لنحُل دون تكرار مأساة رواندا

نشر في 11-04-2014
آخر تحديث 11-04-2014 | 00:01
يقدّم الجنرال دالير- الجندي الكندي المميز- تقييماً محترِفاً أكّد فيه أن 4 آلاف جندي مدرّب يحصلون على تفويض يسمح لهم باستخدام القوة لحماية المدنيين كانوا سينجحون في وقف الإبادة الجماعية في رواندا التي راح ضحيتها نحو 800 ألف إنسان.
 ذي تيليغراف تنير الشعلة التذكّارية تلال رواندا الخضراء الغضة، إحياءً للذكرى العشرين لبدء الإبادة، ففي الساعات الباكرة من السابع من أبريل عام 1994، انطلقت عملية مخَطط لها بدقة هدفها محو أقلية التوتسي في هذا البلد.

ولعل الكلمات المقتضبة التي كتبها الجنرال روميو دالير (كان آنذاك قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في رواندا) خير معبّر لمّا حدث عقب ذلك، فقد ذكر: "في غضون مئة يوم فقط، قُتل بوحشية أكثر من 800 ألف شخص بريء من رجال رواندا ونسائها وأولادها، في حين اكتفى العالم المتطور، الذي بدا هادئاً وغير مكترث، بالوقوف مكتوف اليدين ومراقبة فصول هذه الكارثة".

تحمل مذكرات الجنرال دالير المؤثرة عن تلك الأيام المئة المضرجة بالدماء،Shake Hands with the Devil (مصافحة الشيطان)، درساً ينطبق على كل الأوقات والأزمان، فيقدّم هذا الجندي الكندي المميز تقييماً محترِفاً أكّد فيه أن 4 آلاف جندي مدرّب يحصلون على تفويض يسمح لهم باستخدام القوة لحماية المدنيين كانوا سينجحون في وقف الإبادة الجماعية تلك، ولكن في ظل غياب هذا العدد الصغير من الجنود، لقي نحو 800 ألف حتفهم.

لمَ كانت هذه القوة الصغيرة ستكفي لمنع مجزرة مماثلة؟ يحمل الجواب شقَّين. أولاً، لا تُعتبر رواندا دولة شاسعة ولا تكثر فيها المناطق غير المأهولة، حيث يستطيع الإرهابيون الاختباء. على العكس، تكتظ هذه الدولة بالسكان وتفوق مساحتها مساحة منطقة ويلز بقليل، كذلك يتمتع هذا البلد بشبكة جيدة من الطرقات المعبدة.

ثانياً، اعتاد رجال عصابات "إنتراهموي" (أي "الذين يقتلون معاً")، الذين تلطخت أيديهم بالدماء، تنفيذ مجازرهم، مكتفين باستخدام السواطير؛ لذلك كانوا سيعجزون عن مقاومة جنود فعليين يملكون الرغبة والاستعداد لوقف أعمال القتل الجماعي باستخدام القوة، فكم يستطيع هؤلاء المجرمون الصمود في وجه هجمات كتيبة مشاة بريطانية أو أميركية؟

لا يقتصر ما يعلق في أذهاننا عن تلك الإبادة الجماعية على مقدار الفظائع التي ارتُكبت، بل يشمل أيضاً واقع أن كان من الممكن الحؤول دون وقوع هذه الكارثة.

رغم ذلك، ما زلنا نعجز عن تقبّل الإهمال واللامبالاة اللذين يسمحان بحدوث كارثة ما. فقبل ثلاثة أشهر من بدء الإبادة الجماعية، أعلم مخبر من داخل نظام الهوتو المتطرف الجنرال دالير بما سيحدث بالتحديد، فقد أُعدت اللوائح بأسماء التوتسي الذين سيُقتلون. فضلاً عن ذلك، كانت الميليشيات تجند الأنصار، في حين بدأت عملية تخزين السلاح في أربعة مواقع في العاصمة كيغالي.

