدأت شعبية رئيس حزب العمال إد ميلباند ترتفع. فلا عجب، إذن، أن تبدو صالة المغادرة في مطار نورثولت مغرية. فمع غياب أي معارك جيدة ليخوضها، يبحث كاميرون عن الراحة في السجادة الحمراء، وحرس الشرف، ومضيف يغدق عليه المديح، والرخاء الممتع خلال رحلة إلى الخارج.

يتوجه كاميرون إلى الصين. ففي الشهر الماضي، عاد وزير ماليته جورج أوزبورن وعمدة لندن بوريس جونسون من بكين، حاملَين معهما أخباراً عن الأطايب الصينية والراقصات والثروات الشرقية التي كانت ستذهل ماركو بولو نفسه. لم يستطع كاميرون المقاومة. فكما أشار المؤرخ أنتوني كينغ أخيراً، لا شك في أن وصف كاميرون بـ"أول رئيس وزراء بريطاني هاوٍ منذ عهد هيربرت أسكويث" لا يأتي من عدم.

كسر كاميرون كل الأرقام القياسية في التجوال حول العالم، مع أكثر من 50 زيارة لدولة أجنبية في غضون ثلاث سنوات. وكان بعضها، مثل زيارته السنة الماضية أون سان سو تشي، لا يُقاوم. أما رحلاته المتكررة إلى الخليج العربي والهند وزيارته أميركا اللاتينية مرة أخرى السنة الماضية، فتبدو أشبه برحلات للعب الغولف مع كبار رجال الأعمال. وتُعتبر زيارته كازاخستان في شهر يونيو نتيجة علاقة غامضة مع توني بلير، لا صفقة تجارية بقيمة 700 مليون جنية إسترليني، فكم بالأحرى "إثارة قضايا حقوق الإنسان"؟ ويخطط الآن لزيارات إضافية إلى الهند والخليج العربي.

من المفترض أن تعزز هذه الرحلات التجارة. فبعد "السياسة الخارجية الأخلاقية" التي طرحها حزب العمال، أعلن كاميرون "سياسة خارجية تجارية". وكما كانت الحال مع الألعاب الأولمبية، اعتُبر الأجانب السخفاء عاجزين عن التمتع بجودة السلع والخدمات البريطانية من دون إقناعهم بها من خلال الاهتمام المفرط والترحيب المبالغ فيه، وهذا كله من بلد يعظهم بشأن الفساد.

في عدد يوم السبت من صحيفة Guardian، حذر ديفيد رانسيمان من خطر وقوع القادة الديمقراطيين في شرك "حسد الحكام المستبدين" في زمن الأزمات الاقتصادية. يذكر افتتان كاميرون بالأنظمة المستبدة بالبريطانيين الذين زاروا إيطاليا قبل الحرب، وعادوا ليستفيضوا في الحديث عن "أنهم يسيرون القطارات على الوقت". هذه هي تفاهات الدبلوماسية العصرية. ادّعى كاميرون أنه تمكن من تحقيق صادرات بريطانية إضافية بقيمة 13 مليار جنيه خلال الألعاب الأولمبية. ولكن على غرار أرباح شركة KPMG الشهيرة "بقيمة 15 مليار جنيه من خط حديد HS2"، تعود هذه الأرقام إلى مستشارين مأجورين ليروجوا له. فالفجوة التجارية بين بريطانيا وأوروبا تفاقمت بعد الألعاب الأولمبية لتبلغ المستويات الأسوأ، رغم ضعف سعر الصرف، في حين أن التجارة مع سائر دول العالم لم تتبدل. ولا شك في أن الاعتقاد أن حدثاً رياضياً ما أو زيارة من وزير قد تُحدث أي فارق جنون وخداع للذات.

في هذه الأثناء، على كاميرون القيام بعملية إعادة بناء سياسية بالغ الأهمية في بلده. فهذه مرحلة مهمة في برلمان تفصله عن الانتخابات 18 شهراً. في هذه المرحلة، يجب إتمام كل السياسات التي ستحدد الحملة المقبلة. وعلى كل قائد في مرحلة مماثلة أن يركز كل اهتمامه على استراتيجيته وفريق حملته. كذلك من الضروري جمع التبرعات، وملء الفراغات، وتحديد الأصدقاء والخصوم لتركيز الانتباه.

لا شك في أن شعبية المحافظين مخيبة للآمال، إلا أنها ليست كارثية. صحيح أن الركود والتسويات السياسية أعاقت حركة كاميرون، غير أنه مازال الشخصية الأبرز في حزبه وفي بلده. كذلك يتمتع بأسلوب مذهل في شن الحملات لم يُختبر بعد. وهذا بالتأكيد أسوأ وقت قد يقرر فيه قائد التغيب عن الساحة السياسية المحلية.

