رداً على ما ذهب إليه المستشار شفيق إمام: «الخارجين على القانون»... انتهاك صارخ وسقطة لا تغتفر للاتفاقية الأمنية

نشر في 25-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-02-2014 | 00:01
 فاروق النوري أجيب وأقول إن عبارة "الخارجين على القانون" تعتبر من أكبر السقطات التي وقعت فيها الاتفاقية الأمنية، وتمثل انتهاكا صارخاً للدستور وخرقاً صارخا لأبسط قواعد حقوق الإنسان.

   نشرت جريدة "الجريدة" الغراء في عددها الصادر بتاريخ 18/ 2/ 2014 دراسة للمستشار شفيق إمام حول الاتفاقية الأمنية، وقال من ضمن ما قاله بشأنها إنها لا تتعارض مع الدستور ولا تتضمن تعديلاً لقوانين الدولة، وليست بحاجة إلى إقرار من مجلس الأمة، وطالب بالتالي بسحب مرسوم إحالتها إلى مجلس الأمة، والاكتفاء بمرسوم لصحة صدورها ونفاذها دون الحاجة لصدورها بقانون.

الغطاء القانوني

وإزاء ما تقدم ونظراً لعدم اتفاقي التام مع ما ذهب إليه السيد المستشار، فإنني أجد نفسي مضطراً للرد عليه بالاستناد إلى ما جاء في عنوان الرد، الذي أضيف إليه بأنه قد سبق لي أن وضحت في مقالتي المنشورة في جريدة "القبس" بتاريخ 17/ 2/ 2014، أن الاتفاقية عبارة عن كتلة من الأخطاء القانونية الدولية، وأنه إذا كان القصد من إبرام هذه الاتفاقية هو محاربة ظاهرة الإرهاب الدولي، فإنها لا تصلح بأي شكل من الأشكال أن تكون أداةً قانونية دولية صالحة لمحاربة هذه الظاهرة لمخالفتها للآليات القانونية الدولية المستقرة في مجال مكافحة الإرهاب سواء في إطار الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، أوالمنظمات الدولية العامة وفي الجامعة العربية. وأن هذه الاتفاقيات قد اتخذت من المبدأ الدستوري الجنائي المستقر في ضمير دساتير الدول الديمقراطية القاضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص أساساً لشرعيتها الوطنية والدولية، فهذه الاتفاقيات تنص على جريمة واحدة أو عدة جرائم.

وهي تعتبر متى استوفت الدول الأطراف شرائط العضوية فيها، جرائم مشتركة بين هذه الدول، وجريمة وطنية بالنسبة إلى كل دولة طرف على حدة، ونظراً إلى أن الاتفاقية قد خلت من تلك الأحكام والمبادئ فلا يمكن اعتبارها اتفاقية دولية صالحة لمكافحة الإرهاب، وتكون بذلك قد خالفت الهدف الأساسي من إبرامها، وإذا كان المبدأ الدستوري المذكور أعلاه هو الأساس الشرعي لهذه الاتفاقيات، فإنه كان من المفروض تطبيقه على جميع الأحكام التي نُص عليها في الاتفاقية، وعلى رأسها عبارة "الخارجين على القانون"، فهذه العبارة وردت بصيغة عامة في الاتفاقية دون أن يتم تعريفها أو تحديد المقصود منها، لذلك فإنه لا يصح على الإطلاق النص على هذه العبارة بهذه الصيغة العامة دون أن تسبقها المادة القانونية التي يفترض أن تكون سندها وغطاءها الشرعي السليم في الاتفاقية والمتمثلة بوجوب النص في الاتفاقية على مادة واضحة تتعلق بجريمة "الخروج على القانون"، وذلك أسوة بما هو مقرر ومنصوص عليه سواء في الأنظمة الجزائية الوطنية أو الدولية على حد سواء، وطالما أن نصوص الاتفاقية قد خلت من ذلك الغطاء القانوني المتضمن تحديد تلك الجريمة وتعريفها، فهذا يعد خرقاً خطيراً للدستور وسقطة لا تغتفر بالنسبة إلى الاتفاقية.

