تقرير اقتصادي : الهيكل المالي للدولة... تقليل المخاطر بإجراءات الحكومة لا دموعها

نشر في 07-08-2014 | 00:07
آخر تحديث 07-08-2014 | 00:07
No Image Caption
• مراجعة الدعم وفرص العمل والإنفاق تحديات تحتاج إلى المبادرة بلا حسابات سياسية

• نمو قياسي في المصروفات... وتراجع الإيرادات بدأ يتحقق

إذا كانت الحكومة تريد إصلاح الهيكل المالي للدولة، فإن دورها يجب أن يتجاوز مجرد الشكوى وذرف الدموع أو انتقاد الأوضاع و»التحلطم»، فهي من بيدها اتخاذ إجراءات لتقليل حجم المخاطر المستقبلية.

تخللت هذا الأسبوع مجموعة من الأحداث الاقتصادية المرتبطة بالميزانية والإنفاق والاستهلاك، إذ رصدت وزارة المالية تراجعا في إيرادات النفط من 29.97 مليار دينار في السنة المالية 2012 /2013 إلى 29.292 مليارا في السنة (2013 /2014)، بما يعادل 678 مليون دينار، أي بواقع 2.3 في المئة في وقت أعلن فيه وزير الكهرباء والماء عبدالعزيز الإبراهيم أن الوزارة بصدد إعداد مشروع لرفع الدعم عن الكهرباء والماء الى مجلس الأمة بما لا يمس أصحاب الدخل المحدود أو المتوسط.

في هذه الأوقات، اعتمد مجلس الوزراء الخطة الخمسية للتنمية (2016/2015 – 2020/2019)، وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية، هند الصبيح، إنها ترتكز في عملية الإصلاح على مواجهة التحديات والاختلالات وتنفيذ المشروعات الإستراتيجية.

أحداث هذا الأسبوع لخصت سياسات الحكومة الاقتصادية التي تصاعفت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، والتي تدور حول استعراض الأرقام السلبية كما في «تراجع إيرادات النفط»، والتلويح باتخاذ إجراءات اصلاحية مثل «رفع الدعم»، وأخيرا إطلاق الوعود المستقبلية، وهو ما تمثل في «اعتماد خطة التنمية الجديدة»، إلا أنه على أرض الواقع لا نجد تنفيذا لأي اصلاحات او توصيات تضع حدا لمخاوف التدهور في الميزانية الناتج عن نمو المصروفات القياسي وتراجع الإيرادات الذي بدأ يتحقق.

فاتورة الدعم

دور الحكومة يجب أن يتجاوز مجرد الشكوى أو انتقاد الاوضاع او ذرف الدموع او حتى «التحلطم»، فهي من بيدها إذا كانت تريد إصلاح الهيكل المالي للدولة اتخاذ إجراءات من شأنها تقليل حجم المخاطر المستقبلية، فقرار مثل اعادة تقييم اسعار الخدمات والسلع مثلا كان يجب أن يصدر منذ سنوات اكتفت فيها الحكومة بتكثيف التحذير من حجم المصروفات، دون أن يقابلها إجراء عملي لوضع أسعار جديدة لسلعة تستهلك اكثر من نصف فاتورة الدعم، وهي الكهرباء والماء بقيمة تصل الى 3 مليارات دينار سنويا.

فما الذي يمنع الحكومة من إعادة تقييم أسعار الكهرباء والماء وفرز الأسعار وفقا للاستخدمات السكنية او الاستثمارية اوالتجارية؟، إذ لا يعقل أن يكون سعر الكيلو وات للمجمع التجاري بنفس سعر السكن الخاص، كذلك يجب تطبيق نظام شرائح تتصاعد كلما زاد الاستخدام مع وضع آليات سهلة لتحصيل الاموال، بل ما الذي يؤخرها عن رفع الدعم عن سلعة كالديزل تكلف الدولة سنويا 215 مليون دينار، رغم أن استخداماته لا تتجاوز 11 في المئة من إجمالي الإنتاج؟، وهو ما يعني أن كثيرا من الديزل المدعوم يتم تهريبه خارج الكويت.

