شائعات عن تقهقر «القاعدة»
طوال خمس سنوات، تفاخرت إدارة أوباما بنجاحها في الحرب ضد تنظيم القاعدة، فقد شدد كبار مسؤولي هذه الإدارة في الخطابات الرسمية، والتقارير الإخبارية اليومية، والحملات الخطابية على "تفكك" القاعدة، وتوقعوا القضاء عليه بالكامل قريباً.اتخذ جون برينان، أبرز مستشاري الرئيس في هذه المسائل، خطوة جريئة محدداً إطاراً زمنيّاً لنهاية تنظيم القاعدة، فقد أعلن خلال خطاب ألقاه في مركز وودرو ويلسون في ربيع عام 2012، قبل وقت قصير من تعيينه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: "إذا شهد عقد ما قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر بروز تنظيم القاعدة، يُعتبر عقد ما بعدها مرحلة تقهقره، وأعتقد أن العقد الحالي سيكون نهايته".نظرنا بعين الريبة إلى ادعاءات برينان في تلك الفترة، ولكن ما عاد أحد يصدقها اليوم، فما عاد نمو شبكة القاعدة واستمرار خطرها موضع جدل. قد يختلف الخبراء حول الشكل المحدد لهذا التنظيم وقدراته، ولكن حتى أولئك الذين كانوا يرددون قبل زمن ليس ببعيد أفكار الإدارة يعبّرون اليوم عن قلقهم من سيطرة القاعدة راهناً على "المزيد من المناطق في العالم العربي، مقارنةً بأي مرحلة سابقة"، حسبما ذكر بيتر بيرغن من وكالة الاستخبارات المركزية.يضع كل هذا إدارة أوباما في موقف حرج، فعلى الرغم من ادعاءاتها المليئة بالأمل، يبدو تنظيم القاعدة بعيداً كل البعد عن الهزيمة، فمع انسحاب أوباما من العراق، وخفضه عدد الجنود في أفغانستان، وتوقه إلى إنهاء حروب لم يحقق فيها النصر بعد، يتضاءل احتمال تدمير القاعدة يوما بعد يوم.رداً على هذا الواقع القاتم، أو في إقرار ضمني به على الأقل، ازداد تركيز خطاب إدارة أوباما على إعادة تعريف تنظيم القاعدة، فلم يعد ذلك التنظيم تلك الشبكة الواسعة التي وصفتها إدارة بوش حين أعلنت شن "حرب عالمية على الإرهاب". على العكس، تحوّل التنظيم في وصف إدارة أوباما العلني إلى ما يشبه لعبة الماتريوشكا الروسية، متضائلاً مع كل تكرار.وها قد بلغنا اليوم النهاية، فقد انتقلنا من شبكة عالمية إلى ما يُدعى "جوهر تنظيم القاعدة" ومن ثم إلى رجل واحد عاجز حتى عن نشر دعاية فاعلة، فقد ادعت أخيراً المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، أن أيمن الظواهري هو "الوحيد المتبقي" من "جوهر القاعدة"، وهذا بالتأكيد ادعاء سخيف، ويجعله إطاره العام أكثر سوءاً.في مؤتمر صحافي في وزارة الخارجية في 23 يناير، سأل المراسلون هارف عن رسالة جديدة من الظواهري إلى أنصاره، فماذا كان رد فعلها الأولي؟ "لم أطلع عليها". ومن ثم وعدت "بإلقاء نظرة عليها أو الاستماع إليها"، وبعد لحظات ادعت أنها تعلم ما يكفي عن محتواها لتعتبرها غير مهمة، قائلةً: "ليس هذا بخطاب جديد لم يسبق أن سمعناه من الظواهري".ولكن كيف تستطيع أن تقدّم تطمينات حول محتوى الرسالة ومعناها، مع أنها لم تطلع عليها؟ هذا غير ممكن.كان هذا الإطار العام لادعائها أن الظواهري هو الوحيد المتبقي من جوهر القاعدة، فقد أعلنت: "ليس هذا بخطاب جديد لم يسبق أن سمعناه من الظواهري، فقد نجحت جهود الولايات المتحدة المناهضة للإرهاب في القضاء على كامل قيادة تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان أو جوهره، باستثناء الظواهري. فهو الوحيد المتبقي. أعتقد أنه يمضي في هذه المرحلة وقتا أطول في الخوف على أمنه الشخصي، مما يخصصه للدعاية، لكنه لا يزال يسعى إلى نشر هذا النوع من الدعاية كي يحافظ على مكانته". بعد يوم من هذا المؤتمر الصحافي، قام توماس جوسلين وبيل روجيو، هذا الفريق المميز في موقع Long War Journal الإلكتروني، بتسليط الضوء على ادعاءات هارف هذه ودحضها، وكان من الممكن أن تنتهي المسألة عند هذا الحد، لكن هارف ردّت