فرنسا وإيران... وجبهة «عدم الثقة»

نشر في 12-01-2014
آخر تحديث 12-01-2014 | 00:01
No Image Caption
تسود في الوقت الراهن فكرة «ضرورة إنهاء المسألة الإيرانية»، ما يعني أن حصة الغرب من القرارات بشأن المشكلة الأمنية الدولية الأكثر أهمية في القرن الحالي ستعود إلى باراك أوباما، مع أنه سبق أن تراجع إلى حد ما في مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران، وما زال يتعاطى بغموض مع تقديم المزيد من تنازلات.
 John Vincour وسط غفوة الغرب خلال موسم الأعياد، برهن آيات الله في إيران عن براعتهم في المناورة، والنتيجة؟ ملاحظات بدت أشبه بعرض للولايات المتحدة يدعوها إلى عقد محادثات مباشرة معها وحدها بشأن برنامج طهران النووي، ما قد يعزز فرص إيران بالفوز بصفقة مليئة بالتنازلات من إدارة أوباما.

قُدِّم هذا العرض (مع أن إيران لم تصفه على هذا النحو) في تصريح أدلى به في السابع والعشرين من ديسمبر علي أكبر ولايتي، وزير خارجية سابق يُعتبر عادةً المستشار الأقرب في الشؤون الخارجية لآية الله علي خامنئي، القائد الأعلى الإيراني.

يتلاءم هذا العرض مع رغبة البيت الأبيض في إنعاش رئاسة أوباما من خلال اتفاق سلام يُعقد خلال عهده، كذلك سيرضي الكثير من أعضاء الكونغرس المعارضين لأنهم سيشعرون أنهم سيتمتعون بتأثير أكبر في المفاوضات النهائية، وسيعرقل دور الممانعة العنيدة الذي تؤديه فرنسا بين مفاوضي إيران المنتمين إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أضف إلى ذلك أن آيات الله سيحفظون ماء وجه الدول الخمس الأخرى (بريطانيا، الصين، روسيا، فرنسا، وألمانيا)، مقدمين لها محادثات مباشرة مع كل منها (فضلا عن فرص تجارية مخصصة لكل منها، حسبما يُفترض). أوليست هذه خطوة متقنة؟

يشير تقرير صادر عن وكالة الأسوشيتد بريس بعنوان "المسؤولون الإيرانيون يدعون إلى محادثات مباشرة مع واشنطن" إلى أن ولايتي ذكر، متحدثاً عن مناقشات إيران ومجلس الأمن الراهنة: "لن نسير على الدرب الصحيح إن لم نعقد محادثات مباشرة مع الدول الست. يجب أن نجري محادثات مع كل من هذه الدول على حدة".

يقوم الوجه الأكثر ذكاء لهذه المناورة على أنها قد تكتسب مقداراً من الأهمية نظريّاً في واشنطن، وما يشبه الدعم في عواصم مثل لندن وبرلين، حيث تسود فكرة "ضرورة إنهاء المسألة الإيرانية"، يعني ذلك أن حصة الغرب من القرارات بشأن المشكلة الأمنية الدولية الأكثر أهمية في القرن الحالي ستعود إلى باراك أوباما، مع أنه سبق أن تراجع إلى حد ما في مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران، وما زال يتعاطى بغموض مع تقديم المزيد من تنازلات. أبرز كامي غراند، مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس، مدى الذكاء الإيراني أخيراً حين أعلن: "لا شك أن ثلاثة أرباع العالم سيصفق" لإمساك الولايات المتحدة بزمام الأمور.

في هذه الحال، قد تظن إدارة أوباما أن من الممكن إبعاد فرنسا بنظرتها المزعجة إلى نفسها بصفتها الوصي العالمي على منع انتشار الأسلحة الكيماوية، واعتبرتها مجرد مصدر مضايقة استراتيجي يزداد عزلة وما عادت ندّ واشنطن في التعاطي مع طهران.

خلال الأشهر القليلة الماضية، أشار عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين، الذين صبوا كل اهتمامهم على المصالح التجارية، إلى هذه النقطة، قائلين: "سينتقل الأميركيون في النهاية إلى المحادثات المباشرة. وسنتعرض للعزل لأن أوباما يريد عقد صفقة، ولأن الإيرانيين أذكياء كفاية ليمنحوه ما يرغب فيه".

