المالكي وخياراته... بين المصلحة الشخصية والعمالة

نشر في 04-01-2014
آخر تحديث 04-01-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر هل استفاق المالكي فجأة على كابوس الاعتصامات بعد سنة من بدئها وقرر التصدي أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

لقد تسارعت وتيرة الأحداث في المنطقة الغربية في العراق بعد مقتل اللواء محمد الكروي في صحراء الأنبار من مجموعة (قيل) إنها تابعة لدولة العراق والشام الإسلامية (حسب رواية وزارة الدفاع العراقية)، وكأن المالكي كان ينتظر هكذا فرصة للانقضاض ليس على المجاميع الإرهابية فقط إنما للسيطرة على الاعتصامات المدنية هذه وإنهائها.

 ودون الدخول في تفاصيل مقتل اللواء الكروي ومن يقف وراءه فإن المالكي بدا هذه المرة مصراً على الذهاب إلى آخر الطريق في تعامله مع هذه الاعتصامات، هذا الإصرار يلقي بشكوك حول الأسباب الحقيقية التي غيرت سياسة النفس الطويل التي مارستها الحكومة في تعاملها مع هذه الاعتصامات إلى اللجوء للحسم العسكري في معالجتها.

على الرغم من مرور ما يقارب السنة على اعتصامات المدن السنية العراقية والفتور الذي أصابها مؤخرا وأفقدها عامل التأثير السياسي الذي كانت تمتلكه في بداية انطلاقها  فإن حكومة المالكي وماكينتها الإعلامية تحاولان شيطنة هذه الاعتصامات ومحاولة ربطها بالمجموعات المتطرفة؛ كي تعطيا لنفسهما الغطاء السياسي اللازم للتعامل معها عسكرياً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وأميركا.

 وما يثير الشكوك حول أهداف المالكي الحقيقية هو التحول السريع الذي رافق تحركات الجيش العراقي في متابعة مناطق تجمعات الإرهابيين في صحراء الأنبار إلى التوجه نحو ساحات الاعتصام، والفترة الوجيزة التي منحها الجيش لفضها بغية اقتحامها.

لا يمكن فصل الأزمة الحالية في العراق عن الزيارتين اللتين قام بهما المالكي لأميركا وإيران في الفترة الماضية، وما رافق زيارته إلى واشنطن من ضجة سياسية وإعلامية كبيرة في الداخل الأميركي، فبعد إدراك المالكي لتغير موقف الإدارة الأميركية إزاء بقائه في المنصب لولاية ثالثة عمد إلى طرح فكرة حرب إقليمية ضد المجموعات الإسلامية المتطرفة يشارك فيها العراق مع إيران النظام السوري وبمباركة أميركية حسبما ذكرت التسريبات وقتها.

 وعلى الرغم من عدم معرفتنا لرد الإدارة الأميركية على هذا المقترح فإن التطورات الميدانية في سورية وسيطرة الجماعات الإسلامية على الساحة العسكرية هناك، وكذلك الانشقاقات وتحول هذه الجماعات المتطرفة من مركزية القرار إلى تعددية في التوجهات والرؤى؛ كل هذا جعل من الصعب على الإدارة الأميركية توجيهها سياسيا للوجهة التي تلائم أجنداتها في المنطقة كما كانت تفعل معها سابقاً، مما دعا الإدارة الأميركية للتفكير جديا في محاربة هذه الجماعات وتبني فكرة المالكي، وهذا ما يفسر التسريبات الصحافية التي أشارت إلى إرسال أسلحة أميركية فتاكة وبشكل عاجل للجيش العراقي تمكنه من مقاتلة هذه الجماعات.

إن محاربة المالكي لما يسميه بالإرهاب يعطيه دفعة معنوية يستعيد فيها شعبيته التي فقدها بعد فشله في بسط الأمن في العراق، وفشل حكومته في تقديم وعودها الخدمية للشارع العراقي، وهذا ما أكدته الدراسات الأخيرة التي أشارت إلى انخفاض في شعبيته حتى عند مؤيديه.

لقد تبادل النظام السوري والحكومة العراقية الهدايا منذ إسقاط نظام صدام حسين ولغاية يومنا هذا، فقد تبادل الأسد وإيران إرسال قطعان المجاميع المتشددة للداخل العراقي منذ 2003 ولغاية قيام الثورة السورية بما يخدم مخططات الدولتين والأحزاب العراقية المؤيدة لهما، وقد حان الوقت الآن كي يرد المالكي الهدية بأحسن منها، فتوتير الأجواء في المنطقة السنية في العراق سوف يؤدي إلى توجه هذه المجاميع المسلحة التي تقاتل داخل الأراضي السورية إلى العراق؛ مما يضعف من الضغط العسكري على جيش بشار الأسد ويشتت الجهد العسكري لهذه المجاميع.

لقد سبقت الخطوة المالكية هذه تصريحات من جانب الحكومة السورية على لسان بثينة شعبان بأن حكومتها ستكشف أسماء قيادات سياسية عراقية (سنية) كانت تطالب دمشق بفتح الحدود بين الدولتين لدخول المجاميع المسلحة وإسقاط العملية السياسية، وأضافت بأن الحكومة السورية سوف تختار الوقت المناسب لكشف هذه الأسماء، وإن كان هذا التصريح مجهول الأسباب في وقته إلا أنه يمكن قراءته حالياً بأنه مكافأة مسبقة من سورية لما كان المالكي يخطط للقيام به في الداخل العراقي، وكذلك يشير إلى التنسيق المسبق بين الطرفين في أي تحرك أمني وسياسي.

إن المالكي يدرك أن الدخول في حرب مركبة مع الجانب السني في الأنبار والجماعات الإسلامية المتطرفة، ومزجهما في جبهة واحدة (حسب رؤيته) لن يكون نزهة كما يتصورها البعض، وسيكون له تداعيات كثيرة تجر العراق إلى حرب أهلية حقيقية مفتوحة على جميع الاحتمالات، إلا أن جميع هذه الاحتمالات تصب في محصلتها لمصلحته الشخصية كرئيس وزراء.

فالمالكي يعي جيداً أن عدم حصوله على ولاية ثالثة يعني مواجهته للمحاكمة على جرائم سياسية ومالية لا حصر لها ارتكبها خلال سنوات حكمه الثماني، ولذلك فإن إثارة الفوضى حتى إن أدت إلى تدمير العراق ستكون أفضل له من المصير القضائي الذي ينتظره، فكسبه لهذه المعركة سيقوي مكانته السياسية ويجعله السياسي الذي حقق لأميركا وإيران هدفهما المشترك في القضاء على الإرهاب، أما إذا استطاع الجانب السني في إطالة أمد المعركة فسيكون بمقدور المالكي الانتقال للخيار الثاني وإعلان حالة الطوارئ التي ستضمن له تجميد العملية السياسية بمجملها والبقاء في المنصب لأطول مدة ممكنة، خصوصا أنه سيكون مؤيداً من قبل أميركا وإيران في استنساخ لتجربة بشار الأسد في البقاء.

 * كردستان العراق – دهوك

back to top