مرر الجنرال دالير هذه المعلومات إلى المسؤولين عنه في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وطلب الإذن بالقيام بما هو ضروري ووضع يده على مخازن الأسلحة، لكن كوفي أنان، الذي كان آنذاك رئيس قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، رفض هذا الاقتراح مخافة الإساءة إلى الحكومة الرواندية. ومن الصعب معرفة كيف تمكن أنان استعادة سمعته الحسنة بعد هذا التردد المخزي في عام 1994.

عندما بدأت المجزرة، ما كان الجنرال دالير يملك أكثر من 2500 جندي، وقد أُمر بعدم إطلاق النار، إلا إذا تعرضت قواته لإطلاق نار، وعلى غرار الكثير من قادة قوات الأمم المتحدة، شعر أن لا جدوى من جنوده، فقد شملوا 1100 بنغلادشي تملكهم الخوف والذعر، حتى إنهم عمدوا إلى تخريب آلياتهم ليتفادوا القيام بدوريات، وعندما لقي 10 جنود بلجيكيين ذات يوم حتفهم في إحدى المجازر، جاء رد فعل بروكسل مطابقاً لما أمله القتلة، فقد سحبت كامل قوتها البالغ عددها 450 جندياً.

علاوة على ذلك، قرر مجلس الأمن خفض عدد جنود دالير أكثر بعد، ولم يتبقَّ له سوى 450 جندياً خلال ذروة الإبادة، فشعر بالعجز والضعف، وكانت تلك "الأعين الحمراء الخائفة" لمن يتعرضون للذبح من حوله يوماً بعد يوم تعذبه. لذلك عندما تتردد مع هذه الذكرى أنشودة "لن تتكرر مطلقاً" المعهودة، نتذكر ما يعنيه ذلك، فيجب أن يعني، وفق التحاليل الأخيرة، استعداداً للتدخل واستخدام القوة للحؤول دون وقوع المآسي، كذلك يشير هذا الواقع إلى أن هذه المهمة لن تنجح إلا إذا نفذتها جيوش.

لكن الحوادث التي تلت كارثة رواندا تشمل الجيد والسيئ، فقد أظهرت التطورات الأخيرة أن من الممكن لعدد محدود من الجنود المدربين جيداً أن يؤثروا إيجاباً في الأزمات الإفريقية. على سبيل المثال، بعد مرور ست سنوات على الإبادة في رواندا، نجح أقل من 800 جندي بريطاني في إنقاذ عاصمة سيراليون، فريتاون، من قبضة ثوار متوحشين، وهكذا نجحوا في تبديل مجرى التاريخ في بلد يضم خمسة ملايين نسمة.

وفي السنة الماضية، تمكنت قوة فرنسية تتألف من 4500 جندي فقط من كسر هيمنة تنظيم "القاعدة" على مالي، ولولا هذا التدخل الذي أتى في الوقت المناسب، لسقط هذا البلد الذي يعد نحو 15 مليون نسمة في قبضة حركة إرهابية.

في الكونغو، جارة رواندا حيث التجأت الميليشيات المسؤولة عن الإبادة، تلقت فرقة تابعة للأمم المتحدة تتألف من 3 آلاف جندي الإذن بالمشاركة في القتال السنة الماضية، وهكذا قضت على ثوار "إم 23" كقوة قتالية، بعد أن هجّروا مئات الآلاف.

أما الأخبار السيئة فتشمل الاقتطاعات الغربية في مجال الدفاع التي تعني تراجع عدد الجنود المتوافرين للاضطلاع بمهمات أساسية مماثلة. عندما نتحدث عن مساعدة إفريقيا، لا نقصد بذلك إرسال المساعدات فحسب، بل يجب، إن كنّا جادين حقاً في ترديد عبارة "لن تتكرر مطلقاً" في رواندا، أن نعرب عن استعداد لاستخدام القوة لمنع عمليات القتل الجماعي، ففي ظروف مماثلة، لا يوازي كل عمال الإغاثة ومستشاري التنمية في العالم كتيبة واحدة من جنود المشاة المدربين جيداً أهمية.

* ديفيد بلير

back to top