الشكوى المتكررة لسنوات من ضغط الرواتب ما بين البابين الأول والخامس على الميزانية، حتى بلغت 10.5 مليارات دينار من أصل 23.2 مليار دينار لم يواكبها لا قوانين تسهّل اطلاق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص، ولا تسريع في إصدار اللائحة التنفيذية للمشروعات الصغيرة ولا استقطاب للأموال الاجنبية، وحتى الحفاظ على الاموال المحلية في السوق الكويتي، فوفقا لتقرير الاستثمارات العالمية السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) نجد أن الكويت اقل الدول الخليجية استقطابا للاموال الاجنبية بـ 2.3 مليار دولار في عام 2013، مقابل تصدرها اللائحة العربية كأكبر دولة مصدرة أو «طاردة» للأموال بـ 8.4 مليارات دولار في العام نفسه.

فرص حقيقية

فعندما تكون اموال القطاع الخاص «المحلي والأجنبي» غير راغبة في الاستثمار الداخلي، سيكون العبء على الحكومة أكبر في التوظيف، وستتنامى ضغوط الرواتب على الميزانية، وهنا لا يجدر بالحكومة الشكوى بل العمل على إطلاق فرص حقيقية، منها مثلا ما تتحدث عنه منذ الثمانينيات من القرن الماضي عن مدينة الحرير وتطوير منطقة شمال الكويت ورفع طاقة الموانئ، ولاسيما ميناء مبارك، وهي عمليات من المفترض أن تحقق عمليات تجارية توازي 80 مليار دولار بحلول عام 2020، رغم أن الواقع لا يبشر بتحقيق لا هذا الرقم ولا تلك العمليات.

الشكوى من تراجع الإنفاق الاستثماري لمصلحة الاستهلاكي غير مفهومة ابدا من الحكومة التي تعد الميزانية العامة للدولة، فنراها تعد الميزانية لمصلحة زيادة الإنفاق في الأبواب ذات الطابع الاستهلاكي، كالأول (الرواتب) 7.5 في المئة، والثاني (الدعم) 1.1 في المئة، والخامس (المدفوعات التحويلية) 21.1 في المئة، وتقلصها في أبواب الإنفاق الاستثماري، الثالث (المعدات والنقل) 17.5 في المئة، والرابع (المشروعات) بـ 9.9 في المئة، وهذا ما ترتب عليه نمو المصروفات العامة بواقع 10.5 في المئة خلال عام واحد.

المشكلة أن الشكوى في الكويت على أعلى المستويات الحكومية تتعالى منذ سنوات طويلة من سوء الإنفاق والخوف على الفوائض، بل انه منذ عام 2011 بات الحديث أكثر صراحة عن مخاطر الوضع القادم والدخول في دائرة العجز، لكن هذا الخطاب لم ينعكس على الميزانية العامة للدولة، لا من حيث القيمة المخصصة لأبواب الانفاق الرأسمالي، ولا من حيث تنمية الإيرادات غير النفطية، في وقت تتعاظم فيه آليات الإنفاق بشكل مخيف، وخصوصا اذا عرفنا أن الميزانية تضاعفت من 3.1 مليارات دينار في عام 2000- 2001 الى 23.2 مليارا في عام 2014-2015، أي بما يعادل 7.4 مرات، وهو معدل عال ومخيف جدا في ظل طغيان الطابع الاستهلاكي.

المشكلة الحقيقية أن هناك حسابات غير اقتصادية تحكم آليات اتخاذ القرار وتؤخره، فهناك خوف من ردة فعل شعبي إن مس الدعم على السلع او من ضغط مجتمع رجال الأعمال إن تم تعديل أسعار الخدمات في الأراضي التجارية والاستثمارية، أو حال إعادة تسعير أملاك الدولة التي تستغلها الشركات في انشطتها أو حتى في حال فرض ضرائب على الشركات والدخل، وهذا «الخوف» ليس حلا للمخاطر ولن يؤجلها، وخصوصا أن المعلومات المتاحة تشير أكثر الى أن المصروفات ستواصل نموها في حين أن الايرادات تتجه نحو التباطؤ... فما نحن فاعلون؟

back to top