على ذلك في قرار ربما تندم عليه اليوم. إليكم الجزء الأهم مما ذكرته:"كنت أحاول التشديد على فكرة أن الظواهري، من بين كل أعضاء جوهر قيادة القاعدة البارزين الذين استهدفتهم الولايات المتحدة، هو الوحيد المتبقي من المجموعة التي خططت لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أي من جوهر القاعدة الذي نعرفه. لا شك أن جوهر القاعدة يستبدل القادة الذين يسقطون خلال المعارك، إلا أنهم يُستبدَلون عموماً بمقاتلين شباناً أقل خبرة لا يتمتعون بالنوع ذاته من الخلفية القتالية ولا يملكون القدرة ذاتها على التخطيط لاعتداءات خارجية، ولا شك أن هذا التنظيم لا يزال خطراً جداً، خصوصاً في باكستان وأفغانستان وعندما يتعاون مع مجموعات إرهابية محلية، لكنهم في مطلق الأحوال مجرد ظل لما كان عليه هذا التنظيم سابقاً.يصعب عليكم تسمية قائد بارز آخر في تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان يتمتع بالأهمية ذاتها مثل الظواهري أو أبو يحيى الليبي أو عطية عبدالرحمن. يمكن أن أستمر في التعداد طويلاً.عندما تقرؤون تصريحي الكامل هنا، يتضح لكم أنني أتحدث عن القضاء على جوهر قيادة القاعدة، لا كامل التنظيم، فمن غير المنطقي الادعاء أنني أعتقد أن الظواهري هو فعلاً المقاتل الوحيد المتبقي من جوهر القاعدة".إذا كانت هارف تظن أن من غير المنطقي الادعاء أنها تعتقد أن الظواهري هو فعلاً المقاتل الوحيد المتبقي من جوهر القاعدة، كان عليها أن تبذل جهدًا أكبر لتوضح لماذا أعلنت أن الظواهري هو المقاتل الوحيد المتبقي من جوهر القاعدة.وكما أشار موقع Long War Journal، قدّمت هارف في محاولتها توضيح ما عنت بادعائها أن الظواهري "الوحيد المتبقي" من "جوهر القاعدة" عدداً من التعريفات المختلفة لهذه المجموعة، فثمة قيادة بارزة من "المجموعة التي خططت لاعتداءات الحادي عشر من سبتمبر" و"جوهر القاعدة كما نعرفه" حتى "الجوهر الجديد لقيادة القاعدة" الذي يشمل مَن حلوا محل مَن قُتلوا.قد يبدو من الظلم انتقاد هارف. لربما أساءت التعبير خلال تصريحها عن الظواهري، لكنها لا تُعتبر بالتأكيد غير مؤهلة لتناول هذه المسائل، ولا شك أن وجهات نظرها تعكس أسس قيادة باراك أوباما الأمنية القومية، فكما أشارت هارف متحدثةً عن نفسها، أمضت "ست سنوات في وكالة الاستخبارات المركزية، ثلاث منها كمتحدثة تتناول هذه المسائل بالتحديد"، ولا تكمن المشكلة في الرسول، بل في الرسالة.منذ الأيام الأولى لعهد أوباما، قللت الإدارة من أهمية الخطر الذي يشكّله تنظيم القاعدة وأعوانه، فقد تعهد أوباما مرة أخرى خلال يومه الأول في منصبه بإقفال سجن غوانتنامو، وبعد ثلاثة أيام على محاولة تفجير طائرة فوق ديترويت خلال عيد الميلاد عام 2009، ادعى الرئيس أن عمر فاروق عبدالمطلب كان "متطرفًا معزولاً"، مع أن الوقائع تُظهر أن هذا الإرهابي كان قد أخبر السلطات بروابطه مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وعندما حاول فيصل شاه زاد تفجير سيارة مفخخة في ساحة تايمز بعد ستة أشهر، اعتبرت جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن القومي، هذه المحاولة "محاولة منفردة"، كذلك استبعدت قبل الأوان احتمال أن يكون الإرهابي، الذي درّبته حركة طالبان باكستان ومولته، على علاقة بإرهابيين دوليين، وطوال أسبوعين، صُوّرت الاعتداءات المميتة في بنغازي بشكل مضلل، رغم توافر الأدلة على العكس، على أنها نتيجة أعمال شغب أججها فيديو نُشر على موقع YouTube. وعندما حاولت صحيفة New York Times إعادة إحياء هذا الطرح الفاشل الشهر الماضي، عبّر مسؤولو إدارة أوباما بهدوء للمراسلين الذين سألوا عن هذا الخبر عن موافقتهم وتأييدهم له.إذا كانوا يحاولون خداعنا، فهذا مهين، أما إذا كانوا يخدعون أنفسهم، فهذا خطر جداً.