رشدي أباظة... الرجل الأول: حب وحرمان (5)

نشر في 03-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 03-07-2014 | 00:02
لم يعرف الطفل رشدي أباظة أن الشعور الذي انتابه، والإحساس الجميل الذي تسرب إلى قلبه، أنه الحب، فلم يكن يسعى، أو يقصد الوصول إلى هذا الإحساس بمسماه ومعطياته، بل هو شعور «لذيذ» بالنشوة مختلطاً بالسعادة والانتصار في آن، ينتابه بمجرد أن ينجح في لفت أنظار الجنس الآخر ويجعله مشغولاً به طوال الوقت. فما إن بدأ الاهتمام برياضتي الملاكمة وكمال الأجسام، وظهرت علاماتهما على جسده، حتى بدأ يلفت أنظار الفتيات من بنات الجيران والحي. غير أنه لم يكن الوحيد، بل نافسه في ذلك عدد من الأولاد ممن هم في مثل عمره، ولكن رشدي كان يزيد عليهم بوسامته واعتداده بنفسه واسم عائلته.
 استحوذ الطفل رشدي أباظة مبكراً على قلبين صغيرين رقيقين، الأول في الشرقية لصغيرة من فتيات العائلة الأباظية، اختارته من بين أولاد العائلة ليتعلق به قلبها، غير أن هذا الحب لم يزد على ابتسامات وإيماءات بالرأس، عندما كان يجتمع مع أولاد العائلة للسمر أو لتعلم «اللعب بالعصا» حتى أصبح أمهر أولاد العائلة إتقانا لها، فينال مكافأته منها ابتسامة أو إيماءة بالرأس، فضلا عن التلويح بمنديلها الصغير، عند وصوله أو مغادرته الشرقية.

لم يكتف رشدي بقلب يتعلق ويعجب به في الشرقية طيلة أشهر إجازة الصيف، فماذا سيفعل بقية أشهر السنة؟ ما جعله يبحث بين فتيات حي شبرا، اللائي رحن يبدين إعجابهن به، خصوصاً عندما كان يفتعل مشاجرة مع أقرانه في الحي، ويجتهد بأن يتفوق عليهم كي يلفت نظر الفتيات اللاتي يعجبن بعضلاته وقوته، لتختار عيناه إحداهن، أكثرهن جمالا ورقة. غير أن عينيه اختارتا فتاة كان مشغولاً بها ابن «جزار» الحي، شاب في الخامسة عشرة، يكبر رشدي بعامين، مفتول العضلات ممتلئ القوام. وما إن علم بأن رشدي ينظر إلى حبيبة القلب حتى توعده، وما إن وصل الخبر إلى رشدي حتى ضحك مستهزئاً، وقرر أن ينازله ليعرف من هو رشدي أباظة، وشجعه على ذلك زملاؤه المقربون الذين راحوا يمتدحون قوته وعضلاته وقدرته على تلقين ابن الجزار درسا لن ينساه، فقد تعود كلما تشاجر مع أبناء الجيران، أن يلفت نظرها ونظر بقية فتيات الحي بوسامته وقوة عضلاته، فيكيل اللكمات بكل قوة في وجه خصمه، فينتزع بذلك إعجابهن.

تحدد اللقاء، المكان ساحة خالية في شارع شبرا، والمكان بعد انتهاء اليوم الدراسي يوم الخميس، وراح الجميع يستعدون للقاء الحاسم، وفي مقدمهم حبيبة القلب التي يدور حولها الصراع.

نزل رشدي إلى حلبة الصراع، مزهواً واثقاً من نفسه، يتوعد خصمه، ثم راح يتلقى نظرات الإعجاب والتشجيع من فتيات الحي، وتحديدا من «حبيبة القلب»، غير أن نظرات الإعجاب سرعان ما تحولت إلى نظرات شفقة وسخرية، بعدما لقنه ابن الجزار درساً لن ينساه، وضربه ضرباً مبرحاً، وأسقط أسطورة الوسيم مفتول العضلات.

استطاع رشدي أن يتحمل الإيذاء البدني الذي وقع عليه من ابن الجزار، غير أنه لم يستطع أن يتحمل الإيذاء النفسي الذي تلقاه من والده، الذي عنفه بقوة لأنه تسبب في إهانة نفسه واسم والده وعائلته، فقرر على غير العادة أن يمضي يومي الخميس والجمعة في بيت والدته في ميدان الأوبرا، ليهرب من نظرات والده وسخرية زوجته وابنتها فاطمة، التي وجدتها فرصة مناسبة لتأخذ بثأرها منه بسبب المضايقات الكثيرة التي يسببها لها.

