هل تنجح أوكرانيا في تفادي الانقسام؟

نشر في 02-03-2014
آخر تحديث 02-03-2014 | 00:01
إذا كان انقسام أوكرانيا وشيكاً، أليس من الأفضل أن نتحكم في هذه العملية: رسم الحدود سلمياً باستفتاء شعبي لا احتلال عسكري؟ وكل ذلك كي نضمن اعتراف كل كيان بالآخر وحرية انتقال السلع والأشخاص ونتفادى صراعاً مجمداً تنفصل فيه العائلات وينهار الاقتصاد.
 ذي تيليغراف  أتمنى لو أن هذه المسألة بسيطة مثلما هي حكايات الأطفال بين الطيبين والشريرين، أو الطلاب في مواجهة البوليس السري، أو الديمقراطية مقابل الاستبداد. في المراحل الأولى من الانتفاضة (أو ما نسميه مرحلة الربيع العربي)، قللت وسائل الإعلام الغربية، التي كانت تسعى إلى تبسيط الأمور لقرائها، من أهمية التعقيدات. ولكن عندما تسارعت التطورات لاحقاً نحو الأسوأ، يقع القراء في الحيرة.

لا تسيئوا فهمي. كان فيكتور يانوكوفيتش حاكماً سيئاً نفذ أنصاره جرائم لا توصف. لذلك تعاطفتُ مع المتظاهرين عموماً (تبدو تلك الرؤية عن دولة أوكرانية تعددية ذات توجه نحو السوق أفضل بكثير من بلد يرتبط ببوتين)، وأيدتُ أيضاً القضية الخاصة التي أدت إلى اندلاع التظاهرات (لا شك في أن اتفاق التجارة الحرة أفضل من الاتحاد الجمركي لأنه لا يفرض على أوكرانيا قيوداً).

لكن الإطاحة بحاكم مستبد لا يعني أن "كل الأمور جيدة وستسير على خير ما يُرام". فلا تُعتبر هذه المرة الأولى التي يتنحى فيها يانوكوفيتش عن منصبه بسبب التظاهرات في الشارع. قبل عشر سنوات، أرغمته الحشود المتظاهرة في الأماكن ذاتها على التخلي عن منصبه ليختاروا في الانتخابات التالي مرشحهم فيكتور يوشينكو. ولكن تلت ذلك سنوات من الفساد والفشل، وعاد يانوكوفيتش إلى سدة الرئاسة في انتخابات أجمع المراقبون على أنها حرة ونزيهة عام 2010.

تعني كلمة أوكرانيا "الحد" أو "المناطق الحدودية" (تشاركها كرايينا في يوغوسلافيا سابقاً في المصطلح ذاته). ويعتبر القوميون الروس كييف مهد الأمة الروسية، ويعد الأوكرانيون هم الروس الصغار الذين كونواً مع الروس البيض والعظام ما يعرف بروسيا الأم التاريخية، فضلاً عن ذلك يظن الكثير من الروس أن الأوكرانية هي لهجة روسية، وأن الهوية الوطنية الأوكرانية ما هي إلا بدعة من صنع الغزاة البولنديين أولا ومن ثم النمساويين. كذلك يشيرون إلى مشاهير روس عدة من الممكن اعتبارهم بسهولة أوكرانيين، مثل غوغول وتشايكوفسكي وبريجنيف، ويؤكدون أن لا جدوى من هذا التمييز المصطنع.

لكن المواطنين الأوكرانيين يردون على ادعاءات مماثلة بالإشارة إلى نتائج استفتاء عام 1991، حين صوت 92.3 في المئة من الناخبين، بمن فيهم غالبية الأوكرانيين الناطقين بالروسية، لمصلحة الاستقلال. فقد حظي هذا الاستقلال بتأييد الغالبية في كل المناطق، حتى القرم التي كانت تاريخياً جزءاً من روسيا إلى أن أعطاها خروتشوف (روسي آخر ذو روابط أوكرانية) على نحو غريب إلى أوكرانيا عام 1954.

