الروائية عائشة عجينة: «أنا حالة مستعصية» مشحون بالتمرد والانكسار

نشر في 06-12-2013 | 00:02
آخر تحديث 06-12-2013 | 00:02
أصدرت الكاتبة اللبنانية عائشة عجينة باكورتها الروائية {أنا حالة مستعصية} عن منشورات «الجمل»، وتتميز بلغة مشحونة بالدلالات والجرأة، وهي نص سردي يخلو من الشخصيات ويمكن قراءة أجزاء منه كشعر، توقعه خلال معرض الكتاب في بيروت. معها هذا الحوار.
في أي خانة تصنفين كتاباتك. هل هي رواية أم شعر أم أنها نص من نصوص أدب اﻻعتراف؟

كتابي {أنا حالة مستعصية} نص اعتراف طويل بكثير من أحداث قد تكون حصلت حقاً. ورغم هذا، أراني عاجزة عن وضعه في قالب أدبي صارم محدد المعالم والانتماء. لذا أترك مهمة التصنيف للآخرين بحسب أمزجتهم وتجاربهم، رغم يقيني بأن أي تصنيف أو تبويب للفن حصر للأرواح الطلقة التي ﻻ تعترف بحدود فاصلة أو قمم للمسلمات.

 

هل اللغة التي اعتمدتها في نصك، والمشحونة بالتمرد وأجواء العالم السفلي وأزمة الوجود، هي لغتك الدائمة، أم تخص هذا الكتاب فحسب؟

الكتاب مشحون باللغة المتمردة حيناً والمنكسرة أحياناً، والتي تسكنها كائنات سفلية تأخذ القارئ برحلة إلى الجحيم لتريه مدى تفاهة الكائن البشري أمام هذا الوجود الهائل، ما هي إﻻ انعكاس لبعض الخبرات السخيفة التي قد يعايشها أي كائن. غير أنني لم أحتملها. ومع ذلك ﻻ أستطيع الجزم بأن اللغة التي فاضت في النص ستكون لغتي الدائمة، فالفضاء الذي نتحرك في داخله لن يكف عن إدهاشنا، وعن دحض كل ما نظنه نهائياً ومطلقاً. المهم أن تمثل الكتابة نافذة للأرواح العالقة معنا في شباك اﻷزمات.

 

إلى أي مدى ترتبط الكتابة عندك بالجسد وعالمه الداخلي وإفرازاته وتداعياته؟

قلت في الكتاب إن سوء هندسة الأشياء يقرفني، وهذه حقيقة. فأجسادنا مهيئة لكل أنواع الفضلات والإفرازات التي ﻻ آخر لها، نحاول جاهدين القضاء عليها خوفاً من لحظة خلل خضراء تسمح أطنان من الروائح النتنة بالمرور. ويأتي الموت ليعلن الفضيحة الكبرى، عندها فقط نفقد القدرة على التعطر... فنسارع إلى طمر أمواتنا لننسى أنفسنا.

هذا ما عبرت عنه في النص. ربما أكون قد بالغت في توصيف القرف، أو اقتصدت حيث كان هناك مجال للإسهاب، لكن في الأحوال كافة أن التطرق إلى موضوع كهذا أراه ضرورة ﻻبأس أن أدعي أنني نجحت في طرحها ورميها في وجه القارئ.

من أي أجواء ثقافية واجتماعية أتيت إلى الكتابة؟

 

إن كان سؤالك عن أن الإنسان ابن بيئته، إسمح لي أن أقول إن هذا ما هو إﻻ {كليشيه} كالتي نراها على لوحات الإعلان. فالإنسان صنيعة إمكاناته، وبعض المصادفة، مع كثير من الإحباط. ربما في بلادنا على المرء أن يرتكن إلى شجرة إحباط مثمرة، يتناول منها ما يتيسر له ليتمكن من إبداع حدث واحد من دون أن يشغل باله بما هضم وما استعصى على الفهم.