مرور الكرام

وبمناسبة الحديث عن الجريمة المذكورة، فأكاد أجزم أن تعريفها وتحديدها يعد ضرباً من ضروب المحال أمام فقهاء وشراح القانون الجنائي لصعوبة تحقيق ذلك.

والأمر لا يتوقف عند هذا الخرق الدستوري بل تجاوزه إلى أبعد من ذلك بانتهاكه أبسط الحقوق والاتفاقيات المقررة للأفراد، فالنص على تلك العبارة وبالصيغة التي وردت فيها من شأنه إفساح المجال للسلطات الحاكمة لممارسة أنواع شتى من انتهاكات حقوق الإنسان، من بينها ملاحقة تلك الفئة من الأشخاص وممارسة صنوف شتى من أشكال التعسف، وغيرها من الممارسات غير المشروعة بحجة خروجهم على القانون. ومما يؤسف له أن هذه العبارة قد فاتت على من اطلع على الاتفاقية ومرت عليهم وعلى جيوش الخبراء والمستشارين مرور الكرام دون أن ينتبهوا إلى خطورة ما جاء فيها.

والجدير بالذكر أن هذه العبارة تتشابه بشكل أو بآخر مع عبارة "الكلاب الضالة" التي كانت تحلو لغير المأسوف عليه القذافي إطلاقها على معارضية وخصومه، وكذلك عبارة "الفئة الضالة" التي دأبنا على سماعها بين فينة وأخرى.

 وفي هذا السياق لو افترضنا وجود توجه لدى بعض الدول أو المنظمات الدولية بتضمين تلك العبارة في أنظمتها الوطنية أو في الاتفاقيات الدولية، فإن الأمر يتطلب، لإضفاء الشرعية عليها، وجوب تعريف "الكلاب الضالة" أو "الفئات الضالة".

وفي المقابل، إذا كانت عبارة "الخارجين على القانون" من شأنها أن تؤدي إلى ما تقدم، إلا أنه ونظراً لورود هذه العبارة بمثل تلك الصيغة العامة، ألا يترتب عليها أي أثر قانوني، وتؤدي إلى غل يد المسؤولين وشلها في الدول الأطراف عند تطبيقها على صعيد الواقع العملي. وهذا يمثل أحد أشكال التخبط والتلخبط والتناقض الرهيب التي وقعت فيها الاتفاقية، والسبب في ذلك يعود وبكل بساطة إلى انعدام القدرات القانونية المؤهلة لصياغة الاتفاقيات الدولية لمن قام بصياغة هذه الاتفاقية.

الاتفاقيات الجماعية

وفي نهاية الحديث عن هذه المسألة، فإنه وفي نفس الوقت الذي أجد فيه أن ما تطرقنا إليه يكفي للرد على ما ذهب إليه المستشار، فإنه نظراً لانطواء دراسته على نقاط احتوت على أخطاء؛ لذلك أجد نفسي مضطراً إلى الخوض في المزيد من الرد، ومن هذه النقاط ما يذهب إليه بخصوص عدم الحاجة إلى إخضاع الاتفاقية لحكم الفقرة (2) من المادة (70) من الدستور، وأن إخضاعها لحكم الفقرة (1) يكفي، وأن الاتفاقية لا تتضمن تعديلاً لقوانين الدولة، وأنها لا تؤثم أفعالاً أو تعاقب عليها، ولم يرد فيها نص واحد يجرم فعلاً من الأفعال.

وفي هذا الصدد، ومع عدم الإخلال بما تطرقنا إليه سلفا بشأن الخرق الدستوري والانتهاك الإنساني، وإذا افترضنا جدلاً صحة ما يذهب إليه المستشار في دراسته، فإنه وفي ما يتعلق بعدم الحاجة إلى إخضاع الاتفاقية لحكم الفقرة (2) من الدستور، فإنه ورداً على ذلك فإن نصوص الاتفاقية نفسها كفيلة بالرد عليه، فهذه النصوص مثقلة بأحكام على قدر كبير من الأهمية والخطورة، فمنها ما يتعلق بالجانب الاستخباراتي ومنها ما يتعلق بالجوانب القضائية كتسليم المتهمين، وبحقوق الأفراد وحرياتهم والحدود الدولية وغيرها من الأحكام المهمة المتعلقة بحقوق السيادة، والمتضمنة تعديل القوانين الوطنية، ومع ذلك وعلى الرغم من احتواء هذه النصوص على مثل تلك الأحكام المهمة، يأتي من يطالب بتجريدها من تلك الأهمية، وإخضاعها لحكم الفقرة (1) آنفة الذكر، ويكتفي لنفاذها صدورها بمرسوم فقط، وأن يتعامل معها ذات المعاملة المقررة للاتفاقيات الإطارية البسيطة كالاتفاقيات الإعلامية والصحية والثقافية والتعليمية والسياحية.

