لعبة كرزاي الخطيرة وشبح الانهيار يهددان مستقبل أفغانستان

نشر في 25-12-2013
آخر تحديث 25-12-2013 | 00:01
إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها وأنهت مساعداتها، فسيؤدي ذلك إلى انهيار الجيش الوطني الأفغاني والدولة الأفغانية، تماماً كما انهارا عندما أوقف السوفيات مساعداتهم في مطلع عام 1992 مع سقوط الاتحاد السوفياتي.
 نيويورك تايمز لا شك في أن حامد كرزاي، بتحديه واشنطن وتأخيره توقيع الاتفاق الأمني الثنائي مع الولايات المتحدة، هذا الاتفاق الذي يضمن استمرار الدعم المالي والعسكري لأفغانستان بعد عام 2014، يتصرف بذكاء شديد وغباء مطبق في آن واحد: بذكاء في الإطار الشخصي والأفغاني وغباء في الإطار الأميركي. من الواضح أن كرزاي يحاول كسب التأييد الشعبي، خصوصاً بين البشتون. ويأمل أيضاً أن يمنحه الامتناع عن التوقيع بعض النفوذ في واشنطن خلال الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقبلة في شهر أبريل، النفوذ الذي يبدو أنه بأمس الحاجة إليه، بما أنه من المستبعد أن تتبع هذه الانتخابات قواعد ديمقراطية غربية صارمة. تعتمد رغبة كرزاي في أن يصبح شخصية نافذة في أفغانستان على هذا. ولكن لعله يظن أيضاً أن قدرته على إدارة هذه الانتخابات بطريقة سلمية (لا ديمقراطية) تشكل خطوة أساسية للحفاظ على الدولة الأفغانية.

من المؤسف أن دعم الولايات المتحدة بالغ الأهمية لصون مستقبل أفغانستان. ولا تشكل القواعد الأميركية المحور الرئيس، بل المال. فلا تؤمن العائدات الأفغانية في الوقت الراهن سوى عُشر الموازنة الأفغانية. ومن شبه المستحيل زيادة هذه العائدات بسرعة. نتيجة لذلك، تسد المساعدات الأميركية والغربية كامل موازنات الجيش والتنمية. وقد أصرت الولايات المتحدة على ضرورة توقيع صفقة تسمح باستمرار الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان خلال عام 2014، وتمهد الطريق أمام مساعدات دولية بقيمة مليارات الدولارات، قبل نهاية هذا العام.

من هنا تُعتبر مناورات كرزاي خطيرة بالنسبة إلى أفغانستان، خصوصاً أنه لا يدرك على ما يبدو مدى رغبة واشنطن والعواصم الأوروبية في الخروج من المستنقع الأفغاني. لذلك يشبه كرزاي مَن يلعب الروليت الروسي، مصوباً المسدس إلى رأس بلده، فضلاً عن أنه لا يعلم كم يحمل هذا المسدس من رصاصات.

تنامى الاستياء من كرزاي والمحيطين به منذ أن بدأ الغرب بتأليف حكومته. وقد بلغ الغضب حده بسبب كل الاتهامات التي وُجهت إليهم عن الفساد وتجارة الهيروين. فقد أججت هذه الادعاءات سخط الناخبين الغربيين وممثليهم.

ولكن من الممكن أيضاً رؤية هذه المسألة من منظار مختلف: من خلال صراع وجودي بين أهداف الغرب العقائدية والتقاليد والحقائق السياسية الأفغانية. ويترافق هذا الصراع مع تصادم آخر بين سياسة الولايات المتحدة المتناقضة تماماً. فلا يمكن تحقيق الأجندة التي رسمها الغرب لأفغانستان والدولة العصرية المركزية التي كان يُفترض أن تنفذ هذا التغيير إلا خلال مرحلة أطول بكثير وعبر التزام غربي يفوق ما تبدو أي إدارة في واشنطن مستعدة للتفكير فيه.