فمن غير المهم معرفة خلفية الفرد اﻻجتماعية والثقافية. المهم معرفة إلى متى سيستمر نزيفه المبدع.

 هل لعلم الإناسة تأثير على أدبك؟

دراستي علم الإناسة، والتي أتت محض مصادفة، فتحت أمامي عالماً من التفاصيل الصغيرة التي كانت غائبة عن حيزي البصري، بحيث كنت أرى الأشياء من حولي كليات ناجزة وقائمة، والتعاطي معها تعاطٍ مع النتائج والتغاضي عن الأسباب. علم الإناسة سمح لي أن أتعرى وأعري كل حدث بال صادفته، أفقدني ما كنت أؤمن به، وبدأت أبحث عن الجزئيات المبعثرة للكل الواحد... أرقب... أنصت... أشم... أندثر.

 

أي امرأة تخاطبين... ومن هذا الطفل الذي يسكن رأسك؟

ﻻ أخاطب امرأة بعينها وقد أكون أخاطب كل النساء من حولي، أخاطب أناي الحقيرة الخانعة... أخاطب المتمردة في. قد أكون أخاطب سيدة ﻻ أعرفها أو لربما خاطبت أمي. فكل النساء مدعوات ليتجسدن في تلك المرأة التي ظهرت مراراً في النص، خصوصاً أنني لم أكتب بذهنية من يخاطب، ولم يكن تحديد الشخصيات همي، كتبت كي أستمر فقط ﻻ أكثر.

أما ذاك الطفل المتخيل الذي حتى هذه اللحظة ﻻ يغادرني، ولم يغادر صفحات الكتاب فهو كل ما لم أستطع تحقيقه، كل ما أخفقت في نيله، هو ما تسرب من بين أصابعي ولم أعرف... هو الصغير العاجز، طفلي الذي أريد له البقاء في العدم.

 

هل العالم مقيت وسوداوي إلى هذا الحد، أو ما تكتبينه لعبة الكتابة؟

العالم، عالم. ألوانه طبيعية واضحة، صفاته محددة، مكوناته كلها ثابتة. كل ما فيه واحد. في حين أننا مقيتون سخفاء؛ عالمنا الداخلي أسود، أجسادنا تمنع عنا الضوء... أهواؤنا، أطماعنا، حوادث طبيعية نضيف إليها التوابل بحسب ذائقة مفتعلة. ننحت مآسينا وندعي المكابدة لنتبجح بالصبر.

   هل الكتابة ورطة؟

طبعاً. تورطت أنا بالكتابة، تورطت بسرد أحداث ﻻ تهم أحد وﻻ تهمني أيضاً. قد يعتبرها بعض سيرة ذاتية مقيتة وهو محق. وقد يعتبرها بعض مجرد هلوسات مخيلة مريضة وهو أيضاً محق. ومنهم من سيرمي الكتاب في وجهي ويطلق تصريحاً مهماً: أمرك ﻻ يعنيني. وهو حتماً محق. في النهاية سأبقى وحدي في الورطة، خصوصاً بعد تأكد احتمال أن أنجو  صفر.

 

هل تكرهين الشعراء؟

  أصدقائي كلهم شعراء، منهم المخضرمون ومنهم الجدد، هم أول من طالعوني واعترفوا بما كتبت، وقد قلت إنني أكره الشعراء وليس الشعر، وقد يكون التبس علي الأمر فكرهت الشعر وليس الشعراء، وربما ﻻ هذا وﻻ ذاك. حقيقة ﻻ أستطيع الجزم بشيء، وﻻ اتخاذ قرار بشأن ما أحب ومن أكره. ليتني أستطيع بناء رأي صائب أخزنه في رأسي التنكة وأضيف إليه بعض المواد الحافظة للحظة كهذه. في أن يطالبني أحدهم بشرح ما سبق أن تفوهت به.

back to top