سياسة أوباما الخارجية تخلو من القيم

نشر في 04-06-2014 | 00:01
آخر تحديث 04-06-2014 | 00:01
 فريد حيات في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة يجب أن تفكر في إطلاق تحرك عسكري أحادي الجانب حين يتعرض البلد أو حلفاؤه لتهديد مباشر.

سيكون موقفه كفيلاً بنسف عقود من السياسة الخارجية المدعومة من الحزبَين... ورؤية أوباما الخاصة منذ عشرة أشهر فقط!

ما الذي يفسر هذا التحول في المواقف؟ لدي نظريتي الخاصة عن هذا الموضوع. لكن أولاً، يجب أن نراجع مسار تطور آرائه.

في خطاب "ويست بوينت" يوم الأربعاء، قال الرئيس إن "الولايات المتحدة ستستعمل القوة العسكرية، بشكل أحادي الجانب عند الاقتضاء، حين تفرض علينا مصالحنا الجوهرية ذلك، أي حين يتعرض شعبنا للتهديد، وحين تصبح معيشتنا على المحك، وحين يصبح أمن حلفائنا في خطر".

لكنه أضاف: "عندما تندلع الأزمات التي تحرك ضميرنا أو تدفع العالم في اتجاه أكثر خطورة، لكن من دون أن تهددنا مباشرةً... يجب ألا نتحرك وحدنا. بل يجب أن نحشد حلفاءنا وشركاءنا لتنفيذ تحرك جماعي".

بشكل عام، يبحث الرؤساء عن حلفاء لهم للاستفادة من تدخلهم الخارجي. لكن لا شك في أن الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة لن تتمكن من التحرك وحدها لوقف إبادة جماعية مثلاً ستفاجئ الرؤساء السابقين. كتب بيل كلينتون في مذكراته عام 2004 أن "الامتناع عن محاولة وقف مآسي رواندا هو من أكثر الأمور التي أندم عليها خلال عهدي الرئاسي". قامت سوزان رايس، التي أصبحت الآن مستشارة أوباما في مجال الأمن القومي، بِحَثّ الرئيس بوش عام 2006 على قصف السودان لإنقاذ شعب دارفور، مع أو من دون موافقة الأمم المتحدة. هل كان ذلك القرار ينتهك القانون الدولي؟ أجابت رايس عن هذا السؤال في افتتاحية صحيفة بوست بمشاركة مستشار الأمن القومي في عهد كلينتون، أنتوني لايك، وكاتب آخر، فكتبت: "ربما، لكنه سيتماشى مع معيار دولي جديد يعكس معنى مسؤولية الحماية".

وفي شهر أغسطس، بعد أن استعمل بشار الأسد الغاز ضد 1400 مواطن سوري فتسمموا حتى الموت، حث أوباما الكونغرس على السماح باستعمال القوة بشكل أحادي الجانب. قال الرئيس: "لا مانع لدي في التحرك من دون موافقة مجلس الأمن".

هو اعتبر أن التحدي المطروح يدخل في خانة الأمن القومي، لكن ليس بسبب تعرّض الولايات المتحدة أو حلفائها للهجوم. بل إنها الأزمة التي حرّكت ضميرنا ودفعت العالم في اتجاه أكثر خطورة.

سأل أوباما: "ما الرسالة التي نريد توجيهها إذا تمكّن دكتاتور من استعمال الغاز لتسميم مئات الأولاد حتى الموت على مرأى من الجميع، ومن دون أن يدفع الثمن؟ لا يمكن أن نربّي أولادنا في عالم لا نحقق فيه وعودنا ولا نلتزم بالاتفاقيات التي نوقّع عليها أو بالقيم التي تحدد ما نحن عليه".

أدى التهديد بالقصف إلى إقناع الأسد بتسليم ترسانته الكيماوية. وبعد عشرة أشهر، تم تسليم معظم أسلحته المعلنة، على الأقل، ليتم تدميرها. يدعي أوباما أن تلك النتيجة كانت إنجازاً مهماً. لكنه يرفض الآن المنطق الذي سمح بتحقيق ذلك الإنجاز، أي المبدأ القائل إن الولايات المتحدة قد تهدد باستعمال القوة لحماية "القيم التي تحدد ما نحن عليه". لماذا؟

إليكم أحد الاحتمالات التي تفسر هذا الموقف. بغض النظر عن نسبة نجاح صفقة الأسلحة الكيماوية (يسود جدل الآن حول إقدام الأسد على رمي قنابل غاز الكلور غير المعلنة)، تعكس سياسة أوباما العامة في الملف السوري فشلاً ذريعاً. حين رفض طوال ثلاث سنوات النصائح بمساعدة المعارضة المعتدلة التي تواجه الأسد، كان البلد يتفكك: قُتل أكثر من 50 ألف مدني وتعرض المئات للتعذيب المنهجي، وتم تهجير الملايين. يسيطر الإرهابيون التابعون لتنظيم القاعدة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، حيث يتدرب المجاهدون الأميركيون والأوروبيون على مهاجمة بلدانهم الأصلية.

أصبحت سورية، كما قالت سفيرة أوباما لدى الأمم المتحدة سامنثا باور، "الأزمة الإنسانية الأكثر كارثية خلال جيل من الزمن".

يصعب على أوباما أن يتقبل هذا الواقع طبعاً. مع تدهور الوضع، راح يطرح حججاً عدة لتبرير صوابية السياسة الانعزالية، وقد بدأ يعيد صياغة العقيدة الأميركية لشرح ما يجعل التدخل مستحيلاً.

خلال خطاب أمام الجمعية العامة في شهر أكتوبر، حصر أوباما "المصالح الأميركية الجوهرية" في الشرق الأوسط بالدفاع عن الحلفاء، ومحاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وحماية التدفق الحر للطاقة. هو اعتبر أن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتجارة الحرة هي عوامل مهمة لكن غير جوهرية، و"نادراً" ما يمكن تحقيقها عبر التحرك الأحادي الجانب.

في الأسبوع الماضي، عاد وحصر مصالح البلد الجوهرية وأغلق الفسحة الضيقة التي كان قد تركها للتحرك دفاعاً عن القيم، فحذف كلمة "نادراً".

أشك في أن يرغب أوباما في الوصول إلى هذه المرحلة في نهاية المطاف. لا يمكن أن تصمد السياسة الخارجية التي تخلو من القيم بالنسبة إلى معظم الأميركيين. وإذا واجه الرئيس أزمة إنسانية أخرى خلال الأشهر الثلاثين المقبلة أشك في أن تصمد بالنسبة إليه أيضاً.

من المتوقع حينها أن يقتنع بالحجج الآتية: "تحدث أمور مريعة على الطرف الآخر من العالم، لكننا غير مخولين تصحيح جميع الأخطاء. لكن حين نستطيع، بحد أدنى من الجهود والمخاطر، منع موت الأولاد بالغاز، وبالتالي توفير هامش أوسع من الأمان للأولاد على المدى الطويل، يجب أن نتحرك بحسب رأيي. هذا ما يجعل الولايات المتحدة مختلفة عن غيرها. وهذا ما يجعلنا استثنائيين. مع القليل من التواضع والكثير من التصميم، دعونا لا نغفل عن هذه الحقيقة الأساسية".

* (واشنطن بوست)

back to top