هل يصعب على أميركا حل المشكلة الأوكرانية؟
تشاطر زبغنيو بريجنسكي مع أغلب وجهات النظر السائدة والمطروحة في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ خصوصاً فكرة «نظرية الدومينو» الديمقراطية، بأن تكامل أوكرانيا مع الغرب سوف يفضي (بطريقة ما) إلى دفع روسيا نحو مسار مماثل.
عقدت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في الأسبوع الماضي جلسة استماع حول "تداعيات الأزمة في أوكرانيا" شملت شهادتين من كبار مسؤولي وزارة الخارجية، وأعقب ذلك شهادة من المستشار الأسبق للأمن القومي زبغينيو بريجنسكي التي أظهرت أن الأمر محبط إلى حد كبير.أبرزت التصريحات الافتتاحية التي صدرت عن مساعدة وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا، فيكتوريا نولاند، ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، توم ميليا، التصريحات القياسية حول "دعم تطلعات كل المواطنين الأوكرانيين"، وتأكيدات أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب الأوكراني في كفاحه من أجل نيل حقوقه الإنسانية الأساسية".وقد مضى ميليا إلى ما هو أبعد من ذلك قائلاً إن الحاجة اقتضت اهتمام اللجنة بقضية أوكرانيا لا يرجع فقط إلى كونها "تقع في وسط أوروبا" بل لأنها أيضاً شريك "ذو قيمة" و"مهم" للولايات المتحدة. وإذا لم يكن ذلك كافياً لإثارة الدهشة فإن الأرقام المالية التي طرحها يجب أن تفضي بالتأكيد الى ذلك.وحسب أقوال ميليا، فمنذ تفكك الاتحاد السوفياتي في ديسمبر من سنة 1991 أنفقت الولايات المتحدة- استخدم ميليا كلمة استثمرت- أكثر من 5 مليارات دولار على شكل مساعدات إلى أوكرانيا، ذهب 815 مليون دولار منها إلى تمويل الديمقراطية وبرامج التبادل. وإضافة إلى ذلك، فإن إدارة أوباما حولت منذ سنة 2009 مبلغ 184 مليون دولار لأجل برامج تهدف إلى دعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان والحوكمة الجيدة وحكم القانون في أوكرانيا.ويبدو أن شهادتي نولاند وميليا معاً ترتكزان على عدد من الافتراضات المثيرة للشك:* المصالح الأميركية الواضحة والمحددة عرضة للخطر في الجدل الجاري حالياً في ساحة "ميدان".* من دون الدعم المالي والمعنوي الأميركي فإن المعارضة لنظام يانوكوفيتش لن تنجح على الأرجح.* تتصرف روسيا بسوء نية من خلال عرضها حزمة إنقاذ على الحكومة الأوكرانية تفوق تلك التي عرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.* يتحدث المحتجون في "ساحة ميدان" باسم الشعب الأوكراني كله، وترغب الأكثرية الساحقة منه في الاندماج في الاتحاد الأوروبي.* سوف تؤثر نتيجة الأزمة الراهنة بشكل مؤكد في مستقبل التنمية في روسيا، وإذا اختارت أوكرانيا مستقبلاً أوروبياً فإن روسيا سوف تفعل ذلك أيضاً... ذات يوم. وقد ترك الجزء المتعلق بالأسئلة والأجوبة القليل من الشكوك في أن هذه الافتراضات يتشاطرها رئيس اللجنة روبرت مينينديز والسيناتور المرموق بوب كروكر وطبعاً السيناتور كريس ميرفي وجون ماكين اللذان عادا أخيراً من زيارة الى العاصمة كييف.كلما قل الحديث عن أسئلة ماكين كلما كان ذلك أفضل، فبعد أن أكد أن أوكرانيا "دولة تريد أن تكون أوروبية وليس روسية"، وأن "الشعب الأوكراني يستغيث طالباً مساعدتنا"، مضى إلى القول، ليس مرة واحدة بل كررها مرتين، إن روسيا تفرض "حظراً" على إمدادات الشوكولاتة الى أوكرانيا. وكان ذلك الحظر على الشوكولاتة هو الذي أثار غضب ماكين على ما يبدو.