على إسرائيل أن تستغل الفرص المتاحة

نشر في 06-01-2014
آخر تحديث 06-01-2014 | 00:01
يدرك الرئيس أوباما الرابط بين القضيتين الفلسطينية والإيرانية؛ ولهذا السبب أعلن في خطابه في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر أن «جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية ستنصب على مسألتين محددتين: سعي إيران إلى تطوير أسلحة نووية والصراع العربي-الإسرائيلي».
 نيويورك تايمز لا شك أن التقدّم نحو تحقيق السلام الإسرائيلي- الفلسطيني سيساهم في الحد من طموحات إيران العسكرية النووية، وسيساهم هذان التطوران كلاهما في تحسين أمن إسرائيل، إلا أن كبار المسؤولين الإسرائيليين لا يبدون مقتنعين بذلك.

من اللافت للنظر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يتنبّه لهذا الرابط، فقد دان الصفقة الإيرانية التي وُقِّعت في جنيف، وكان لغضبه حيال هذا الاتفاق تأثير سلبي في مناقشاته الأخيرة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشأن المحادثات الفلسطينية، وفق التقارير الصحافية الإسرائيلية.

كان لإصرار نتنياهو على اعتبار إيران خطراً والدعوة إلى عقوبات أكثر تشدداً بعض التأثيرات الإيجابية، فقد دفع هذا الإصرار بمرور الوقت إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات وهي بموقف أضعف، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي محقّاً عندما عزز الشكوك حول القيادة الإيرانية الجديدة. فتبقى إيران، إلى أن يثبت العكس، خطراً يهدد المنطقة لأنها تجمع بين التطرف الديني، السعي للسيطرة الإقليمية، والرغبة في تطوير ترسانة استراتيجية.

لكن نتنياهو مخطئ كل الخطأ في عجزه عن فهم أن درب التعامل مع طهران يمر عبر رام الله، وأن الوقت بدأ ينفد، لا لوقف برنامج إيران العسكري النووية فحسب، بل أيضاً لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. علاوة على ذلك، أخفق نتنياهو في إدراك أن الحفاظ على الوضع القائم في القضية الفلسطينية يشكّل عقبةً كبيرة أمام إحراز التقدّم في المسألة الإيرانية.

على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يقر بأن الشرق الأوسط يتبدّل بسرعة، وأن هذه التغييرات تتيح أمامه فرصاً جديدة. يشكّل الشرق الأوسط اليوم مجموعة معقدة من الصراعات: بين الحضارات وداخلها، بين العملانية والتطرف، وبين السنّة والشيعة، بالإضافة إلى ذلك، شهدت علاقة القوة بين القيادة والشارع العربي تبدّلاً جذريّاً: بات القادة ضعفاء، والشارع العربي هو مَن يفرض راهنًا الكثير من القرارات السياسية.

تعرب الدول السنيّة في الشرق الأوسط والخليج العربي عن قلقها حيال إيران والمدّ الشيعي، والإرهاب والتطرف السياسي، وحصول أي دولة أو حركة تسعى إلى الهيمنة إقليميّاً على أسلحة نووية، ولا شك أن هذه المخاوف الواسعة الانتشار تشكّل فرصةً لتأسيس ائتلاف إقليمي غير معلَن تقوده المملكة العربية السعودية وتركيا وينسق أعماله سرّاً مع الولايات المتحدة. فبإمكان هذه الشراكة العملية أن تتصدى لإيران، وتعرقل محور إيران-سورية-حزب الله، وتصوغ مستقبل سورية، وتعيد تعزيز النفوذ الأميركي في المنطقة. ويمكن أن تشكّل دول الخليج والأردن جزءاً من ائتلاف مماثل، كذلك يُحتمل أن تنضم إليه مصر، التي تتخبط اليوم وسط مشاكلها الداخلية، أو لن تعارضه على الأقل.

لكن من المستبعد تحقيق شراكة واسعة مماثلة من دون إحراز تقدّم ملموس في المسار الإسرائيلي-الفلسطيني. صحيح أن القضية الفلسطينية تبدو هامشية مقارنة بالصراعات الأخرى في المنطقة، إلا أن العرب ما زالوا يعتبرونها نقطة خلاف رئيسة مع الغرب والسبب الأساس لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ويشكّل أي تقدّم في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أو غيابه في نظر الشارع العربي مقياساً للنفوذ الأميركي.

بلغت المحادثات اليوم حائطاً مسدوداً. لذلك من الملحّ أن نسعى إلى التوصل إلى وسيلة جديدة لتحقيق تقدّم ملموس في المسار الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال أساليب أخرى، ممهدين الطريق أمام تطبيق حل إقامة دولتين في المستقبل.

لذلك على إسرائيل أن تتخذ، بالتزامن مع المفاوضات، خطوات مستقلة تحدد أطر واقع إقامة دولتين على الأرض، وعليها أن تعلن ألا مطالب سيادية لها في مناطق تقع شرقي الجدار الأمني الذي بنته في الضفة الغربية. كذلك يجب أن تسن قوانين بشأن عملية إخلاء طوعية وتقديم تعويضات للمستوطنين الذين يعيشون في تلك المناطق. أما مستقبل المستوطنين الذين يقررون البقاء، فيُحدَّد عند توقيع اتفاق الوضع النهائي. وبغية تفادي تكرار إخفاقات انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، يمكن لقوات الدفاع الإسرائيلية أن تحتفظ بسيطرتها على المناطق التي تُخلى طوعاً حتى يتوصل الفريقان إلى اتفاق.

ستتطلب هذه المقاربة من نتنياهو إجراء تعديلات في ائتلافه، وإذا قام بذلك، فسيقسم حزبه على الأرجح، لكنني أعتقد أنه قادر على اتخاذ خطوات مماثلة، أو أن عليه ذلك. وهكذا يتمكن من بناء ائتلاف إقليمي يحد من سعي إيران لتطوير أسلحة إقليمية وبسط هيمنتها على المنطقة، كذلك سيضمن مستقبل إسرائيل كموطن ديمقراطي آمن للشعب اليهودي.

يدرك الرئيس أوباما الرابط بين القضيتين الفلسطينية والإيرانية؛ ولهذا السبب أعلن في خطابه في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر أن "جهود الولايات المتحدة الدبلوماسية ستنصب على مسألتين محددتين: سعي إيران إلى تطوير أسلحة نووية والصراع العربي-الإسرائيلي".

يشكّل كل من هاتين المسألتين خطراً يهدّد وجود إسرائيل، غير أن نتنياهو يواصل رفضه الإقرار بأن الرابط بينهما يمثل الطريقة الفضلى للتعامل معهما كلتيهما؛ لذلك على الإسرائيليين أن ينتخبوا شخصاً آخر يرى الشرق الأوسط والفرص الإسرائيلية على حقيقتهما.

*عامي أيالون الرئيس السابق لوكالة الأمن الإسرائيلية "شاباك" وأحد مؤسسي المنظمة الإسرائيلية غير الحزبية Blue White Future.

back to top