مانديلا رمز الإنسانية

نشر في 10-12-2013
آخر تحديث 10-12-2013 | 00:01
 د. أسيل العوضي من منا يستطيع أن يجمع بين صفات القائد السياسي الناجح وصفات الإنسان المفعم بالأخلاق. من منا يستطع الخوض في معترك السياسة ويستمر فيه طوال عمره دون أن تتلطخ مبادئه وتهتز قيمه الأخلاقية. من منا يفهم معنى الحرية والكرامة كي يعيش لأجلها. من منا يمتلك القدرة على التسامي فوق انتهاك كرامته وسلب حقوقه لأجل غد أفضل لشعبه. من منا يستطيع أن يقضي ٢٧ عاماً في السجن ليخرج منه أكثر تسامحاً وحباً. من منا يستطيع أن يسامح عندما يمتلك السلطة للانتقام. من منا يملك القدرة على أن يمد يده لسجانه لأنه يؤمن بأن الصفح عند المقدرة هي من شيم الإنسان الفاضل. من منا يستطيع أن يحول مشاعر الغضب والأسى إلى وقود سلمي لنشر المحبة والتسامح. من منا يتنازل عن السلطة بعد خمس سنوات فقط كي يضرب مثالاً لأهمية التداول السلمي لها. من منا يستطيع أن يكون نيلسون مانديلا؟  

صفات غير عادية ورجل غير عادي، إنه السياسي الإنسان وقلة فقط من السياسيين على مر التاريخ هم من يستطيعون التسامي فوق مجتمعاتهم ليكونوا رموزاً تمثل المجتمع الإنساني برمته. إن ما يكتب الآن في رثاء مانديلا حول العالم أجمع يعكس المكانة التي يحتلها هذا الإنسان في قلوب الناس على اختلاف مشاربهم.

أهم ما يميز مانديلا بالنسبة لي هو ليس فقط نضاله ضد التمييز العنصري ومن أجل الحرية، ففي هذا النضال يشترك معه الكثير. إن ما يميزه هو كم المشاعر الإيجابية والحب والتسامح الذي رافقه في ذلك النضال، وتلك هي المعادلة الأصعب. فقد دافع مانديلا عن كرامته وكرامة شعبه دون أن يستخدم لغة الحقد والكراهية، دون أن يسيء أو يتطاول على أحد لا بالقول ولا بالفعل. فقد استخدم مانديلا خطاباً يجمع ولا يفرق، وحاول إقناع البيض والسود في مجتمعه على أنهم شركاء ولا يستقيم مجتمعهم بإقصاء طرف وإعلاء طرف آخر. لم يلجأ إلى سياسة الانتقام عندما تولى مقاليد الحكم، بل مد يديه لسجانه، كما بدا يمازح النائب العام الذي تسبب في ضياع ٢٧ عاماً من عمره قضاها بانتهاكات نفسية وبدنية بعيداً عن أهله ومحبيه. وفي إحدى مقولاته الشهيرة يؤكد مانديلا أن الانسان لا يمكن أن يكون حراً إذا لم يستطع التحرر من غضبه أولاً. 

ومنا إلى جماعة الصراخ على قدر الألم، ولكل من حقد وكره وصنف وحارب الآخرين فقط لاختلافهم السياسي معه، ولكل من انتقم من شعبه وبلده لفقدانه كرسياً أو منفعة شخصية، ولكل غاضب مشبع بالسلبية، ولكل عاطل يشغل وقت فراغه بالتصيد والهجوم على الآخرين، لكم ولنا جميعا في سيرة مانديلا عظة وعبرة. 

اللهم ارحم نيلسون مانديلا، وألهم سياسيينا حكمته، وحلمه، وابتسامته، وهدوء أعصابه، ومشاعره الإيجابية، وتقبله للآخر، وتسامحه مع أعدائه، وثباته على مبادئه، وعدم التصاقه بالكرسي. 

back to top