مع سعي القوات الفرنسية أخيراً لمنع المجاهدين من السيطرة على دولة إفريقيا الوسطى المتداعية التي غاب عنها حكم القانون، تنادي أصوات متزايدة في باريس بأن الوقت غير ملائم لمعاندة الأميركيين في الشأن الإيراني، في حين أن فرنسا تحتاج إلى المزيد من الدعم العسكري الأميركي لمنع مهمتها في إفريقيا من التداعي.

لكن المفاجئ أن الحكومة الفرنسية لا تتراجع عن محاولتها عرقلة التنازلات السيئة التي تسمح لإيران بالتحوّل إلى بلد على عتبة تطوير قدرة نووية عسكرية، بلد يمكنه اكتساب هذه القدرة في غضون أشهر. وبعد سنة ونصف السنة من رئاسة فرانسوا هولاند البائسة، تصوَّر سياسته الأمنية والخارجية الناشطة كجوهر أساس مسؤولية فرنسا وتصميمها.

بعد مرور يوم على إدلاء ولايتي بتصريحاته بشأن المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة وحدها، أمضى الرئيس هولاند يومَين في الرياض مع العاهل السعودي، الملك عبدالله، وذكر مساعد فرنسي أن الملك تحدث عن وجهات نظر البلدين "المتباعدة" بشأن طريقة التعاطي مع إيران وسورية، ووصف المواقف الفرنسية بأنها "شجاعة" و"رائدة".

يُظهر هذا الوصف في ظل غياب تحديد سعودي أدق أن السعوديين يؤيدون إصرار فرنسا على ضرورة أن يمتنع الإيرانيون بشكل قاطع عن تطوير أسلحة ذرية، وأن يغادر بشار الأسد سورية بغية تطبيق حل سياسي يوقف الحرب الأهلية المخيفة في ذلك البلد.

يبدو أن هذا الارتباط بالمملكة العربية السعودية مع بروز خيبة أملها العلنية من إدارة أوباما يضع فرنسا وسط جبهة غير رسمية من عدم الثقة، جبهة تجمع معاً شكوك إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والكونغرس الأميركي بشأن نوايا الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

سألتُ مسؤولاً أمنيّاً وطنيّاً رفيع الشأن يُعنى في بلده بالشأنَين الإيراني والروسي عن نظرته إلى الأوضاع الراهنة، فطلب مني عدم ذكر اسمه وأجاب: "يشعر السعوديون أنهم تعرضوا لإساءة كبيرة، ويفاقم الفرنسيون هذا الوضع، مخبرين السعوديين أنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة أو بريطانيا، لكن المملكة العربية السعودية تدرك أنه ما من سبيل إلى التقدّم من دون رابط قوي يجمعها بالأميركيين، ولا شك أن الفرنسيين أذكى من أن يُنكر ذلك. يبقى الدافع وراء كل ذلك سعي فرنسا للترويج لمصالحها التجارية الطويلة الأمد في البلد في وقت تدرك فيه أن السعوديين يرغبون في أن يُظهروا لإدارة أوباما مدى استيائهم".

هل يودّ مسؤول فرنسيون رفيعو المستوى الردّ على هذا الاتهام؟

إليك ما ذكره أحدهم: "لا شك أن عقد اتفاق مع إيران يفتقر إلى المصداقية سيشكّل كارثة، فقبول الغرب بتسوية سيئة يجعل الضربة الإسرائيلية ضد إيران واقعاً محتماً. تعتبر فرنسا أن عليها راهناً تأدية دور ضامن المصداقية"، في أي صفقة تدّعي أنها تلغي خطر تطوير إيران أسلحة كيماوية أو احتفاظها بالقدرة على بنائها بسرعة.

وبذكاء (تستطيع فرنسا معالجة كل المسائل، بما فيها المسألة الإيرانية، في هذا المجال) يضيف المسؤول الملاحظة التالية: "عندما يتأمل أصدقاؤنا في أوروبا وخارجها بدقة موقف فرنسا، يدركون أن قوته انعكاس لضعفهم".

 

back to top