العزلة الأميركية عن العالم وثمنها الباهظ

نشر في 10-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 10-02-2014 | 00:01
No Image Caption
ما يثير مخاوف صانعي السياسات الكوريين الجنوبيين واليابانيين وغيرهم في الشرق الأقصى لا دخل له بعدم الاستقرار المحتمل في المنطقة، بل بسياسة إدارة أوباما العشوائية تجاه سورية.
 Richard Cohen بما أن هذه السنة تسم الذكرى المئة لاندلاع الحرب العالمية الأولى، طالعتُ عدداً من الكتب التي تتناول هذا الموضوع، ويرتبط معظمها بأسباب اندلاع هذه الحرب. فتوصلت إلى الخلاصة التالية: الشوارب. كان معظم القادة الأوروبيين يملكون شوارب أو لحى. وكان القيصر الألماني فيلهلم الثاني، الذي افتقر إلى النضج، يتمتع بالشارب الأبرز بينها. تذكر مارغريت ماكميلان في عملها التاريخي الجديد عن أسباب الحرب أن "مزينه الخاص كان يثبتهما في مكانهما كل صباح". ويؤكد هذا ما ظننته دوماً: بدأ الألمان الحرب.

أحاول التذاكي قليلاً هنا، مع أن نظريتي عن الشوارب لا تقل أهمية عن أي نظرية أخرى. أودت هذه الحرب بحياة 16 مليون نسمة وبدّلت التاريخ على نحو جذري. فقد أدت، مثلاً، إلى ظهور الشرق الأوسط الجديد، ومهدت الطريق أمام الحرب العالمية الثانية. رغم ذلك، لم يتضح بعد ما كان سبب هذا الصراع الدموي. فهل تعود هذه الحرب إلى التحالفات؟

هل كانت القومية السبب؟ وهل اندلعت بسبب سباق التسلح أم بسبب نسخة معدّلة من هذه المسألة: الرأسمالية وكل شرورها المزعومة؟

لا أملك الكفاءة والمعارف اللازمة للإجابة عن هذا السؤال. لكن عبثية هذه الحرب المطلقة تحمل درساً بالغ الأهمية:

توقعوا المستحيل، لا تستبعدوا ما يُعتبر غير منطقي، احترموا دور العواطف وتذكروا أن معظم الرجال يُقاتلون من أجل الرجل الواقف إلى جانبهم، لا من أجل وطنهم أو قضية مهمة ما. لكن هذه الميزة الواضحة تُستَغل في النهاية من قبل الدول والقضايا العظمى. فلا يهم لمَ تقاتل، طالما أنك تقاتل.

تطرقتُ إلى موضوع الحرب العالمية الأولى لسبب محدّد غير إحياء ذكراها المئة. انتهت الحرب بعد أن دخلتها الولايات المتحدة الأميركية. ثم عادت هذه الأخيرة إلى عزلتها التقليدية. فشكّل ذلك أحد أسباب الحرب العالمية الثانية. وها نحن اليوم نعود مرة أخرى إلى شكل من أشكال العزلة. صحيح أنه ليس مبالغاً فيه كما في الماضي، لكن هذا الشعور سائد، ويتجلى راهناً إلى اليسار أكثر منه إلى اليمين. ففي اليسار، تعرض كل مَن اقترح تدخل الولايات المتحدة باكراً في سورية، حين كان بالإمكان الإطاحة بالأسد من دون الحاجة إلى إنزال الجنود على الأرض، للتنديد ونُعت بمحب الحرب. وأميل إلى القول إن الولايات المتحدة لم تحرك ساكناً، لا بل يُعتبر تصرفها أسوأ من الوقوف جانباً.

لا شك في أن مَن يعتقدون أن الحرب العالمية الأولى تعود إلى مجموعة تحالفات غريبة بين القوى الأوروبية يخشون اليوم التحالفات الأميركية. فنحن مضطرون إلى الدفاع عن اليابان وكوريا الجنوبية، علماً أن ثمة خلافات بين هذين البلدين وبينهما وبين الصين. فتتنازع اليابان والصين على مجموعة من الجزر، في حين تتنازع الصين وكوريا الجنوبية على منطقة مختلفة من بحر الصين الشرقي. ولا شك في أن كل هذا لا يستأهل أن يخسر إنسان واحد حياته في سبيله.

لكن ما يثير مخاوف صانعي السياسات الكوريين الجنوبيين واليابانيين وغيرهم في الشرق الأقصى لا دخل له بعدم الاستقرار المحتمل في المنطقة، بل بسياسة إدارة أوباما العشوائية تجاه سورية. فقد أعلن الرئيس عن خط أحمر ثم تجاهله. كذلك هدد الرئيس باللجوء إلى القوة، غير أن هذا القرار عُرقل في الكونغرس، حيث واجه معارضة قوية لأسباب وجيهة ومن ثم استُبعد. ومن المؤكد أن كل هذه التطورات أقلقت الأمم التي تعتبر الصين تهديداً يلوح في الأفق وتعتمد على الولايات المتحدة لنيل الدعم. كتب مايكل ج. غرين، مدير بارز في مجال الشؤون الخارجية في مجلس الأمن القومي خلال عهد الرئيس جورج بوش الابن.

لا شك في أن المعضلة السورية، فضلاً عن الإجماع على أن الولايات المتحدة تتجه نحو العزلة، سيؤديان إلى عدم الاستقرار.

يقلق الكوريون الجنوبيون على وجه الخصوص من أن يعتبر القائد العزيز في كوريا الشمالية الرئيس أوباما مجرد نمر من ورق. كذلك يخشى اليابانيون من أن تتوصل الصين إلى الخلاصة ذاتها.

يخاف حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون أيضاً من استدارة الولايات المتحدة نحو آسيا، في حين يعتبر مَن في آسيا أن هذه الاستدارة المزعومة ما هي إلا كلام فارغ.

في عام 1998، روّجت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية آنذاك، لعبارة استعملها الرئيس بيل كلينتون.

رددت أولبرايت مراراً أن الولايات المتحدة هي "أمة لا غنى عنها". قد تتحوّل هذه العبارة إلى موضع سخرية، إلا أنها مصيبة تماماً. وما من منطقة تُعتبر فيها الولايات المتحدة دولة لا غنى عنها بقدر الشرق الأقصى، حيث تطالب الصين، التي تتصرف مثل ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى، بالاحترام وتستعرض قوتها. يبدو هذا مألوفاً جداً: تنامي العزلة، وكبرياء مفرط، وغياب المنطق في مسائل كثيرة، واستعداد الولايات المتحدة لدخول سباتها المعتاد. ويبقى الفارق الوحيد غياب الشوارب.

back to top