أما مينينديز وكروكر فقد ركزا بقدر أكبر على الجانب المهم، إذ هدد مينينديز بفرض عقوبات على نظام يانوكوفيتش وكان ميالاً إلى الشك في سبب عدم تقدم إدارة أوباما بشكوى ضد روسيا في منظمة التجارة الدولية. وكان أول ما صدر عن كروكر هو توبيخ وزارة الخارجية الأميركية بسبب عدم إضافة أسماء إضافية إلى "لائحة ماغنيتسكي"- قانون أميركي يضم لائحة أسماء لشخصيات ومسؤولين روس يحظر دخولهم الولايات المتحدة أو استخدامهم للنظام المصرفي الأميركي للاشتباه في ضلوعهم في موت سجين روسي فضح قضايا فساد في روسيا. وقال كروكر إنه كان من المفترض أن تعمل تلك اللائحة "وفقاً للقانون"، لكنه على الرغم من ذلك أوضح أنه يوافق على وجهة نظر الشهود بأن أوكرانيا "دولة مهمة إلى حد كبير جداً" وأن محصلة الأزمة الراهنة "يمكن أن تكون الشيء الذي يرسم السياسة داخل روسيا نفسها".لم تشتمل الجلسة على طرح أي أدلة، سواء في أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ أو في الأجوبة عنها، حول ما إذا كان من الملائم أن تتورط حكومة الولايات المتحدة بقدر أكبر في الحياة السياسية لدولة ذات سيادة تقع في النصف الآخر من الكرة الأرضية. ولم يتم التطرق الى مسألة ما إذا كانت الخيارات المتعلقة بحكومة منتخبة بصورة ديمقراطية إزاء شركائها التجاريين والانتخابات والأمن تمثل قضية ملائمة لتمحص من جانب الولايات المتحدة. وكما لاحظ البروفيسور ستيفن كوهين من برينستون "ليس إجراء ديمقراطيا أن تطيح حكومة منتخبة ديمقراطياً، بل هو عكس ذلك".كما لم يتم الاعتراف من أي نوع بأن أوكرانيا مقسمة بصورة عميقة أو حتى متساوية بين أنصار الغرب في البلاد في المناطق الحضرية مثل كييف ولفيف، وأنصار روسيا في الجنوب والشرق- ناهيك عن حقيقة وجود جذور مشتركة تجمع بين روسيا أوكرانيا وبيلاروسيا ترجع إلى القرن التاسع عشر.تبع زبغنيو بريجنسكي نولاند وميليا وشاطره في أغلب وجهة النظر السائدة والمطروحة في جلسة الاستماع، خصوصاً الفكرة- التي يمكن أن نطلق عليها نظرية الدومينو الديمقراطية- بأن تكامل أوكرانيا مع الغرب سوف يفضي (بطريقة ما) إلى دفع روسيا نحو مسار مماثل. وعلى الرغم من ذلك وفي حين بالغ في تقدير أهمية أوكرانيا الاستراتيجية، لفت بريجنسكي انتباه اللجنة إلى الدروس التي يمكن للغربيين الأوكرانيين تعلمها من تجارب "حركة التضامن" في بولندا في الثمانينيات من القرن الماضي.كانت السمة المميزة لحركة التضامن كونها كانت حركة وطنية للاستقلال ثم أصبحت دستورية". ولذلك وبينما كانت بشكل ما مثل حركة "ساحة ميدان" كان الفارق الرئيسي هو أن المعارضة في بولندا التحمت حول شخصية ليخ فاليسا الشعبية، الذي عمد بشكل تدريجي إلى "إرغام النظام الشيوعي على التفاوض" حول مسار نحو انتخابات حرة وضعت بولندا على الطريق الذي وصلت إليه اليوم: عضو في حلف شمال الأطلسي تتمتع بوضع جيد وصوت رائد في الاتحاد الأوروبي.وهكذا، إذا كان للمعارضة الأوكرانية أن تحقق نجاحاً يستحسن أن ننصحها باتباع نموذج "حركة التضامن" في بولندا– كما يقترح بريجنسكي– وتضع درجة أقل قليلاً من الأمل المنطوي على الرياء البلاغي للطبقة السياسية الأميركية الذي توافر بكثرة في جلسة الأسبوع الماضي.* عمل مستشاراً للجنة الرئاسية الأميركية – الروسية المشتركة في وزارة الخارجية خلال عامي 2011 و2012.