مبروك البراءة... ولكن

نشر في 19-12-2013
آخر تحديث 19-12-2013 | 00:01
 د. أسيل العوضي تباينت ردود الأفعال حول براءة المتهمين جميعاً في حادثة اقتحام المجلس، وبغض النظر عن حيثيات الحكم وتفاصيل القضية، فقد أسعدني هذا الخبر رغم قناعتي بأن ما حدث كان خاطئاً ومخالفاً للقانون، إلا أن سعادتي سببها أنني لم أكن أتمنى أن ينال البعض من شبابنا عقاباً قد يصل إلى السجن، إثر حادثة دوافعها سياسية لا جنائية، بينما يستمتع غيرهم من الراشين والمرتشين بما جنوه من أموال عن طريق الكسب غير المشروع وهم أحرار طلقاء، فميزان العدالة يستدعي أن يعاقب الجميع وبدرجات مختلفة كل حسب فداحة ما اقترفه من ذنب. وأخص الشباب هنا دون غيرهم لقناعتي بأن مشاركتهم في الاقتحام كانت عفوية، بينما خطط غيرهم ورسم السيناريو لما حدث في ذلك اليوم، فقد وصف لي أحد الزملاء من النواب الأعزاء قبلها بأسابيع سيناريو مشابهاً لما حدث يوم الاقتحام، فالنية كانت مبيتة لدى البعض.

يرى البعض أن حكم البراءة سيئ جداً، ولا أتحدث هنا عن الفئة التي تعتبر هؤلاء الشباب خصوماً سياسيين، وتسعى إلى الانتقام منهم وزجهم في السجون، بل أتحدث عن الفئة التي لا تتعامل مع الموضوع بشخصانية، وترى أن حكم البراءة قد يشجع آخرين على التعدي على القوانين، واستخدام القوة لتحقيق مكاسب معينة، سواء سياسية أو غيرها. فيكون الحكم بهذا المعنى هو تشريع للفوضى، وقد تكون تلك وجهة نظر سليمة إلا أن ما يغفله هؤلاء أن مسلسل التعديات على القانون والانتقائية في تطبيقه وانتهاك حرمة المال العام وتبرئة متهمين بقضايا أكبر وأكثر فداحة وحفظ قضايا آخرين لعدم كفاية الأدلة أو لنقص في التشريعات وعلى مدى سنوات هو أخطر بكثير من حادثة فردية حدثت في ظروف استثنائية وانتهت.

نعم نقر بأن الشباب أخطأوا، لكن خطأهم لا يقارن بما اقترفه غيرهم كي نتمنى القسوة في عقابهم دون غيرهم. وهذا ليس تبريراً للخطأ، فلو كان نصف المجتمع يسرق فذلك لا يمنحنا المبرر الأخلاقي ولا القانوني لتبرير السرقة، لكنه تبرير لمشاعرنا حول الحكم الصادر بحقهم، والذي كان أحد أسبابه تخبط وزارة الداخلية في تجميع وتقديم الأدلة وتضارب أقوال الشهود.

ولا يسعني إلا أن أستذكر النصيحة التي قدمتها للشباب في بداية حراكهم، ليبتعدوا عن النواب وعن مؤيديهم من السياسيين المخضرمين، فإن كانت هنالك مقومات للفشل فهي بكل تأكيد تتجلى في ركوب النواب موجتهم الإصلاحية الصادقة لتلويثها بالصراعات السياسية، ومن ثم تجييرها وتحويل مسارها لخدمة أجندات مختلفة بعيدة كل البعد عن مطالب الشباب الحقيقية. فقد سلمت الجرة هذه المرة لكنها لن تسلم في كل مرة.

back to top