جزء ثانٍ مخيف من مسلسل حرب العراق

نشر في 14-01-2014
آخر تحديث 14-01-2014 | 00:03
No Image Caption
في دول مثل أفغانستان، ومصر، وليبيا، وسورية، اختار أوباما تدخلاً محدوداً وأقر أحياناً بأن العواقب قد تكون سيئة، لكنها من وجهة نظره ليست بالسوء الذي ستكون عليه في حال غاصت الولايات المتحدة بقوة أكبر في مشاكل شعوب أخرى.
طوال سنتين، تفاخر الرئيس أوباما بأنه حقق ما عجز عنه سلفه، فقد ذكر في خطاب تلو الآخر: "أنهيت الحرب في العراق"، لكن عودة التمرد الإسلامي إلى غرب العراق ذكر العالم بأن هذه الحرب لم تنتهِ.

أنهى الرئيس أوباما الوجود العسكري الأميركي في العراق، إلا أن القتال لم يتوقف مع خروج آخر الجنود الأميركيين من هذا البلد عام 2011، بل ما عاد العراق يشكل مصدر قلق يومياً بالنسبة إلى أميركيين كثر، صحيح أن الاهتمام الأميركي تحول إلى منطقة أخرى، لكن الحرب استمرت في العراق وبلغت اليوم مرحلتها الأعنف بعد تراجعها خلال الاحتلال.

يُسلط تحول الأحداث في بلد كان يحتل سابقاً المراتب الأولى على الأجندة الأميركية الضوء على مقاربة رئيس مصمم على أن يبقي الولايات المتحدة خارج ما يعتبره مستنقعات العقد الأخير. ففي دول مثل أفغانستان، ومصر، وليبيا، وسورية، اختار أوباما تدخلاً محدوداً وأقر أحياناً بأن العواقب قد تكون سيئة. لكنها من وجهة نظره ليست بالسوء الذي ستكون عليه في حال غاصت الولايات المتحدة بقوة أكبر في مشاكل شعوب أخرى.

لكن أساليب الرئيس تخضع لتدقيق جديد في الأيام الأخيرة مع ارتفاع أعلام تنظيم "القاعدة" في الفلوجة والرمادي، اسمان يحملان صدى عميقاً بالنسبة إلى جيل من قدامى الجيش الأميركي الذين ضحوا بدمائهم هناك، وقد أججت هذا الانتقادَ مذكراتٌ جديدةٌ نشرها وزير الدفاع السابق روبرت غيتس، ووصف فيها قائداً أعلى للقوات متردداً لم يؤمن حتى بحملته العسكرية الخاصة في أفغانستان، وأراد الخروج من العراق بسرعة.

يوضح السيناتور بوب كوركر من تينسي، المسؤول الجمهوري الأعلى في لجنة العلاقات الخارجية، بعد أن زار بغداد في شهر أغسطس الماضي: "يبدو الفراغ في القيادة الأميركية واضحاً هناك. شعرت كما لو أن الإدارة ظنت أنها أنهت مهمتها في العراق، وأن الوقت قد حان للرحيل. وبما أنها أزالت العراق عن لائحتها، فما عادت تملك أي سبب لإقامة علاقات معه من النوع الذي كان سيُعتبر مفيداً في المرحلة الراهنة".

 يشتكي النقاد من أن أوباما بدد نجاحاً كبيراً حققته "عملية زيادة عدد الجنود"، التي نفذها الرئيس جورج بوش الابن عام 2007، وأنه كان عليه بذل جهد أكبر لإقناع بغداد بإبقاء عدد من القوات الأميركية بعد عام 2011، كذلك يشددون على أن أوباما كان يجب أن يسعى إلى وضع حد لرئيس الوزراء العراقي نوري كمال المالكي، الذي أدت قيادته الشيعية إلى تهميش السنّة وعزلهم، ما أجج الانتفاضة الأخيرة.

ولكن إذا كان أوباما قد اتخذ قرار الانسحاب من العراق وغيره من المناطق الساخنة حول العالم، ينطبق الأمر عينه على الشعب الأميركي، فما زال قرار الرئيس سحب الجنود من العراق يتمتع بتأييد عالٍ في استطلاعات الرأي. حتى أشد منتقديه لا يدعمون فكرة إرسال قوات برية مجدداً إلى العراق، فبعد سنوات من حروب العصابات الطاحنة، يذكر مستشارو أوباما أن الرئيس أعاد بكل بساطة ضبط السياسة الأميركية لتكون أكثر واقعية، ويبدو أن أميركيين كثرا راضون عن ترك العراقيين يخوضون هذه الحرب بأنفسهم.

تشير جوليان سميث، مساعدة سابقة لمستشار نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في مجال الأمن القومي تعمل راهناً في مركز الأمن الأميركي الجديد: "لم يسُدْ في البيت الأبيض مطلقاً الشعور بأن هذه هي النهاية، وبأننا حللنا كل الصراعات في ذلك البلد وأن بإمكان الولايات المتحدة الانسحاب". لكنها تضيف: "يجب أن ندرك بوضوح حدود الالتزام الأميركي".

تتابع سميث موضحة: "لا تتحكم الولايات المتحدة في النهاية بما يحدث في العراق".