في ظل غياب هذا الالتزام الغربي، أُرغم كرزاي على اعتماد استراتيجية الدول الأفغانية الضعيفة خلال المراحل التاريخية المختلفة: شراء الرجال المحليين النافذين والمجموعات الإثنية والقبائل وغض النظر عن نشاطاتهم. يعتبر الغرب هذه الاستراتيجية فساداً وأعمالاً إجرامية. لكن هذا الانتقاد مجحف. فالجيش الأميركي بحقائبه المليئة بالدولارات هو مَن ساهم في إعادة نشر نفوذ أسياد الحرب في مناطق البشتون بعد سقوط "طالبان". فقد ساعدت القوات الأميركية أسياد الحرب هؤلاء على التخلص من خصومهم. نتيجة لذلك، أشعلت الغضب المحلي، ما ساهم في تمهيد الطريق أمام عودة "طالبان".

لا تزال الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يدعمان حتى اليوم عدداً من أسياد الحرب المجرمين في جنوب أفغانستان، خصوصاً أنهما لا يريان بدائل أفضل خلال حربهما مع "طالبان". فكيف يختلف هذا بالتحديد عن سلوك كرزاي الذي ننتقده بشدة؟ صحيح أن كرزاي قد لا يكون الرجل الأكثر نزاهة أو استقراراً، لكن الضغوط المتضاربة التي يواجهها والرسائل المختلطة التي يتلقاها قد تدفع أي شخص نحو الفساد أو الجنون.

من الضروري أيضاً الإقرار بسجل الغرب لأن السياسيين الغربيين يستغلون اليوم الغضب الحقيقي أو المصطنع، مع أن رغبتهم الحقيقية تبقى إرضاء ناخبيهم بإنهاء أي التزامات إضافية تجاه أفغانستان.

إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها وأنهت مساعداتها، فسيؤدي ذلك إلى انهيار الجيش الوطني الأفغاني والدولة الأفغانية، تماماً كما انهارا عندما أوقف السوفيات مساعداتهم في مطلع عام 1992 مع سقوط الاتحاد السوفياتي. وكما في الماضي، سيعود الجنود الأفغان اليوم إلى منازلهم مع سلاحهم لينضموا إلى مجموعات مختلفة من الميليشيات والعصابات. وعلى غرار ما حدث بعد عام 1992، ستغرق أفغانستان في الفوضى لتعود إلى الوضع عينه الذي ساهم في وصول "طالبان" إلى السلطة في المقام الأول. علاوة على ذلك، كان للولايات المتحدة اليد الطولى في الحرب الأهلية الأفغانية في تسعينيات القرن الماضي، أولاً من خلال دعم المجاهدين المناهضين للسوفيات بالمال والسلاح، ومن ثم التنصل من أي محاولة لحض القوى الأفغانية المختلفة على عقد اتفاق. وإذا أنهينا اليوم مساعدتنا لدولة أفغانية تعمدنا نحن تصميمها بطريقة لا يمكنها معها الاستمرار من دون مساعدتنا، نكون للمرة الثانية خلال جيل واحد قد خنا الشعب الأفغاني.

لنفترض أن كرزاي وقع في النهاية الاتفاق الأمني، فستضطر الولايات المتحدة إلى مواصلة دعمها الكامل والمتنامي لأفغانستان. وبما أن إدارة أوباما تدرك أن المساعدات لا يمكنها أن تستمر على حالها لأكثر من بضع سنوات، فعليها أن تسعى بدأب لعقد محادثات جديدة مع "طالبان". ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي أن تقبل واشنطن بطلب "طالبان" إطلاق سراح عدد من السجناء وإزالة أسماء قادة "طالبان" عن لوائح الإرهابيين، ما يتيح لهم المشاركة في المناقشات الدولية.

يبقى الخطأ الأساس في استراتيجية إدارة أوباما تجاه أفغانستان واقع أنها لم تسعَ لتحقيق أي هدف بحماسة كافية. فلم تكتمل عملية زيادة عدد الجنود التي أطلقتها لأنها فرضت عليها مهلة زمنية قصيرة على نحو غريب. وتلا ذلك التزام غير حقيقي بتعزيز الدعم العسكري ترافق مع عمليات انفتاح غير صادقة من أجل إحقاق السلام. وإذا لم تبدأ واشنطن بالتنبه لما يحدث، فقد تتسبب في كارثة في أفغانستان ستشكل أيضاً الضربة الكبرى لمكانة الولايات المتحدة منذ سقوط سايغون.

أناتول ليفن * بروفسور في قسم دراسات الحرب في جامعة لندن وباحث بارز في مؤسسة أميركا الجديدة في واشنطن، له كتاب Pakistan: A Hard Country.

back to top