يملك كاميرون سلاحَين قويين في ترسانته. أولاً، بدء التعافي الاقتصادي الذي طال انتظاره، وهذا ما نلاحظه بوضوح من خلال انتعاش حذر في قطاع الإسكان. ثانياً، تتخطى الشعبية الشخصية هذا القائد مستوى التأييد الذي يحظى به حزبه. ومازال الشعب يعتبره أفضل رجل يشغل هذا المنصب. وينظر إلى كاميرون على أنه شخصية "إيجابية في الأزمة" لذا يبدو أقوى من ميلباند، مع أن هذا طبيعي بالنسبة إلى رئيس وزراء حالي، مقارنة بزعيم المعارضة.

من المؤكد أن هذين السلاحَين لا يشكلان حملة، إلا أنهما أساس تُبنى عليه. لكن ما يزعزع دعم مؤيدي حزب المحافظين أخطاء كاميرون المستمرة وغير المبررة: "29 التفافا إلى الوراء وما زال العد متواصلاً". تُعتبر الإصلاحات غير المدروسة استراتيجيا في مجال الخدمات الصحية الوطنية والمساعدات الاجتماعية أخطاء لا تُغتفر، فضلاً عن أن تقلب كاميرون بشأن استفتاء الاتحاد الأوروبي، وكرهه للريف، والتزامه بالضرائب الخضراء والتوربينات الهوائية وخط حديد HS2 نفّرت حتى أوفى الداعمين لحزبه. فلا يستطيعون أن يفهموا لمَ يدعم سياسات هامشية يرفضها معظم المحافظين.

حتى في مسائل أسعار الطاقة، خُدع كاميرون بسهولة بعبارات ميلباند الطنانة. نتيجة لذلك، يبدو لنا مقر الحكومة البريطانية أشبه بجهاز معطل يقع تحت رحمة الأحداث والتطورات. فهو يعرج متثاقلاً وقدمه مكبلة بكرة حديدية تتألف من ممولي الحزب ومجموعات الضغط الخاصة بالشركات. أما المسألة الأبرز التي شعر فيها كاميرون بالقوة، زواج مثليي الجنس، فقد اعتبرها محافظون كثيرون استفزازاً لا داعي له لقاعدتهم الأساسية. ولا يستطيعون أن يفهموا لمَ لم يتعاطَ معها بدبلوماسية، ولمَ يبدو متحمساً إلى هذا الحد حيال نقاشات المثلية الجنسية.

ما كان لهذه المسائل تأثير يُذكر في الماضي لأن الناخبين المحافظين ما كانوا يملكون مَن يلجأون إليه. أما اليوم، فتبدل الوضع. يضع حزب نايغل فراج، "الاستقلال البريطاني"، المحافظين في المأزق نفسه الذي أوقع بروز نيك كليغ الوجيز إنما الكبير عام 2010 غوردن براون فيه. فهو يقلص الهوامش. ووصف فراج وزير التخطيط المعادي للريف في حكومة كاميرون، نيك بولز، بأنه أحد أهم عوامل استقطاب الناس إلى حزب الاستقلال البريطاني. فقد تحولت مشاريع إسكان بولز المؤلفة من 300 وحدة إلى عبوات متفجرة تحت كل مقعد هامشي تابع للمحافظين. وينطبق الوصف عينه على خط سكك حديد HS2 غير الضروري.

عندما يتملك اليأس المحافظين ويروحون يحلمون بالبرلمان الجديد، يعلقون كل آمالهم على ضعف مصداقية إد ميلباند وعجزه عن الاطلاع بمهام الحكومة البريطانية. فيفكرون في أن الناخبين أذكى من أن يسلموا السلطة إلى شخص يفتقر إلى الخبرة والقدرة على الإقناع. لكن هذا ما عللت تاتشر النفس به في خريف عام 1990. رفضت أن تصدق أن حزبها قد يفضل مايكل هيسلتين أو جون ميجور. لكنها كانت مخطئة. فمن الخطر جداً في السياسة اعتبار المستبعد مستحيلاً.

لن تُخاض الانتخابات التالية بالسجاد الأحمر والحفلات التي تُقام على بعد آلاف الكيلومترات عن أرض الوطن. ولا تضمن العقود الكازاخستانية أصوات الناخبين. أما السلعة البريطانية الوحيدة التي قد تروق للصينيين، فهي السياحة. وتشمل الطريقة الفضلى، التي يستطيع كاميرون الترويج لها من خلالها، إنهاء الضوابط المجنونة التي تفرضها تيريزا ماي على التأشيرات. ولا يتطلب ذلك سوى حركة بسيطة من قلمه. رغم ذلك، يشير فريق كاميرون إلى أنه ما زال يخصص من ثلث إلى نصف وقت عمله للشؤون الخارجية. وهنا يبدأ الطريق نحو الهزيمة.

back to top