أدلة على ارتكاب جرائم حرب في سورية... بلا محاكمة مرتقبة!
صحيح أن سورية لم تنضم إلى الدول المئة والاثنتين والعشرين التي قبلت بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه من الممكن إحالة مسؤوليها إلى المحكمة الجنائية في لاهاي بتصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
يُعتبر فيض المعلومات، الذي ظهر أخيراً وأكد حدوث عمليات تعذيب وتجويع وإعدام منظمة تنفذها السلطات السورية ضد مساجين، من الأدلة التي يبحث عنها المدعون العامون عندما يسعون إلى توجيه تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المحاكم الدولية، ورغم ذلك، يذكر خبراء قانونيون أنه من المستبعد أن نشهد قريباً محاكمة مماثلة.يوضح ريد برودي، خبير متخصص في العدالة الدولية في منظمة مراقبة حقوق الإنسان: "تُعتبر المحكمة الجنائية الدولية المسار الطبيعي للعدالة في هذه المسألة". أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا عام 2002 بهدف ملاحقة نوع الفظائع ذاته الذي يفصّله التقرير بطريقة بيروقراطية مخيفة، والذي شهدناه خلال محاكمات أخرى لجرائم حرب، مثل محاكمة الضباط النازيين في نورمبيرغ وما بعدها. صحيح أن سورية لم تنضم إلى الدول المئة والاثنتين والعشرين التي قبلت بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه من الممكن إحالة مسؤوليها إلى المحكمة الجنائية في لاهاي بتصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.يذكر برودي: "نعتقد بالتأكيد أن هذا ما يجب أن يحدث، نظراً إلى الأدلة التي تؤكد ارتكاب جرائم خطيرة في سورية، لكن المشكلة تكمن في الرفض الروسي".بما أن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن، فإنها تستطيع استعمال حق النقد لوقف أي خطوة، وبما أنها أحد داعمي الرئيس السوري بشار الأسد، فقد عرقلت مراراً إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد، علماً أنها تشمل فظائع مريعة نُسبت إلى مجموعات مختلفة من الثوار الذين يحاربون الحكومة المركزية، ومن المحاولات الفاشلة للمطالبة بالعدالة رسالة وقعتها 58 دولة قبل نحو سنة تدعو إلى إحالة الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية.علاوة على ذلك، تستطيع روسيا (بالإضافة إلى الصين التي تعارض دوماً مبدأ أن يتعرض سلوك دولة نحو شعبها الخاص لتدقيق خارجي) منع إنشاء محكمة خاصة في الأمم المتحدة تتولى مهمة ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سورية، تماماً كما حدث بعد الحرب في يوغوسلافيا، ورواندا، وسيراليون، وغيرها. ولكن ثمة خيار آخر على الأرجح: بموجب المفهوم القانوني "الولاية القضائية العالمية"، بإمكان المحاكم في أمم أخرى ملاحقة مرتكبي الانتهاكات المريعة في مجال حقوق الإنسان. ففي عام 1998، اعتُقل الجنرال أوغستو بينوشيه في بريطانيا بموجب مذكرة توقيف صادرة في إسبانيا تتهم الحاكم التشيلي السابق بتعذيب مواطنين إسبان خلال عهده. يوضح يوفال شاني، عميد الكلية الحقوق في الجامعة العبرية وخبير في القانون الدولي: "هذه مناورة مستبعدة لأن الكثير من الدول التي تتمتع بولاية قضائية عالمية تفرض شروطاً على إمكان استخدامها".أضف إلى ذلك مسألة قوة الأدلة (نحو 55 ألف صورة تُظهر 11 ألف جثة، أي 10% تقريباً من حصيلة القتلى في كامل الحرب) التي نُشرت أولاً في صحيفة Guardian ثم عبر محطة CNN. فهل تساهم هذه الأدلة في إدانة الأسد أو أي مسؤولين سوريين بارزين آخرين، في حال رُفعت دعوى ضدهم؟يشير برودي، الذي تحدث وهو في طريقه إلى السنغال، حيث سيدعم جهة الادعاء في محكمة حسين حبري الخاصة، بعد أن وُجهت إليه تهم بارتكاب عمليات تعذيب وإعدام منظمة خلال حكمه تشاد: "هذا دليل أفقي لأساس الجريمة، مقارنة بالدليل العمودي الذي يربط كبار المسؤولين بالجريمة. من الواضح أن الأسد لم يقتل أياً من هؤلاء الناس. ولكن في مرحلة ما، تصبح الأمور بالغة التعقيد، مما يصعب تصديق أن القائد لم يكن على علم بما يحدث".بدا شاني أقل ثقة، فلم يشكك هذا الخبير في صحة التقرير، الذي أعده ثلاثة خبراء رفيعو الشأن متخصصون في جرائم الحرب، ولم يثر مسألة تمويله من قطر، دولة خليجية تدعم الثوار في الحرب الأهلية السورية، لكنه يوضح أن المشكلة تكمن في السابقات القانونية خلال المحاكمات الأخيرة، خصوصاً تبرئة جنرالين كرواتيين عام 2012 بعد استئنافهما حكم إدانتهما باستهداف المدنيين الصرب الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا سابقاً.يضيف شاني أن إدانة مسؤولين بارزين بارتكاب جرائم حرب "صعب ويزداد صعوبة". فقد رفعت القضية الكرواتية "المعيار لمحاسبة القادة"، فبعد أن كانوا يُدانون بتهمة الإهمال، صار من الضروري إثبات إدراكهم لجرائم تُرتكب.لم تدن المحكمة الجنائية الدولية أي رئيس دولة حتى اليوم بسبب ارتكابه جرائم حرب، إلا الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، الذي يمضي اليوم عقوبة سجن تصل إلى خمسين سنة، ولكن كما اشتكى الرئيس الكيني الحالي أوهورو كيناتا خلال محاكمته الخاصة، لم تقاضِ المحكمة الجنائية الدولية غير الأفارقة. ويعود ذلك في جزء منه، على ما يبدو، إلى أن الكثير من الدول الإفريقية (33) قبلت بصلاحيات هذه المحكمة. إلا أن شاني يذكر أن ذلك يعكس أيضا "واقعا جغرافيا" يُظهر أن احتمال تمتع الدول الإفريقية بحامٍ في مجلس الأمن أقل احتمالا.