لم يجد رشدي الحال في بيت والدته أفضل منه في بيت والده، بل كانت والدته أشد قسوة عليه بمجرد أن علمت بما حدث له من ابن الجزار، وراحت تلقنه درساً في الأخلاق والأصول والاعتداد بالنفس، وصنع سياج حديدي حول نفسه، لا يسمح بالدخول إليه إلا الموثوق في أخلاقهم والتزامهم بالعادات والتقاليد، والأهم أصولهم.

شعر رشدي بحزن عميق، وحالة من التمزق بين والده ووالدته، لم يكن السبب واقعة «ابن الجزار» التي لم تكن الأولى من نوعها، فكان كثير الشجار مع زملائه، ليس حباً في المشاكل ولكن لتفريغ طاقة مكبوتة في داخله، شكلتها حالة التمزق العائلي التي يعيشها، فرغم أن له بيتين في القاهرة لوالده ووالدته، وثالثاً في الشرقية للعائلة، وفي كل منها حجرة خاصة بها كل ما يلزمه، فإن كل هذه الأماكن ضاقت عليه، شعر فيها بالوحدة والحرمان. لم يكن حرماناً مادياً، بل معنوياً، وبدلاً من أن يكون هو كل حياة والديه، وجد نفسه جزءاً من حياة كل منهما، ولم تنجح حياة الرفاهية، أو «مدرسة الفرير» (مدرسة أبناء الطبقة الأرستقراطية) التي نقله إليها والده، في أن يخففا عنه هذه الحالة، بل راحت تتزايد حتى أصبح غير قادر على التأقلم معهما وعيش حالة التمزق بينهما، وبين تقاليد وعادات ومفاهيم كل منهما.

انفصال

بعد تفكير طويل قرر ابن الرابعة عشرة، أن ينفصل عن والديه، قرر ألا يعيش مع أي منهما، خصوصاً وأن لكل منهما حياته الخاصة وأسرته الجديدة اللتين لم يجد فيهما رشدي مكانا، لكن كيف سيكون الانفصال؟ فلن يسمحا له بذلك، وإذا سمحا أين سيعيش، وكيف سيدبر أمور حياته؟ فهو لا يزال في مرحلة يحتاج فيها إلى من يدبر له أموره، غير أنه لديه استعداد للتضحية بكل شيء، مقابل أن ينال حريته، ويتخلص من حالة الحصار المزدوج المفروضة عليه، وفيما هو يفكر في مخرج، إذا بالحل يأتيه من أحد أصدقائه وهو يقص عليه حكاية أحد أقاربه، فتهلل وجه رشدي على الفور، وقرر أن يفاتح والده في الأمر:

* إيه الكلام دا يا رشدي.. مين قالك عليه؟

- أبدا مافيش يا بابا. أنا عرفته من حد زميلي في المدرسة كان بيحكيلي عن واحد قريبه راح فيها.

* أيوا بس. أنت عارف يعني إيه مدرسة داخلية. يعني أنت...

- عارف يا بابا... يعني هاعيش فيها بعيد عن حضرتك وماما طوال الوقت.  

* قوللي يا رشدي بصراحة... ماما صاحبة الاقتراح دا.

- لا والله يا بابا. ماما مالهاش علاقة بالموضوع. أنا اللي فكرت في كدا.

* طب ليه يا رشدي... في حد زعلك؟ أوعى يكون حد قالك حاجة ومخبي عليّ. دا بيتك قبل ما يكون بيت أي حد تاني.

- أنا عارف يا بابا. صدقني مافيش حاجة.

* يبقى أكيد جوز ماما هو اللي....

- برضه لا. أنا اللي حاسس أني هاقدر أركز في مذاكرتي وهابقى مرتاح أكتر فيها.

* خلاص. اللي شايفه هايريحك أنا هاعمله. أنت عارف أنا يهمني راحتك وبس. أنت عارف أنا بتمنى ييجي اليوم اللي أشوفك فيه لابس البدلة دي... ومعلق أول نجمتين على كتفك... وأوعدك هايكونوا دهب... زي ما جدتك زينب عملت معايا.

- لا...

* إيه؟ لا!

- أنا نفسي أكون ظابط طيار.

* كدا. طب يا سيدي طيار طيار. أهو المهم أنك تبقى ظابط وخلاص.

- أيوا. بس أنا خايف إن ماما ماتوافقش على المدرسة الداخلية.

* يعني إيه ماتوافقش؟ أنا أبوك وولي أمرك... والكلمة كلمتي.

- أيوا بس ماما يعني...

* عموماً ماتشيلش هم. سيب لي الموضوع دا.

كأن رشدي أوجد لهما الحل السحري الذي لم يجرؤا على أن يفكرا فيه. عارض كل منهما في البداية معارضة ظاهرية، غير أنهما رضخا لرأيه ووافقا، وهما يتمنيان ألا يعدل عنه، وبعد البحث والتقصي، استقر الأمر على أن يتم إلحاق رشدي بمدرسة {سان مارك}، أعرق مدارس الإسكندرية وأفخمها.

