الإنسحاب من أفغانستان وتداعياته على روسيا والقوقاز

نشر في 06-02-2014
آخر تحديث 06-02-2014 | 00:01
لا تتمتع أفغانستان بثروة نفطية بحد ذاتها، إلا أن موقعها في منطقة غنية بالطاقة يُعتبر حيوياً بسبب تأثيره في أمن مشاريع الطاقة واحتمال أن يتحول هذا البلد إلى محور لتدفق الموارد عبر المنطقة بصفتها دولة تحيط بها اليابسة من كل جانب وتربط أوروبا بآسيا.
 ناشيونال إنترست مع اقتراب موعد الانسحاب النهائي للقوات الأميركية من أفغانستان، ستصوغ مجموعة من التقلبات والمخاطر الأمنية مستقبل هذا البلد والجوار، وبترك مجموعة صغيرة من الجنود الأميركيين وقوات الائتلاف، يتحدى المجتمع الأوروبي-الأطلسي استقرار هذا البلد، الذي سيقع كاملاً على كاهل قوى الأمن الوطنية الأفغانية، ونظراً إلى موقع أفغانستان الجيو-استراتيجي، لا شك أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تأثيرات كبيرة في المنطقة الأوسع في مرحلة ما بعد عام 2014. صحيح أن هذه التأثيرات ستبدو جلية في الدول المجاورة، مثل إيران وباكستان، إلا أن دول المنطقة الأخرى، مثل مناطق جنوب القوقاز، ستشعر بهذه التأثيرات أيضاً، وإن بدرجة أقل.

نلاحظ عند تأمل الخريطة أن الطاقة والأمن من العوامل التي لفتت الانتباه إلى أفغانستان، فتشكل هذه الدولة "برميلا" من موارد الطاقة، خصوصاً أنها محاطة بدول غنية بالطاقة. صحيح أن هذا البلد لا يتمتع بثروة نفطية بحد ذاته، إلا أن موقعه في منطقة غنية بالطاقة يُعتبر حيوياً بسبب تأثيره في أمن مشاريع الطاقة واحتمال أن يتحول هذا البلد إلى محور لتدفق الموارد عبر المنطقة بصفته دولة تحيط بها اليابسة من كل جانب وتربط أوروبا بآسيا، فتقوم مشاريع كثيرة، مثل مشروع "طريق الحرير الجديد" الذي روجت له الولايات المتحدة وعملية إسطنبول التي أيدتها مجموعة "قلب آسيا"، على الاستفادة إلى أقصى حد ممكن من قدرات أفغانستان التجارية التي تربط الأسواق الأوروبية بالآسيوية. يسود الاعتقاد اليوم أن من المستحيل إنشاء دولة أفغانية مستقلة من دون نشر الاستقرار والازدهار في المنطقة، وما زال من الضروري إنجاز الكثير (خصوصا في البنية التنموية) قبل لمس أي نتائج حقيقية، ولكن إذا نجحت هذه المشاريع، فلن تعود بالفائدة الاقتصادية على الأطراف المعنية فحسب، بل ستمنح أفغانستان والمنطقة بأكملها استقراراً سياسياً أكبر، ولا يزال هذا البلد اليوم محوراً لتوزيع المخاطر على العالم، ومنها الإرهاب، والمخدرات، والتهريب والاتجار غير المشروع. ولا شك أن انسحاب عام 2014 سيزيد خطر هذه التحديات ويعزز عدم الاستقرار في أوراسيا. وهذا ما دعاه ريتشارد ويتز من معهد هادسن "العاصفة الأفغانية ما بعد عام 2014".

نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية، شكلت أفغانستان منصة لوجود أميركي أكبر في المنطقة لا يهدف فحسب إلى التخلص من العناصر المتطرفة، التي تشكل خطراً أكبر يهدد الأمن القومي الأميركي، بل أيضاً إلى إدراج أفغانستان ودول المنطقة الأخرى في أجندة تروج لها الولايات المتحدة. وقد شكل هذا بحد ذاته محاولة للحد من دور الصين وروسيا في الشرق الأوسط.

إذا تأملنا في المرحلة السابقة، نرى أن نشاطات العقد الماضي لم تحقق كامل النتائج التي أملتها الولايات المتحدة، وبغض النظر عن عدد الجنود الذين سيبقون بعد انسحاب عام 2014 (هذا إذا لم تُسحب القوات بالكامل) وما سيكون جوهر مهمة الدعم، ستتراجع مكانة الولايات المتحدة كلاعب عالمي ناشط في أرجاء العالم المختلفة، ما يفرض ضغوطاً سياسية على الحركات الموالية للغرب.

يشكل هذا استمراراً منطقياً لسياسة أوباما في المنطقة الأوراسية، سياسة بدأت مع انتهاء خطة بوش لإنشاء نظام رادارات في الجمهورية التشيكية ونظام دفاع صاروخي في بولندا (أداوت لإحاطة الأمم الأوروبية بحاجز واقٍ). فقبيل التصديق على اتفاقية "ستارت" الجديدة، خفض أوباما عدد الرؤوس الحربية الاستراتيجية المنشورة بالحد من عدد الصواريخ الاعتراضية في ألاسكا وكاليفورنيا، علماً أن هذه تشكل خط الدفاع الرئيس في الولايات المتحدة ضد الصواريخ البالستية الطويلة المدى.

