ما الشكل الذي قد تتخذه الصفقة النووية مع إيران؟

نشر في 23-10-2013
آخر تحديث 23-10-2013 | 00:01
يبدو أن إيران تميل إلى نموذج كوريا الشمالية الغامض... صحيح أن مسؤوليه يعبرون عن رغبتهم في التعاون، إلا أنهم يواصلون رفض أدلة تبدو «ثابتة» قدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إيران قامت بأعمال نووية عسكرية
 معهد واشنطن مع انطلاق الجولة الأولى من المحادثات النووية مع فريق المفاوضين الإيرانيين الجديد، الذي يعرب عن أسلوب عمل براغماتي غير مألوف، تبدلت المناظرة السياسية في واشنطن من "هل الصفقة ممكنة؟" إلى "أي نوع من الصفقات يُعتبر مقبولاً؟". صحيح أن هذه المناقشات تتمحور عادة حول عدد أجهزة الطرد المركزي ومعدلات التخصيب، ولكن ثمة مساران محددان للتوصل إلى صفقة نووية مع إيران.

يقوم المسار الأول على التخفيف من العقوبات المفروضة على طهران مقابل فرض قيود صارمة على نشاطاتها النووية، مثل حصر تخصيب اليورانيوم بمعدلات منخفضة، لكن نجاح هذا الاتفاق يعتمد على التأكد من أن إيران لا تستطيع استخدام النشاطات النووية التي تعلنها كوسيلة لإخفاء نشاطات سرية هدفها تطوير سلاح نووي. كذلك يقوم هذا المسار على التأكد من ألا مجال للرجوع عن هذه الصفقة بسهولة كي لا تتمكن طهران من التمرد مجدداً، ما إن تتخلص من الضغوط التي تتعرض لها.

ثمة طرق يمكننا اعتمادها تتيح لنا الرجوع عن رفع العقوبات بسهولة أكبر، منها تمرير كل دفعات النفط إلى طهران عبر آلية واحدة يسهل قطعها في حال عدم التزام إيران بالشروط المتوافق عليها. لكن كل هذه الطرق تبقى عرضة للفشل، يستند مدى فاعلية صفقة تقوم على الحد من نسبة التخصيب واستمرارها إلى مدى الشفافية الإيرانية، وكي تكون تدابير الشفافية حقيقية يجب أن تشمل السماح للمفتشين بمراقبة المواقع التي يختارونها بحرية، من دون أن تقتصر مراقبتهم على المواقع التي يعلنها المسؤولون الإيرانيون. كذلك من الضروري أن تضم هذه التدابير جردة شاملة لأعمال إيران النووية السابقة والحالية، بما فيها العناصر العسكرية لبرنامجها النووي، مثل أبحاث التسلح.

يُعتبر كشف كل خبايا هذا البرنامج شرطاً أساسياً لنجاح أي صفقة لا تسلب إيران قدراتها النووية المزدوجة الاستعمال، فقد تمكنت الدول التي كشفت أسرارها النووية، مثل جنوب إفريقيا، من التعاون سلمياً مع المجتمع الدولي بشأن الطاقة الذرية. أما البلدان التي تمسكت بغموضها رغم الاتفاقات، مثل كوريا الشمالية، فاختبرت المزيد من العزلة والتوتر الداخلي.

يبدو أن إيران تميل إلى النموذج الأخير. صحيح أن مسؤوليه يعبرون عن رغبتهم في التعاون، إلا أنهم يواصلون رفض أدلة تبدو "ثابتة" قدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إيران قامت بأعمال نووية عسكرية، فيزعم هؤلاء المسؤولون أن هذه مجرد "ادعاءات لا أساس لها من الصحة"، كذلك تواصل إيران رفض السماح للمفتشين بدخول المواقع النووية المشتبه فيها والتحدث إلى موظفين أساسيين. وتسعى لتحصر نشاطهم ضمن إطار برنامجها النووي المعلن عنه.

