الإقليم السني في العراق انطلق من تكريت وبقاء المالكي سيشجع تشكيله

نشر في 27-03-2014 | 00:07
آخر تحديث 27-03-2014 | 00:07
No Image Caption
قبل ثلاثة أعوام وفي أحد الألغاز الغريبة التي ظلت بلا إجابة في ولاية نوري المالكي الثانية، اعتقلت قوات الأمن 3 آلاف بعثي سابق معظمهم كبار في السن ومتقاعدون على هامش الحياة السياسية والعامة، وكانت التصريحات الرسمية المقتضبة تتحدث عن "انقلاب ممنهج جرى إحباطه"، ومع إلحاح الناس على فهم مدى جدية ذلك الحدث الغريب وغير المسبوق، ظلت السلطات تطلق سراح المعتقلين بكفالة، وجرى نسيان الموضوع بالتدريج في خضم الأزمات المتتالية من دون أي توضيح يشفي الفضول.

 ولم ينته الأمر إلا ليكون بداية لقصة أخرى، وفي مسقط رأس صدام حسين بالتحديد، حيث كانت حصة تكريت وحدها، ألف معتقل في تلك الحملة. يومئذٍ طرح ساستها تساؤلاً مهماً: من سيضمن ألا يتكرر الحادث، فتصحو المحافظات "الساخنة أمنياً" لتجد قوات قادمة من بغداد، تعتقل المئات دفعة واحدة من غير علمٍ أو تنسيق مع الحكومات المحلية المنتخبة، بنحو يخرق كل التوافقات والضمانات؟

وانبرى عدد من الفعاليات المحلية، وطرحوا لأول مرة منذ سقوط صدام حسين مطلباً سنياً بتحويل تكريت مركز محافظة صلاح الدين إلى إقليم لامركزي، يحكم نفسه ذاتياً، على طريقة كردستان، ويأخذ قرارات مالية وأمنية مستقلة نسبياً عن بغداد.

ولم يكن المهم الرد الانفعالي الرافض، الذي أبداه يومئذٍ رئيس الحكومة نوري المالكي، بقدر ما كان مهماً انفتاح الجدل في أوساط سنة العراق، حول ما إذا كانت الفدرلة الواردة في دستور 2005، تعني الانفصال وخسارة وحدة العراق، كما كان زعماء السنة يرددون دوماً، أم أنها ستكون صيغة انخراط مقنع بضمانات "حمائية" في عراق واحد يحكمه الشيعة، ويسوده تشنج طائفي.

وازداد انقسام السنة في هذا الشأن مع تعالي أصوات مهمة لمصلحة الإقليم السني، في الأنبار ونينوى، ولاسيما بعد أزمة الاعتصامات في نهاية 2012 التي تمخضت عن تكرار الهجوم الذي يشنه المالكي على ساسة بارزين من مناطق غرب العراق، وإظهارهم عاجزين عن فعل أي شيء، مما حولهم إلى مشهد ساخر أمام جمهورهم، دون أن تفلح وساطة في تخفيف حدة الشقاق.

وإذ يعيش الجمهور السني "حيرة عاطفية" إزاء فكرة "العراق الموحد" الذي يخشى من تفككه، فإن العديد من مراكز القوى السنية، يبدي خشيته من أن يؤدي ظهور الأقاليم، إلى صراع داخلي "سني ــ سني" حول زعامتها، خاصة مع غياب جبهة سياسية موحدة ومتفاهمة يمكنها رعاية هذا التحول، ولذلك تفضل هذه القوى مواصلة محاولات كبح جماح السلطة المركزية، والبحث عن فرصة تفاوض معها، والتمسك بأسلوب إدارة لامركزي شرعه البرلمان الصيف الماضي ويعارضه المالكي، وهو أقل من فدرالية، وأكثر من مجرد تبعية لبغداد.

الحرج العاطفي، ومعارضة رجال دين بارزين مثل الشيخ عبدالملك السعدي لمشروع الأقاليم، جعلا شعار الفدرلة يختفي تقريباً من البرامج الانتخابية التي تعلنها الأحزاب لجمهورها السني، لكن ذلك لا يمنع ملاحظة أن جبهة "متحدون" بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي، تتبنى الحل الفدرالي وتتحدث عنه بقوة في الموصل، أو في الأنبار عبر قياديها البارز رافع العيساوي وزير المال المستقيل، في حين يظل نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، أبرز معارضي الفدرالية، والداعي إلى التعايش مع المالكي مهما بلغ الثمن.

ويرجح مراقبون أن هذا الخلاف سيلعب دوراً غير قليل في التحكم بكتلة المصوتين خلال اقتراع 30 أبريل، سواء طرح بشكل صريح، أو بقي معالجة غير مباشرة، كخيار يقول للسنة إنه لا سبيل للتعامل مع بغداد محكومة بتشدد طائفي ما، إلا عبر خيار يشبه بنحو أو بآخر، ما لجأ اليه الأكراد.

ولا شك أن مجيء شيعي معتدل إلى السلطة سيكون عامل تأجيل لفكرة الإقليم السني، إلا أن المطلعين يرجحون، أن يساهم بقاء المالكي فترة ثالثة، في دفع السنة إلى محاولة الاحتماء بحق أقره الدستور، من سياسات إخضاع لا يوجد مؤشر على تراجعها.

back to top