«سنة تانية أمومة»‎

نشر في 07-06-2014
آخر تحديث 07-06-2014 | 00:01
 د. نجوى الشافعي أكمل ولدي الحبيب عامه الأول منذ أيام، واحتفل هو بذلك بأن خطا لأول مرة بمفرده خطوات واسعة متدحرجة، خفق قلبي وكدت أطير فرحاً وأنا أراه متجولا في الصالة محاولاً الوصول إلى باب الشقة للطرق عليه؛ أسرعت بالاتصال بوالده لأخبره وليشاركني ابتهاجي ويحضر له هديته الخاصة بعيد ميلاده الأول، ذهبت إلى المطبخ وأعددت رضعة الحليب ومعها قطعة الجبن التي تعود أن يتناولها مع الحليب؛ رفعته إليّ وقبلته وأجلسته على حجري وبدأت إرضاعه فإذا به يلفظه، حايلته ليتناول قطعة الجبن فرفضها، قلقت عليه فهو لم يتناول شيئاً منذ ليلة الأمس لكنه نشيط يدعوني لمداعبته واللعب معه، انتظرت فترة طويلة وكررت المحاولة فإذا به يجاملني ويتناول نصف كميته المعتادة من الحليب وراح يجوب المكان زحفاً تارة ومشياً تارة أخرى متئداً فرحا بخطواته الأولى، ويبدو أنه انشغل بهذه القدرة الجديدة على الحركة دون مساعدة.  تكررت معاناتي معه في إرضاعه الحليب ومناولته وجباته المعتادة صباحاً وعصراً ومساءً، والتي كانت منتظمة انتظاما كدت أحسد نفسي عليه، ويبدو أنه قد حصل ذلك بالفعل، أخبرت والده بأنه لابد من استشارة الطبيب؛ يحزنني بل يعصر قلبي قلة وجباته ورفضه كميته المعتادة من الحليب، وأحياناً أبكي وأنا أسكب رضعاته في الحوض لا حزناً عليها ولكن خوفاً من أن يصيب ابني مكروه من جراء عدم تغذيته بالكميات المطلوبة والسابقة؛ أصبح يقنع من الطعام بالقليل وأصبح أكثر إقبالا على اللعب والعبث بكل شيء تطوله يداه، يحتاجني أن أراقبه ليل نهار وصار أمر إطعامه مثار قلقي وحزني وزجري له وشجاري مع والده.

عيادة الطبيب مزدحمة ودوري ما زال بعيداً، حملت طفلي وحرصت على عدم مخالطته الأطفال الآخرين المرضى خشية أن ينتقل إليه مكروه بالعدوى، فهو ليس مريضاً لكنه فقط فاقد شهية الطعام؛ راقبت حركة العيادة بين دخول وخروج وبين الحين والآخر يرتفع صوت طفل بالبكاء من الداخل وغالبا لحظة فحصه؛ داخلني هاجس أن يتألم طفلي من فعل مثل هذا، فضممته إلى صدري وقبلته وكأنني أعتذر له مقدماً؛ طال الانتظار ووجدتني أشرد مع بعض الجالسين أمامي صامتين أو منشغلين بحديث بعضهم إلى بعض؛ عجيب أمر هذا الإنسان فهو كائن اجتماعي يميل إلى التعارف بفطرته حتى لو كان ذلك في عيادة الطبيب، انتبهت إلى صوت ينادي اسم ابني فأسرعت بالدخول، وبعد مبادلة التحية مع الطبيب شرعت أبين شكواي وأسهب فى وصف معاناتي وحيرتي وقلقي على طفلي الحبيب بجزع أذهل الطبيب الذي صمت وأنصت، ولم يقاطعني مشكوراً حتى توقفت عن الكلام، ثم بدأ حديثه بصوت هادئ وكلمات مطمئنة وسألني وهو يبتسم؛ كم عمر ولدك؟ فأجبت أتم عامه الأول منذ ثلاثة أسابيع، فرد قائلاً: تمام هو ذاك وأخذ يبين لي كيف أن الأطفال عادة ما تقل شهيتهم عند وصولهم إلى المحطة الأولى من العمر (المديد بإذن الله كما قال) بدرجة ملحوظة تزعج الأمهات خاصة، أو من يقوم برعاية الطفل، ثم أطلعني على منحنى لسرعة النمو يفسر على حد تعبيره عدم إقبالهم على الطعام بنفس شهية العام الأول، حيث تتناقص سرعة النمو فسيولوجيا بشكل لافت للنظر، وبالمقابل تقل الحاجة إلى الكميات المعتادة من الحليب والطعام؛ شرح لي السبب ببساطة شديدة شكرته عليها، ثم أضاف أن الطفل في العام الثاني من العمر يزداد اهتمامه بكل ما يحيط به فينشغل بمحاولة اكتشافه والتعرف عليه، فيقال على هذا العمر "سن اكتشاف البيئة"؛ مما يجعل أمر تغذيته أمراً مرهقاً للأم، ولكنها إذا تفهمت هذه المرحلة جيداً تستطيع أن تهدأ وتسمح له بتنمية مهاراته وقدراته دون قلق أو تدخل، وقبل أن أنصرف قال لي: امنحي طفلك الفرصة لإطعام نفسه بنفسه فهو يسعد بذلك وحريص عليه، اهتمي بالخروج معه إلى الحدائق العامة والمنتزهات لتتوسع مداركه وخبراته ويطلع على عالم آخر أوسع وأرحب من الحجرة والمنزل، اسمحي له بمخالطة أطفال آخرين فتساعديه على التواصل وتلبي رغبته في اللعب الجماعي، وخلال هذا النشاط وذاك يمكن أن تتحسن شهيته خاصة إذا شاهد أطفالا آخرين يتناولون طعامهم.

حملت محبوبي وقد اطمأن قلبي لحالته، وعدت أدراجي للمنزل وأنا أتأمل عينيه البريئتين ولسان حالهما يقول لي "أعطني حريتي أطلقي يديّ إنني أتبع هدى ربي فلا تثقلي عليّ"

***

كل عام و"الجريدة" بخير وسعادة، وكل عام وكوكبها لامع متألق في سماء الإعلام والصحافة، وكل عام وهي محاطة بحب قارئيها ورضا محرريها وكتابها عن أنفسهم وعنها، وكل عام وبلدها الشقيق الكويت في سلام ورفعة واستقرار.

back to top