الشكر... نعمة واستحقاق

نشر في 19-07-2014
آخر تحديث 19-07-2014 | 00:01
 د. نجوى الشافعي "شكراً، مشكور، جزاك الله خيراً"؛ كلمات لغوية رقيقة تبعث على التواصل الإنساني الاجتماعي الراقي، وتدل على حضارة الشعوب وثقافتها إذا حرص أبناؤها على استعمالها في معاملاتهم، فهي كلمات تؤدي حقاً وتحفز على المزيد من التعاون والعطاء وتقبل الآخر، فالشعور بالامتنان لما يُقدم إلى الإنسان من مساعدة أو معونة أو خدمة هو من الإيمان والخلق الرفيع، ويدل على نبل صاحبه.

 وقد جاء في القرآن العظيم أن المولى عزّ وجلّ بعد أن خلق الإنسان وجعله سميعاً بصيراً "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرا وَإِمَّا كَفُورا"، في مساواة بين نعمة الشكر ونعمة الإيمان وبين الجحود والكفر والعياذ بالله، ومن الأقوال المأثورة من لا يشكر العبد لا يشكر الرب.

أسبغ الله نعمه على الإنسان ظاهرة وباطنة، وإن تفاوتت درجاتها بين الناس "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"، فمكونات الطبيعة من شمس وقمر ومياه ورياح وهواء وسماء وقوانين لا تعدّ ولا تحصى للطبيعة، تعزف في انسجام تام وتكامل مذهل مما يمنح الأرض حياة لكل المخلوقات من بشر أو نبات أو حيوان، وإذا نظرنا إلى الإنسان مثلا وجدناه وحده معجزة كل ما فيه ينطق بقدرة الخالق وحكمته وحنانه ورحمته "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ".

فالمتأمل لعمل كل عضو أو جزء بل خلية في هذا الجسد الذي تتناغم أجهزته للقيام بوظائفه المختلفة لا يملك في النهاية إلا أن يصيح سبحان الله؛ حين تكشف مكونات الخلية الإنسانية أسرارها أمام علمائها ينعقد اللسان مذهولاً عما يرى "قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى". يذكرنا القرآن الكريم في أكثر من موضع أن مانح هذه النعم هو الله سبحانه وتعالى، وإن يشأ يذهب بها في أي وقت؛ تشعر حينذاك أن ما تنعم به من سمع وبصر وقلب سليم وكلى تقوم بوظيفتها دون كلل أو ملل داخل الجسم وغيرها... وغيرها، إنما هي نعم جارية، وهكذا الحال لكل شيء مستقر، وجزء صحيح في الجسد وما يملكه الإنسان أو يحيط به، ولم يكن له فضل في الحصول عليه.

 ألا تستوجب هذه النعم الجارية الشكر الجزيل لله عز وجل قولاً وفعلاً بالطاعات، والمحافظة على هذه النعم واستعمالها في كل ما يرضى عنه خالقها ومانحها؟ ألا يستوجب هذا الفضل من الله حسن الامتنان للخالق في السر والعلن والتسبيح بحمده ليل نهار؟ أليس هذا استحقاقا على كل صحيح مُنعّم هانئ في حياته أن يؤديه إلى خالقه، وصدق الله العلي القدير "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ".

back to top