يذكر دوغلاس أوليفانت، مساعد سابق في مجال الأمن القومي خلال عهدَي بوش وأوباما، أن الإدارة الأميركية ما كانت تستطيع حمل المالكي على فعل المزيد، علماً أن هذا الزعيم العراقي "يواجه انتقادات لاذعة" منذ تصديه لتمرد "القاعدة" الناشط. ويضيف أوليفانت: "ما عادوا على الأقل يقتتلون بسببنا"، بما أن الوجود الأميركي ما عاد سبباً للخلاف.

تحول القتال في العراق اليوم إلى جزء من معركة إقليمية أكبر ترتبط بالحرب الأهلية الدائرة في سورية المجاورة، ففي الأشهر الأخيرة أعلن المسؤولون الأميركيون أن نحو 50 انتحارياً ينتقلون كل شهر عبر الحدود إلى العراق، ما يعقد إلى حد كبير طبيعة الصراع. وقد أتت اعتداءات تنظيم "القاعدة" في الفلوجة والرمادي بعد سنة لقي فيها 7800 مدني وألف عنصر من قوى الأمن العراقية حتفهم في اعتداءات مماثلة، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وتُعتبر هذه الأرقام الأعلى خلال خمس سنوات.

يقر بعض الجمهوريين بمجموعة التفاعلات المعقدة في تلك المنطقة، يوضح النائب ماك ثورنبيري من تكساس، نائب رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب: "هل تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية ما في سلسلة الأحداث هذه؟ نعم. ولكن هل هي السبب الوحيد؟ كلا".

لم يدلِ أوباما بأي تعليق علني بشأن التطورات التي تشهدها محافظة الأنبار العراقية، تاركاً هذه المسألة لبايدن الذي كلفه الرئيس بتولي مسألة العراق. اتصل بايدن بالمالكي أخيراً ليتحدث إليه للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام. فحضه على التقرب أكثر من السنّة.

علاوة على ذلك، ستُرسل الإدارة الأميركية صواريخ "هيلفاير" وطائرات مراقبة من دون طيار لمساعدة القوات العراقية، كذلك عززت الإدارة جهودها لإقناع الكونغرس بالسماح بتأجير أو بيع طائرات مروحية من نوع "أباتشي" للحكومة العراقية. لكن السيناتور روبرت منديز من نيوجيرسي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية الديمقراطي، عرقل فكرة طائرات "الأباتشي"، مطالباً بألا تُستعمل ضد مدنيين، وأن يتخذ المالكي خطوات لمنع إيران من إيصال الإمدادات إلى الجيش السوري عبر المجال الجوي العراقي.

بعد أشهر من الانتظار، تلقى منديز أخيراً اتصالاً عاجلاً من وليام بيرنز، نائب وزير الخارجية، وعده فيه برد. وأشار منديز قبل أيام إلى أنه قد يتراجع عن رفضه، فقد ذكر المتحدث باسمه آدم شارون: "إذا عولجت هذه المسائل بالشكل الكافي، فقد يقبل رئيس اللجنة بالمضي قدماً بهذا الطرح".

رغم ذلك، قد يبقى أعضاء آخرون في مجلس الشيوخ حذرين. على سبيل المثال، يعلن السيناتور ساكسباي تشامبليس، جمهوري بارز في لجنة الاستخبارات: "أعتقد أن علينا توخي أقصى درجات الحذر، فقد تقع كل هذه الأسلحة بين أيدي الأشخاص الخطأ".

حتى لو حظي هذا الطرح بالموافقة، فقد تمر أشهر قبل أن تصل أولى طائرات "الأباتشي" المؤجرة إلى العراق، وفق المسؤولين. كذلك يحتاج الطيارون إلى تدريب. على الصعيد الأشمل، أوضحت الإدارة الأميركية أن بغداد يجب ألا تتوقع من واشنطن أن تهب لنجدتها، فقد شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيراً على أن "هذا القتال خاص بالعراقيين"، مستخدما كلمة "قتالهم" أربع مرات إضافية خلال مناقشته مع المراسلين.

ينكر البيت الأبيض أنه أهمل العراق... فيذكر جاي كارني، المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض: "نملك علاقة مهمة مع الحكومة العراقية والشعب العراقي، وأعتقد أن التزامنا بمساعدتهم في هذا الشأن يتضح من خلال الدعم العسكري الذي نقدمه ونسرعه، وأيضاً من خلال نوع الخطاب الذي نتبادله مع القادة العراقيين".

يشير مسؤولون آخرون أنهم ساهموا بصمت في توجيه رد المالكي، متدخلين لمنعه من شن هجوم مسلح على الرمادي لأنهم خشوا أن يقود إلى إراقة دماء كثيرة.

بدلاً من ذلك، شجعوه على التواصل مع قادة القبائل السنّية والموافقة على دفع المال لمن يقاتلون ضد تنظيم "القاعدة". وهكذا نجحت الحكومة العراقية وحلفاؤها، وفق هؤلاء المسؤولين، في استعادة السيطرة على الجزء الأكبر من الرمادي في غضون أسبوع. ويأملون أن ينفذوا خطة مماثلة في الفلوجة، إلا أنهم يقرون بأن هذا التحدي أصعب لأن المدينة تحتضن الإسلاميين المتطرفين منذ مدة.

يوضح أنتوني هـ. كوردسمان، محلل من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنهى لتوه دراسة طويلة عن العراق: "في حالات مماثلة، علينا أن ننتقي الخيارات الأقل سوءاً، ففكرة أننا نملك نوعاً من العصا السحرية لم تنجح البتة".

back to top