تشكل وجهتا النظر هاتان (الأوكرانيون كشعب تاريخي والأوكرانيون كامتداد للروس) إطار الصراع الحالي. يقر معظم القوميين الروس، وإن بتردد، أن الوعي الوطني الأوكراني واقع ملموس. فقد وافق ألكسندر سولجنيتسين بامتعاض على أن الأوكرانيين الغربيين ابتعدوا بعد فظائع العهد السوفياتي بشكل نهائي عن روسيا. لكنه يصر على أن الحدود رُسمت على نحو عشوائي خلال عهد لينين. ويضيف أن على الأوكرانيين، الذين يتمسكون بالاستقلال على أساس أنهم يتمتعون بهوية وطنية منفصلة، أن يطبقوا هذا المنطق أيضاً على الناطقين بالروسية شرقي نهر دنيبر.

لا شك في أن هذا الانقسام بين حركة "السلافوفيل" الموالية لروسيا والموالين للعرب (إذا استخدمنا المصطلحات الروسية في القرن التاسع عشر) لا يقتصر بالتأكيد على اللغة. فثمة تعقيدات كثيرة: الأوكرانيون الناطقون بالروسية المعارضون لموسكو والأوكرانيون الغربيون الذين يربطون عهد تيموشينكو بالمحسوبية والانحطاط. رغم ذلك، ثمة إشارات قليلة إلى أن هذين الفريقين بدآ يتحدان رغم مرور 13 سنة على الاستقلال.

من الواضح أن نظاما موالياً صراحة لروسيا لا يستطيع أن يحكم كامل البلد. فهذا ما أثبتته بالتأكيد الانتفاضة الأخيرة. ولكن إذا كان "السلافوفيل" عاجزون عن حكم الغرب، فهل ينجح الموالون للغرب في استمالة الشرق؟ يجب أن يكون نمط الحياة الذي يقترحونه أكثر ازدهاراً وجاذبية. ولكن يجب ألا نقلل في هذه المنطقة من أهمية روابط الدم واللغة. كذلك ينبغي ألا نتجاهل واقع أن أوكرانيا تُعتبر أكثر أهمية لموسكو منها لبروكسل. نتيجة لذلك، حشد فلاديمير بوتين قواته عند الحدود. وهل يتخيل أحد أن أي حكومة في الاتحاد الأوروبي (باستثناء بولندا على الأرجح) قد تفكر في توجيه رد عسكري؟

إذا تمكن أحد فريقَي "السلافوفيل" والموالين للغرب من السيطرة على البلد كله، يصبح الانشقاق محتماً على الأرجح. وقد نشهد هذا الانفصال مع تأسيس المجموعات شبه العسكرية مناطق نفوذ خاصة بها. أو قد يحدث نتيجة التدخل الروسي، كما هي الحال في أرمينيا ومولدوفا ولاحقاً أوسيتيا الجنوبية. فمن السهل أن نتخيل القوى الأمنية الروسية تعبر الحدود بطلب من أعوانها في الداخل ولتؤسس دولة أمر واقع موالية لروسيا. صحيح أن جمهورية "عبر الدنيستر" لا تزال قائمة وفاعلة، وإن لم يعترف بها كثيرون، على حدود أوكرانيا الغربية. لكن هل هذه الجمهورية فاعلة شرقها؟

هل يملك حلف شمال الأطلسي "الناتو" الإرادة لمنع تطور مماثل؟ إذا كان الجواب "لا"، فما هي خياراتنا؟ وإذا كان انقسام أوكرانيا وشيكاً، أليس من الأفضل أن نتحكم في هذه العملية: رسم الحدود سلمياً بواسطة استفتاء شعبي لا احتلال عسكري؟ وكل ذلك كي نضمن اعتراف الكيانين أحدهما بالآخر وحرية انتقال السلع والأشخاص ونتفادى صراعاً مجمداً تنفصل فيه العائلات وينهار الاقتصاد. وقد لا تؤدي المفاوضات أيضاً إلى تدمير الدولة الأوكرانية، بل إلى تشكيل كونفدرالية.

بكلمات أخرى، إذا كان الانفصال محتماً، فمن الأفضل بالتأكيد أن يحدث عبر اتفاق متردد بدل حرب وعمليات تطهير إثني. قد أكون مخطئأً بشأن كل ما تقدم، وهذا ما أرجوه. لكن احتمال نشوء انفصال شبيه بما حدث في كوريا مع بقاء الآلاف محتجزين في الجانب الخطأ من خط هدنة روسي مشين يقسم دولة أوروبية ويؤدي إلى مواجهة عسكرية مستمرة بين موسكو والغرب أن يدفعنا إلى البحث عن بدائل.

دانيال هونان

back to top