تقرير اقتصادي : خطة التنمية... نعم يجب تغييرها مع إدارتها

نشر في 24-10-2013 | 00:05
آخر تحديث 24-10-2013 | 00:05
No Image Caption
الحكومة بشرت بها ودعّمتها وخاضت معارك سياسية من أجلها ثم أعلنت فشلها!
• ما حدث صناعة كويتية 100%.. بسبب سوء الإدارة والاستخفاف بمشروع الدولة
لا يمكن أن تعمل دولة على وضع استراتيجية سيادية كبرى تستهدف النمو ثم تجد نفسها متراجعة، لم يحدث هذا في أي دولة بالعالم، عدا الكويت، فهو صناعة كويتية 100%، الأمر الذي يعبر عن درجة عالية من سوء الإدارة، فضلاً عن الاستخفاف بمشروع الدولة الذي تم طرحه للناس.

كان صادماً التصريح الصحافي الذي أدلى به وزير المالية سالم العبدالعزيز هذا الأسبوع عن أن خطة التنمية، التي تنتهي هذا العام، لم تكن مرتكزة على قواعد صحيحة، وعلينا أن نعترف بذلك، وأن هناك خطة جديدة تتم دراستها حالياً لتطبيقها مع بداية أبريل المقبل.

خطة التنمية التي يفترض انها مشروع الدولة الأساسي منذ عام 2009م تم اكتشاف انها غير صالحة ويجب تغييرها في العام الأخير من مدتها، مما يشير الى ان العلة ليست فقط في خطة التنمية بل في الإدارة الحكومية التي تشرف على تنفيذها منذ اليوم الأول لإقرارها عام 2009، والتي لم تكتشف ان هذه الخطة «قواعدها غير صحيحة» إلا في العام الأخير من تنفيذها، وهو ما يستلزم تغييرا في فلسفة الخطة وأهدافها وأيضا في طريقة ادارتها والقائمين عليها، فلا يعقل اضاعة 5 سنوات من التوقعات الإيجابية تمر بلا محاسبة لأي طرف سياسي او فني.

اللافت ان وزير المالية المنتقد اليوم لخطة التنمية كان بحكم منصبه السابق كمحافظ لبنك الكويت المركزي عضوا في المجلس الأعلى للتخطيط، وهو المجلس الذي يعتمد خطة التنمية سنويا قبل احالتها الى الحكومة، ولم يسمع احد لا من المحافظ ولا من غيره من التنفيذيين حينئذ الا التبشير بهذه الخطة والتعويل عليها لبناء مستقبل للكويت حتى جاء تصريح الوزير الأخير ليعلن اخضاعها للتغيير!

 

تراجع هائل

 

وفي الحقيقة، فإن خطة التنمية كانت تتعرض منذ بدايتها لنقد في فلسفتها وآلياتها وأهدافها من العديد من المؤسسات البحثية والمالية إلا ان الحكومة لم تكن تصغي لأي نقد في هذا الاتجاه، غير ان آخر تقرير لقياس اداء خطة التنمية كشف عن حجم هائل من التراجع في عدد لافت ومتنوع من المستويات بعد 4 سنوات من العمل بخطة التنمية.

فمن بين 31 مؤشرا لقياس الاداء في خطة التنمية بين عامي 2009 و2013 - وهي مؤشرات حكومية تعتمد على معايير تقرير التنافسية العالمي الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي- حققت الكويت تراجعا في 21 مؤشرا، في حين تقدمت في 7 مؤشرات وثبت اداؤها في ثلاثة، مما يعطي انطباعا حول سوء الاداء الحكومي وعدم توافقه مع اهداف الخطة، فضلاً عن ضعف ادوات الاصلاح السياسي والاقتصادي والمالي، وأن تراجعات مهمة شملت ترتيب الكويت في مؤشرات كفاءة سوق العمل وجودة التعليم وثقة الجمهور بالسياسيين والحرية الاقتصادية وسهولة الأعمال، في حين حققت تقدما في استقلالية القضاء وحقوق الملكية، وثباتا في مؤشر مدركات الفساد، كما حققت تقدما في مؤشر الحريات المدنية مقابل تراجع لمؤشر الحريات السياسية.

ولا يمكن لدولة ان تعمل على وضع استراتيجية سيادية كبرى تستهدف النمو فتجد نفسها متراجعة، فهذا لم يحدث في اي دولة بالعالم عدا الكويت، ما يعبر عن درجة عالية من سوء الادارة ناهيك عن الاستخفاف بمشروع الدولة الذي تم طرحه للناس بل وخوض العديد من المعارك السياسية للدفاع عنه، لنكتشف لاحقا ان ما كانت الحكومة تقاتل من اجله غير صحيح ويحتاج الى تعديل جذري في المنهجية.

لم نتمكن خلال السنوات الماضية من عمر الخطة من تطوير بيئة الأعمال ولا استقطاب الرساميل ولا اقامة المشروعات، وتراجع التعليم ولم يتطور سوق العمل الى جانب بطء تعديل او اقرار مجموعة ضخمة من القوانين التي يفترض ان تدعم تنفيذ خطة التنمية... فهذا النوع من الخطط ليس مجرد خطاب سياسي او عنوان عريض، بل مشروع فيه من التفاصيل والجزئيات ما يشغل دولا على مدار العام ويجعلها تراقب كل المؤشرات التنافسية لتتفوق بها عاما تلو الآخر وهذا بالطبع لم يحدث في الكويت.

 

ضعف الاحترافية

 

ولم يصدر مجلس الوزراء ولو بيانا يوضح ما هي القواعد غير الصحيحة في خطة التنمية او رصد مواطن الخلل او طلب معالجة القصور، بل ان التصريح الخاص بإلغاء خطة واستبدالها بأخرى صدر من الوزير غير المختص اي وزير المالية في حين كان من المفترض ان يصدر على الأقل من وزيرة التنمية رولا دشتي بوصفها الوزيرة المختصة بقطاعها... ولعل هذا التخبط ايضا يكشف جانبا من ضعف الاحترافية في ادارة الملفات مهما كانت بسيطة، وهو مؤشر لا يعطي قدراً كبيراً من التفاؤل بإدارة كهذه.

الحكومة الحالية وقبلها حكومات كثيرة سارت بنفس النهج والأخطاء والسياسات، وهي التي اشرفت على تراجع المؤشرات عاما تلو الآخر، لذلك باتت الاخبار السيئة المقارنة بين الكويت ونظيراتها في الخليج او اي دولة اخرى لا تثير ذلك القدر من الاستغراب، ليس لأن اغلب الناس باتوا مقتنعين بأنه لن تتم محاسبة احد، بل لأن هذه المؤشرات تعبر عن ازمة ادارية- حكومية شاملة في النظام نفسه، لا في عمل وزير.

والمؤلم حقا ان فشل خطة التنمية يتزامن مع توفر امكانات لبلد نفطي يحقق الفوائض المالية المتتالية منذ اكثر من 14 عاما، وليس سراً القول إن لدينا إمكانات عالية لتحقيق خطة تنمية حقيقية تحقق سنويا نموا في مؤشراتها التنافسية لنتفوق على الاقل على الدول المحيطة بنا، الا ان هذا يتطلب نموذج ادارة سليماً، وهو للأسف غير متوفر حاليا.

 

back to top