وعلاوة ما تقدم، فإن الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الكويت، والتي احتوت على الأمور السالف بيانها قد صدرت جميعها دون استثناء بقانون وليس بمرسوم، كما أنه وحسب معرفتي المتواضعة في مجال تعامل الكويت مع الاتفاقيات الدولية، فإن هذا التعامل يكاد يقتصر بالنسبة إلى الاتفاقيات التي تخضع للفقرة (1) آنفة الذكر على الاتفاقيات الثنائية البسيطة وفقاً لما تطرقنا إليه أعلاه، أما الاتفاقيات الجماعية، فلا أذكر أن هناك اتفاقيات تم إخضاعها لحكم الفقرة المشار إليها.

الجانب الاستخباراتي

وأود أن أشير هنا في ما يتعلق بالجانب الاستخباراتي إلى أن الدول عادة لا تفضل بالنسبة إلى هذا الجانب اللجوء إلى أسلوب عقد الاتفاقيات بينها، وذلك للطابع السري الذي يكتنف مثل هذا النشاط، فالعمل الاستخباراتي له عالمه الخاص.

ورداً على ما يذهب إليه بخصوص عدم انطواء الاتفاقية على أي حكم يتضمن تعديلاً لقوانين الدولة، فيكفي للرد أن عبارة "الخارجين على القانون" تنطوي على تعديل جوهري لتلك القوانين. فالاتفاقية، ومتى استوفت الدولة إجراءات الارتباط بها تصديقاً أو انضماماً إليها تعد قانوناً وطنياً طبقاً للمادة (70) من الدستور، وتعني هذه العبارة، ومن ضمن ما تعني، إدخال فئة من الأشخاص المخالفين للقانون ضمن الأشخاص المطاردين ممن يتعين ملاحقتهم ومعاقبتهم وغير ذلك من الإجراءات الجزائية التي تتخذ بحقهم، وتطبيق ذلك يستلزم إحداث تغيير في الأنظمة الجزائية والأنظمة الأخرى ذات الصلة.

ورداً على ما يزعم به أن الاتفاقية لا تؤثم أفعالاً معاقبا عليها، فهذا مردود عليه جملة وتفصيلا لمخالفتها الهدف الذي أبرمت من أجله، والمتمثل بمحاربة ظاهرة الإرهاب. وطالما أنها أبرمت لتحقيق مثل هذا الهدف فالضرورة تقتضي، وكما هي الحال بالنسبة إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتلك الظاهرة، وجوب تضمينها نصوصاً قانونية واضحة وصريحة تتعلق بتلك الجرائم، وإلا فقدت الاتفاقية شرعيتها على نحو ما أشرنا إليه. ولكي لا نذهب بعيداً، فإن الاتفاقية المتعلقة بمكافحة الإرهاب المبرمة في نطاق دول مجلس التعاون قد سايرت التوجه الدولي المستقر عليه في هذا المجال، ونصت على الجرائم الإرهابية المعاقب عليها بموجب هذه الاتفاقية.

وفي الختام، فإنني أناشد مخلصاً أن نتقي الله في وطننا، وأن نتأنى ونراعي الدقة في اختيار مستشارينا، وأناشد المسؤولين في الدولة أيضاً عدم عرض الاتفاقية نهائياً على مجلس الأمة كي لا نضحك العالم علينا، ونجعل من أنفسنا عرضة للسخرية والاستهزاء.

* مدير الإدارة القانونية السابق بوزارة الخارجية، ومدير قطاع الشؤون القانونية السابق في الأمانة لعامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية

back to top