خيبة أمل المؤمنين بتراجع الولايات المتحدة

نشر في 09-05-2014
آخر تحديث 09-05-2014 | 00:01
سجلت أميركا 148 ألف براءة اختراع، في حين سجلت اليابان 54200 براءة اختراع، وألمانيا 16700، والصين وهونغ كونغ ما مجموعه نحو 7 آلاف، وفنزويلا 16 وفق الأرقام الصادرة عن مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي.
 ميامي هيرالد عندما قرأتُ تقرير "أزمة الرأسمالية" الذي أعده الحزب الحاكم في فنزويلا قبل أيام، تساءلت عمّا إذا كان معدوه يعيشون على هذا الكوكب أو ما إذا كانوا يشاهدون الأخبار في السنوات الأخيرة، يبدو هذا التقرير غريباً جداً، حتى إنك تتساءل عمّا إذا كانت مشكلة القيادة الفنزويلية سياسية أو نفسية.لا شك أن الرأسمالية لا تزال قيد التطور، وأنها تحتاج إلى بعض الضبط والتعديل لحماية مَن عانوا عيوبها ويعجزون عن اللحاق بركبها.

لكن الاعتقاد أن الرأسمالية ووجهها الأبرز (الولايات المتحدة) يعانيان تراجعاً محتماً، كما أعلن الحزب الحاكم الفنزويلي، وكما لا يزال يعتقد عدد مفاجئ من الفنزويليين، والأرجنتينيين، والبوليفيين، وغيرهم من سكان أميركا اللاتينية، لهو أمر مخالف تماماً للواقع، فالعكس صحيح.

افتتح الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مؤتمر الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي الثالث، الذي قدّم مستنداً من 34 صفحة بعنوان "مستند عقائدي وعملي: أزمة الرأسمالية وأبرز مميزاتها"، ويبدو واضحاً أن هذا الرئيس يجهل أو يتجاهل عدداً من الوقائع التي تشير إلى نهضة اقتصادية أميركية بارزة خلال السنوات المقبلة.

لعل الثورة الأميركية في مجال الطاقة أبرز هذه الوقائع اليوم، فبفضل تكنولوجيا جديدة تُعرف بـ"التكسير الهيدروليكي" أو "الحفر الأفقي"، يشهد إنتاج الطاقة الأميركي ازدهاراً كبيراً، وقد تتخطى الولايات المتحدة، التي كانت حتى عام 2008 مستورداً صافياً للنفط، المملكة العربية السعودية وروسيا لتصبح المنتج الأكبر للنفط في العالم بحلول نهاية هذا العقد، وفق الوكالة الدولية للطاقة.

كتب إدوارد ل. مورس، مدير أبحاث السلع في شركة Citi، في مجلة Foreign Affairs: "تُعتبر النهضة الأخيرة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الطبيعي مذهلة بالتأكيد. فطوال السنوات الثلاث الماضية، شكّلت الولايات المتحدة منتج الهيدروكربون الأسرع نمواً في العالم، ومن المستبعد أن تتوقف هذه الموجة في المستقبل القريب".

بالإضافة إلى ثورة "التكسير الهيدروليكي"، يستفيد إنتاج الطاقة الأميركي من تراجع استهلاك النفط بفضل السيارات والمباني الأكثر فاعلية، ومن كلفة إنتاج النفط التي لا تنفك تنخفض بفضل الابتكارات التكنولوجية الجديدة.

يكتب مورس: "ستمد هذه التطورات الاقتصاد الأميركي بزخم كبير". فستنتقل الولايات المتحدة من عجز تجاري في مجال النفط بقيمة 354 مليار دولار عام 2011 إلى فائض في هذا المجال بقيمة 5 مليارات دولار وفائض في مجال الغاز بقيمة 14 ملياراً بحلول عام 2020. في هذه الأثناء، ستفقد منظّمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) أهميتها، وفق مورس.

من اللافت للنظر أن ثورة "التكسير الهيدورليكي" ظاهرة أميركية يصعب تكرارها في الصين، وروسيا، وأوروبا، وفنزويلا، أو نيجيريا، حسبما يوضح خبراء الاقتصاد. ويعود ذلك إلى أن الولايات المتحدة تُعتبر واحدة من دول قليلة تمنح مالكي الأراضي الحق القانوني بامتلاك الموارد الكامنة تحت ملكياتهم، بما فيها النفط والغاز، ما يعني أن الولايات المتحدة تمتاز بنظام بيئي فريد يتنافس فيه الآلاف من مالكي الأراضي على إنتاج كمية أكبر من الطاقة البخسة.

في أجزاء أخرى من العالم، حيث تملك الحكومة احتياطيات النفط والغاز، يميل مالكو الأراضي إلى معارضة "التكسير الهيدروليكي" لأنهم سيواجهون كل سلبيات هذه التكنولوجيا الجديدة، في حين يحظون بالقليل من إيجابياتها. نتيجة لذلك، علّقت فرنسا وألمانيا ودول أوروبية أخرى عمليات التكسير الهيدروليكي بسبب المخاوف البيئية التي عبّر عنها مالكو الأراضي.

لكن ثورة الطاقة في الولايات المتحدة تشكل سبباً واحداً من أسباب كثيرة قد تبرهن خطأ المنادين بـ"أزمة الرأسمالية"، فثورة الابتكارات التي منحتنا "غوغل" و"آبل"... وقد تطرح لنا في الأسواق قريباً الطابعات الثلاثية الأبعاد، والسيارات التي لا تحتاج إلى سائق، والرحلات الخاصة إلى الفضاء، تمضي قدماً بزخم في وادي السيليكون وعدد من المناطق الأميركية الأخرى.

صُنفت الولايات المتحدة مرة أخرى السنة الماضية البلد الذي سجّل أكبر عدد من براءات الاختراع حول العالم، فقد سجلت الولايات المتحدة 148 ألف براءة اختراع، في حين سجلت اليابان 54200 براءة اختراع، وألمانيا 16700، والصين وهونغ كونغ ما مجموعه نحو 7 آلاف، وفنزويلا 16، وفق الأرقام الصادرة عن مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأميركي.

عندما ننظر إلى الواقع بموضوعية، نرى، في رأيي، أن الولايات المتحدة متجهة نحو أوضاع أفضل، مع أن عليها الحذر من أن تسمح لطفرتها المتواصلة في إنتاج الطاقة بإلحاق الضرر بالبيئة. في المقابل، تعاني فنزويلا نقصاً متنامياً في الطعام، ومعدلات النمو هي الأسوأ في المنطقة، وفيها أحد أعلى معدلات التضخم في العالم، الذي من المتوقع أن يبلغ هذه السنة 75%.

يدرك معظمنا هذه الوقائع، ولكن من المذهل أن يواصل الكثير من حكام أميركا اللاتينية وأحزابهم الحاكمة خداع بلدانهم بسردهم قصصاً خرافية عن تراجع الرأسمالية الأميركية المحتم، ففي الكثير من الحالات، نلاحظ أن بلدانهم هم تهوي بسرعة.

Andres Oppenheimer

back to top