الأميركيون يدركون تراجع مكانة بلادهم

نشر في 09-12-2013
آخر تحديث 09-12-2013 | 00:01
في وقت تصب إدارة أوباما كل اهتمامها على التحديات المحلية، مثل التراجع عن قانون الرعاية القليلة الكلفة، تُظهر دراسة جديدة أجراها معهد بيو للأبحاث أن الكثير من خبراء السياسة الخارجية ينظرون بتشاؤم إلى الولايات المتحدة، ويبدو أن الشعب الأميركي يوافقهم الرأي: تشهد قوة الولايات المتحدة ومكانتها العالميتان تراجعاً.
 سي أن أن شكّلت المناظرة بشأن التراجع الأميركي المزعوم أحد فروع المناظرات السياسية التي دارت خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية السنة الماضية، ولا تزال محوراً بارزاً في التحليلات الحزبية لباحثي السياسة الخارجية اليوم، ولكن في وقت تصب فيه إدارة أوباما كل اهتمامها على التحديات المحلية، مثل التراجع عن قانون الرعاية القليلة الكلفة، تُظهر دراسة جديدة أجراها معهد بيو للأبحاث أن الكثير من خبراء السياسة الخارجية ينظرون بتشاؤم إلى الولايات المتحدة، ويبدو أن الشعب الأميركي يوافقهم الرأي: تشهد قوة الولايات المتحدة ومكانتها العالميتان تراجعاً.

بلغ الدعم العام لالتزام الولايات المتحدة العالمي مستوى متدنيّاً تاريخيّاً في مطلع هذه السنة، إلا أنه ما زال يواصل تراجعه، فيعتقد الشعب الأميركي أن الولايات المتحدة تبذل جهداً أكبر من اللازم لتحاول حل مشاكل العالم، وترغب نسبة متزايدة في أن "تكف الولايات المتحدة عن التدخل في الشؤون الدولية"، وأن تصب كل اهتمامها على المشاكل الداخلية.

تُعتبر هذه المرة الأولى منذ أربعين سنة التي تشير فيها الدراسات إلى أن أغلبية الأميركيين يقولون إن الولايات المتحدة تلعب دوراً أقل أهميةً وقوةً كقائد للعالم، مقارنة بما كانت عليه قبل عقد، وفق استطلاع معهد بيو الأخير بعنوان "مكانة الولايات المتحدة في العالم". تتناول هذه الدراسة، التي تُجرى كل أربع سنوات بالتعاون مع مجلس العلاقات الخارجية، المواقف من السياسة الخارجية، واللافت للنظر أن اعتبار الولايات المتحدة أقل قوةً ازداد بنحو 12 نقطة منذ عام 2009، وتضاعف (من 20% فقط) منذ عام 2004.

تعتبر أكثرية أن الولايات المتحدة تخسر احترامها دوليّاً، فيعتقد أكثر من 70% أن الولايات المتحدة تتمتع باحترام أقل، مقارنة بالسابق، علماً أن هذه النسبة تعادل تقريباً المعدل الذي سجلته استطلاعات الرأي في نهاية الولاية الثانية للرئيس السابق جورج بوش الابن، فقد ارتفع شعور الرأي العام بأن الولايات المتحدة خسرت احترامها بنحو 15 نقطة منذ مطلع 2012.

في المقابل، تنامى الشك العام في التزام الولايات المتحدة الدولي، الشك الذي تجلى بوضوح في دراسة "مكانة الولايات المتحدة في العالم" قبل أربع وثماني سنوات، فيعتبر أكثر من نصف الأميركيين اليوم أن الولايات المتحدة "يجب أن تكفّ عن التدخل دوليّاً، وأن تترك الدول تسوي أمورها بمفردها بأفضل ما تستطيع". ولا تتجاوز نسبة مَن يخالفونهم الرأي الـ38%، مما يُعتبر أكبر تأييد لفكرة أن "على الولايات المتحدة الكفّ عن التدخل" خلال فترة الخمسين سنة التي قيس فيها هذا المعيار.

بعد المواجهة الأميركية الأخيرة مع سورية بسبب برنامج الأسلحة الكيماوية، وتدخُّل حلف شمال الأطلسي في الحرب الأهلية الليبية، والحرب الأميركية الطويلة في أفغانستان والعراق، يعتقد نصف الأميركيين أن الولايات المتحدة تبذل جهداً أكبر من اللازم لحل مشاكل العالم، وعندما طُلب ممن اعتبروا أن الولايات المتحدة تقوم "بالكثير" دوليّاً أن يصفوا بكلماتهم الخاصة أسباب رأيهم هذا، أشار نحو النصف (47%) إلى أن المشاكل في الداخل، بما فيها الاقتصاد، تحتاج إلى المزيد من الانتباه. إذاً، ماذا يقف وراء هذا التبدّل؟ يبدو أن الانتماء الحزبي يشكّل عاملاً كبيراً في نظرة الشعب المتبدلة إلى القوة الأميركية العالمية، فيعتقد نحو ثلاثة أرباع الجمهوريين أن الولايات المتحدة تقوم بدور أقل أهميةً وقوةً، مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات، علماً أن هذه النسبة بلغت 50% قبل أربع سنوات و8% فقط في يوليو عام 2004.

على نحو مماثل، ارتفعت نسبة مَن يعتبرون أن الولايات المتحدة أقل قوةً بين المستقلين سياسيّاً، مسجلةً 55% اليوم بعد أن كانت 24% في عام 2004.

 أما وجهة نظر الديمقراطيين، فلم تتبدل كثيراً خلال هذه الفترة، فيظن ثلثهم فقط في هذه الدراسة الأخيرة أن الولايات المتحدة أقل قوةً اليوم، مما كانت عليه قبل عقد.

لكن اللافت للنظر أن الاختلافات الحزبية لم تتجلَّ بالوضوح عينه في مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة محترمةً دوليّاً. فقد اعتبرت أغلبية الجمهوريين (80%) والمستقلين (74%) والديمقراطيين (56%) أن الولايات المتحدة تحظى باحترام أقل من الأمم الأخرى، مقارنة بالسنوات الماضية؛ كذلك يعتقد أكثر من نصف المستقلين والجمهوريين و46% من الديمقراطيين أن على الولايات المتحدة أن تكفّ عن التدخل دوليّاً، علماً أنه في عام 2002، عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، أراد نحو ربع المستقلين والجمهوريين و40% من الديمقراطيين أن تكّف الولايات المتحدة عن التدخل دولياً.

على نحو مماثل، ينظر خبراء السياسة الخارجية أيضاً نظرة سلبية إلى دور الولايات المتحدة الحالي في العالم.

 فقد أظهرت دراسة مرافقة تناولت أعضاء مجلس العلاقات الخارجية، منظمة محايدة ومؤسسة فكرية متخصصة في السياسة الخارجية الأميركية، أنهم يعتبرون الولايات المتحدة أقل أهمية وقوة كقائد عالمي. فقد عبّر 62% عن وجهة النظر هذه، مقارنة بنحو 44% عام 2009 و25% في مطلع سبتمبر عام 2011 بعيد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.

يشير كل ذلك إلى أن المناظرة بشأن تراجع الولايات المتحدة المفترض ستتواصل على الأرجح في صفحات الصحف والبرامج الحوارية السياسية، فيبدو أن الأميركيين يعتبرون هذا الموضوع مذهلاً ولا يُقاوم، لكن الوقائع تُظهر على ما يبدو أن الشعب الأميركي قد حسم رأيه.

Bruce Stokes

back to top