علاوة على ذلك، مع اقتراب انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، تعزز السياسة الخارجية الأميركية توجهها نحو منطقة المحيط الهادئ الآسيوي. وبما أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع الاضطلاع بدور أساسي في المنطقة بسبب الأزمة المالية المتواصلة وغيرها من الأزمات، فستتمتع روسيا بتأثير أكبر في تلك المنطقة في حقبة ما بعد 2014. ومع تطور الاتحاد الجمركي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (نظام دفاع جوي موحد)، ستحاول روسيا تعزيز نفوذها من خلال أساليب اقتصادية، وعسكرية، وغيرها.

لكن روسيا قلقة أيضا بشأن الانسحاب الأميركي، بما أن عدم الاستقرار في أفغانستان سينعكس سلباً على حدودها الجنوبية، فرغم عدم ثقة روسيا التاريخية بالولايات المتحدة، تعتبر موسكو الوجود الأميركي في أفغانستان مصلحة سياسية متعددة الأبعاد، ما أتاح لروسيا إبقاء التهديدات الإرهابية بعيدة عن وسط آسيا وحدودها.

سيؤدي هذا الانسحاب إلى تهديد إرهابي ناشط، ومنتشر، وغير متوازٍ. تشير التجربة التاريخية إلى أن الصراعات المسلحة قد تتحول إلى صراع على السلطة في كابول، خصوصاً من مقاتلي "طالبان"، مما قد يؤدي بدوره إلى حرب أهلية أخرى في أفغانستان. ولا تتمتع القيادة الهرمة في وسط آسيا بآليات حديثة لمنع هذه الفوضى المحتملة وإدارتها. كذلك ما من تفاهم واضح بعد حول كيفية تعاطي روسيا مع الوضع الراهن.

من الصعب أن تحل منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" محل حلف شمال الأطلسي، فلن تتمكن هذه المنظمة من تأمين الجنود بمعدلات قريبة حتى مما يقدمه الحلف. علاوة على ذلك، تفتقر منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" إلى التماسك والقدرة على التعاطي مع مسألة بالغة الأهمية إلى هذا الحد؛ لذلك قد يقتصر دورها على الدعم أو العمليات القتالية المحدودة، على غرار ما يقوم به الجنود الأميركيون اليوم. فضلاً عن ذلك، تُعتبر الولايات المتحدة العضو الوحيد في هذه المنظمة الذي يقدم فعلاً الجنود لقوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان؛ لذلك لا تُطرح في هذه المنظمة فكرة أن تحل محل حلف شمال الأطلسي في أفغانستان.

 يستند اللواء هايك كوتانجيان من أرمينيا إلى تجربة بلاده ليقترح بناء أساس فاعل لإطلاق آليات تعاون بين منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" وحلف شمال الأطلسي تركز على تبديد الغموض الذي يلف الانسحاب الوشيك من أفغانستان. ولكن ما زالت هذه المسألة بحاجة إلى توضيح إضافية في المستقبل.

قد نشهد أيضاً تأثيرات غير مباشرة في العلاقات بين منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" وحلف شمال الأطلسي، فقد تنامى نفوذ حلف شمال الأطلسي في المنطقة منذ دخوله أفغانستان، إذ وافقت أرمينيا، وجورجيا، وأذربيجان، وكازاخستان على خطط شراكة فردية مع هذا الحلف. كذلك تمد جمهوريات جنوب القوقاز الثلاث قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان بأعداد متفاوتة من الجنود، في حين تشكل أذربيجان وجورجيا جزءاً من شبكة التوزيع الشمالية، التي تسمح بنقل 40% من الإمدادات الأساسية للجيش على الأرض. وتتعاون معظم هذه الدول مع حلف شمال الأطلسي من خلال عملية أفغانستان؛ نتيجة لذلك، سيؤدي الانسحاب إلى الحد من وجود الحلف في هذه البلدان، علاوة على ذلك، كانت هذه الدول تحاول، بتأمينها الجنود لعملية حلف شمال الأطلسي، موازنة علاقاتها بروسيا (منظمة معاهدة الأمن الجماعي) والصين (منظمة شنغهاي للتعاون). لكن الانسحاب سيلغي مصدر التوازن هذا، ما يزيد اعتماد معظمها على روسيا أو الصين ويفتح المجال أمام جهود التكامل الأوراسي التي تبذلها روسيا.

صحيح أن الانسحاب من أفغانستان عام 2014 لن ينهي الوجود الأميركي والغربي تماما في المنطقة، إلا أننا سنشهد انخفاضا كبيرا في النشاطات، فستسعى الولايات المتحدة على الأرجح إلى إعادة تحديد نفوذها في المنطقة بزيادة اعتمادها على القوة الناعمة. وقد يشمل ذلك دعم التطورات السياسية المحلية التي تعود بالفائدة على الولايات المتحدة، مثل الثورات الملونة.

لكن لاعبين إقليميين سيملؤون الفراغ السياسي-العسكري، وستؤدي منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" دوراً محدوداً في أفغانستان (هذا إن كان لها أي دور)، وسيصبح نجاح "طريق الحرير الجديد" والمشاريع الاقتصادية المماثلة، التي تدعمها الولايات المتحدة، موضع شك. كذلك ستُضطر روسيا واللاعبون الإقليميون الآخرون إلى التخفيف من مخاطر اندلاع صراع محتمل على السلطة في أفغانستان، ومع توقع احتمال تنامي العنف في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب، قد يسعى اللاعبون الجدد وراء تحقيق طموحاتهم الجيو-سياسية بحرية أكبر، مقارنة بالعقد الماضي.

Vahan Dilanyan و Armen Sahakyan

back to top