نحتاج، حتى في أفضل الظروف، إلى الوقت لنثق بأن إيران تخلت فعلا عن رغبتها في تطوير سلاح نووي. سينظر حلفاؤنا، خصوصاً إسرائيل ودول الخليج العربي، بعين الريبة إلى نوايا إيران، في حين أن هذه الأخيرة ستنفر من تطفل عمليات التفتيش. وإذا لم تقم طهران بتغيير استراتيجي في هذا المجال، فمن المرجح أن يضاعف عقد صفقة تحد من عملية التخصيب التوتر، بدل أن يبدده: فستسعى إيران إلى إخفاء أو إنكار نشاطات تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها أدلة تثبتها. كذلك سيحاول خصوم إيران مضاهاة قدراتها النووية، أما الحلفاء السابقون، مثل روسيا والصين، فسيبتعدون على الأرجح عن الائتلاف الذي تقوده واشنطن راهناً، والذي سيكون الفشل مصيره على الأرجح.

يقودنا استبعاد احتمال أن يبدل القادة الإيرانيون رأيهم إلى مسار ثانٍ مباشر للتوصل إلى اتفاق: الطلب من إيران تفكيك برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، التي ستُشدد في حال رفضت طهران الرضوخ. في هذا النموذج، سيكون على إيران أن تعلق عملية التخصيب ونشاطات إعادة المعالجة المرتبطة بها، كما طالب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كذلك ستُضطر إلى تفكيك منشأة التخصيب تحت الأرض في فوردو وتصدير مخزونها من اليورانيوم المخصب، فضلاً عن عدد من الخطوات الأخرى.

يقوم الاعتراض الرئيس على هذه الصفقة على صعوبة تحقيقها، حتى المفاوضون الأميركيون يصفون هذه المطالب بـ"القصوى"، ولكن من الضروري مقارنة أي صفقة بالبدائل الممكنة، لا التأمل فيها بمفردها. وتبدو البدائل المتوافرة أمام إيران مظلمة، فيتعرض الاقتصاد الإيراني لضغط كبير بسبب العقوبات، وإذا حاولت إيران الإسراع في تطوير سلاح نووي، فقد أعلنت الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما ستوجهان إليها ضربة عسكرية قوية.

وبخلاف الرأي السائد، لا تملك إيران متسعاً من الوقت، ومع مرور كل يوم، يزداد مستقبل اقتصادها قتامة ويتوسع برنامجها النووي. وفي حين أن الخطر الأول يهدد خير إيران، لا يساهم الثاني في تحسينه، أضف إلى ذلك واقع أن عدد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية ومخزونها من اليورانيوم يقربان طهران من "الخطوط الحمراء" الغربية، ما يجعلها أكثر عرضة لضربة عسكرية.

تملك الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في المحادثات النووية: فهي تفاوض من موقع قوي نسبياً، إذ يقدم الغرب لإيران أمراً هي بأمس الحاجة إليه (تخفيف العقبات) مقابل أمر يبدو أنها لا تحتاج إليه كثيراً (التخصيب وإعادة المعالجة)، نظراً إلى إنكارها رغبتها في تطوير سلاح نووي. ومن هذا المنطلق لا تُعتبر هذه المطالب "قصوى".

من الجيد أن تأمل الولايات المتحدة وحلفاؤها بصدق أن تختار إيران مسار الشفافية والتعاون الحقيقيين، ويبدو هجوم روحاني "الساحر" آسراً لأنه يستهدف هذه الآمال بالتحديد، إلا أننا لا نستطيع نحن ولا روحاني على الأرجح إرغام إيران على القيام بهذا التغيير الجذري تلقائياً، ولكن بإمكاننا من خلال التفاوض بحزم والثقة بنفوذنا أن نوضح لطهران البدائل ونرغمها على مواجهة عواقب خياراتها، بدل الهرب منها.

* مايكل سينغ | Michael Singh ، مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

back to top