أوقفوا حملات التهديد ضد الكرد

نشر في 29-03-2014
آخر تحديث 29-03-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر لو تعامل الكرد مع قضايا القتل التي ارتُكِبت بحقهم على أساس الدم بالدم الذي تحدث عنه المالكي لم تكن لتكفي دماء العراقيين كلهم كقصاص ثمناً للدماء الكردية التي زهقت في زمن الحكومة العراقية وما تزال... لكنهم يتعاملون دائماً بأخلاق الفرسان مع قاتليهم والعفو عنهم دون حقد ولا ضغائن.

كشفت قضية قتل الإعلامي العراقي محمد البديوي في تفاعلاتها الوجه القبيح للآخر الذي نعيش معه في العراق، فرغم العدد الكبير من الإعلاميين الذين استشهدوا في العراق منذ 2003 إلى الآن ممن سجلت أكثر قضاياهم ضد مجهول، ومع أن مقتل البديوي هي قضية جنائية تختلف عن قضايا القتل السياسي المتعمدة التي تعرّض إليها بقية الإعلاميين، فإن ردود الأفعال على هذه القضية اتخذت مساحات واسعة وصلت أحياناً إلى حد المبالغة لمجرد أن القاتل ينتمي إلى القومية الكردية. هناك نظرية في علم النفس الاجتماعي تقول إن الإنسان يرى في الآخر ما يحس به من مشاعر سلبية تجاهه، وهذه الحالة النفسية يمكن تداركها حينما يتعلق الموضوع بالفرد إلا أنها تتحول إلى كارثة عندما يتعلق الموضوع بشعب أو بأغلبية شعب ما.

فالموروث العربي الشعبي يحوي أقوالاً مأثورة تظهر ما يعانيه الفرد العربي من إشكالات في تعامله مع الآخر غير العربي، فمقولة "ما حن أعجمي على عربي قط ورب الكعبة"، تكشف بأي منظار من الشك والريبة والاتهام المسبق يتعامل الفرد العربي مع الآخر.

هذه المقولة تترجم هذه الأيام على أرض الواقع في العراق بعد مقتل الإعلامي البديوي على يد عنصر من عناصر الحماية الرئاسية في المنطقة الخضراء، وأظهرت العقد المركبة التي تكمن في حنايا بعض النفوس العربية تجاه الكرد. فالتحشيد السياسي لم يتوقف عند مزايدات بعض النخب السياسية بل امتدت لتشمل قسماً من الشارع العربي في مطالب ترحيل البيشمركة من بغداد خلال تظاهرات جابت شوارع العاصمة لتشير إلى مدى الحنق الذي يحمله هؤلاء تجاه كل ما هو غير عربي. مع أن المناطق التي توجد فيها البيشمركة هي من أكثر المناطق أمناً واستقراراً في بغداد سواء في الجادرية أو في غيرها من المناطق، وهذا بشهادة العدو قبل الصديق. ولو اكتفت ردود أفعال الشارع عند هذا الحد كنا سنعتبرها حالة غليان مؤقتة يمكن تفهمها لكنها وصلت إلى حد إرسال رسائل تهديد إلى مواطنين أكراد يقطنون في بغداد تخيرهم بين القتل أو الترحيل، وهذه ممارسات مدانة لم يمارسها الكرد ضد العرب طوال سنوات القتل التي تعرض إليه الشعب الكردي على يد الجيش العراقي في العهود السابقة.

ومن سخريات القدر العراقي أن تتزامن هذه الحادثة مع أعياد نوروز في كردستان وأيضاً مع احتفالات كردستان بفعاليات عاصمة السياحة العربية لتظهر الفرق الكبير بين تعامل الشعب الكردي والقيادات الكردية مع العلاقة العربية الكردية مقارنة بتعامل الشارع العربي والقيادات العربية مع العلاقة نفسها.

ومع أن تصريح المالكي عقب الحادث كان تصريحاً دعائياً مجانياً لأغراض انتخابية، فإن تبنيه لمنطق الدم بالدم تكشف قدر الهزال وضعف المنطق الذي يعانيه هذا الشخص واستحالة اتساع أفقه وتفكيره السياسي رغم مرور ثماني سنوات على تسلمه المنصب، فطريقة إدارته للأزمات هي أقرب إلى طريقة رجال المافيا والعصابات بأكثر منها إلى أسلوب رجل دولة.

أما البعد الجماهيري وردود أفعال الشارع العربي في العراق فقد أعطت الموضوع أبعاداً خطيرة تكشف الأزمة الثقافية والاجتماعية التي يعانيها الفرد العربي في العراق والتي تكشف من أي منطلق خرج ومنذ القدم مبدأ "ما حنّ أعجمي على عربي قط ورب الكعبة"، وكيف أن الروحية العدائية للآخر تكمن في النفس العربية دون أدنى مبرر.

هذا الموقف السياسي والجماهيري العربيان قابلهما موقف مغاير لإقليم كردستان حكومة وشعباً يؤكد على الأخوة العربية الكردية، فالملتقى العربي الكردي الذي انعقد في أربيل بإشراف حكومة الإقليم سبقت هذه الحادثة بأيام قليلة وركز على كيفية بناء جسور الثقة بين الجانبين، أما الموقف الشعبي الكردي فتمثل بـ"احتفالات نوروز" التي شارك فيها آلاف العوائل العربية النازحة من جحيم الحرب الأهلية في المدن العربية العراقية والتي رأت في الإقليم ملاذاً آمناً لهم من ظلم إخوانهم عليهم دون فرق بين عربي وأعجمي فيها.

لو تعامل الكرد مع قضايا القتل التي ارتكبت بحقهم على أساس الدم بالدم الذي تحدث عنه المالكي لم تكن لتكفي دماء العراقيين كلهم كقصاص ثمناً للدماء الكردية التي زهقت في زمن الحكومة العراقية وما تزال... لكنهم يتعاملون دائماً بأخلاق الفرسان مع قاتليهم والعفو عنهم دون حقد ولا ضغائن.

والسؤال هنا هو كيف نتمكن نحن الكرد من العيش مع إخوة لنا في دولة واحدة وقد تربوا على نظرية "ما حن أعجمي على عربي قط ورب الكعبة"؟

* كردستان العراق - دهوك

back to top