ساد اعتقاد بأن هذا حل نموذجي للجميع، فقد ظن الأبوان أنهما ارتاحا من مشاكل المراهق الصغير، خصوصاً مع زوج الأم، وزوجة الأب، أو مشاكله مع الجيران والزملاء في المدرسة، وفي الوقت نفسه ظن رشدي أنه أخيراً قد فتح باب الحرية، ليعيش من دون رقابة صارمة أو التزام من أي نوع يقيد حركاته وسكناته، ويعد عليه أنفاسه، لكن خاب ظن الجميع!   

فكلما زاد عمر رشدي يوماً، زادت همومه ومشاكله، سواء بينه وبين أبويه، أو بينه وبين نفسه، وهو الأهم، حيث انتقلت معه همومه من القاهرة إلى الإسكندرية، زادت ولم تقل، فلا يزال يسيطر عليه إحساسه بالتشتت الأسري، والحرمان من الدفء العائلي، خصوصاً وهو يرى في كل زيارة، أن ثمة حالة استقرار عائلي تسيطر على كل من بيت والده ووالدته من دون وجوده، ما جعل عطلته الأسبوعية عبئا ثقيلا يتمنى أن يزول سريعا، أو لا يحدث من الأساس. فما إن يبدأ يوم الأربعاء من كل أسبوع، حتى يبدأ التفكير في ما بعد ظهر الخميس: أين سيمضى عطلته الأسبوعية، في بيت والدته في ميدان الأوبرا في القاهرة، أم في بيت والده الجديد في دمنهور، التي انتقل إليها أخيراً؟

تحولت أحلام رشدي إلى {كابوس} دائم، فإذا كانت هذه هي حال يومه، فكيف سيكون شكل غده؟ ما جعله يمضي لياليه مستيقظاً‏،‏ يفكر في حياته، مصيره ومستقبله الذي لم ير له أي ملامح، فضلاً عن الإحساس المرير الذي كان يسيطر عليه بالغربة والوحدة، لذا لم يجد أمامه سوى أن يضع كل همه واهتمامه في ممارسة الرياضة، خصوصاً أنه لم يكن متفوقاً في دروسه، فراح يركز في ممارسة الملاكمة وكمال الأجسام، فضلا عن {الكرة الطائرة} التي أتقنها وتفوق فيها بسرعة فائقة بسبب جسده الرياضي، ما أهله ليكون رئيساً للفريق في وقت قصير، فأصبح حديث الطلبة والمدرسين في مدرسة {سان مارك}.

ورغم أنه متفوق رياضياً ونال ثقة الأساتذة وإدارة المدرسة، فإنه لجأ إلى حيلة للهروب من رحلة العذاب الأسبوعية إلى بيت والده أو والدته، حيث كان يتعمد افتعال مشكلة مع أحد الزملاء، وأحياناً يفعلها بالاتفاق معه، لتقرر إدارة المدرسة حرمانه من الإجازة الأسبوعية والبقاء في المدرسة، عقاباً على ما اقترفه من مشكلة مع أحد الزملاء، ليتم إخطار والديه بذلك، فكان أهون عليه أن يبقى محجوزاً في المدرسة بمفرده مع بعض المدرسين المقيمين والإداريين، على أن يذهب إلى أحد البيتين. غير أن حيلته لم تنجح بشكل كامل في المرات الثلاث الأولى، حيث زاره فيهما والده مرتين، ووالدته مرة، ومع تكرار افتعال المشاكل، لم يعد يزوره أي منهما، بل ينتظرانه الأسبوع التالي ليخرج لهما، وعندما أطمأن إلى الوضع استقر على هذا الترتيب الجديد، حتى امتنع تماماً عن افتعال المشاكل، ليخرج بشكل طبيعي كل أسبوع أمام إدارة المدرسة. ولكن أمام والديه كانت لا تزال المشاكل مستمرة، فتعود أن يزور والديه كل منهما مرة شهرياً، ومرتين يمضيهما بمفرده حراً طليقاً في شوارع الإسكندرية، يسهر خلالهما حتى ضوء النهار، بصحبة عدد من الأصدقاء المقيمين في الإسكندرية، والذين ضموه إلى {شلتهم} ليكون فرداً أساسياً فيها، ويصبح صديقاً مقرباً منهم، يتنقلون بين النوادي والمقاهي، حتى وصل إلى صالات لعب {البلياردو} ليلتقي فيها بعضوين جديدين في الشلة، لفتهما رشدي الذي يبدو للوهلة الأولى أنه غير مصري:

* أنا علي رضا... ودا البرنس عادل أدهم.

- برنس! من العيلة المالكة.

* هاهاها... لا أنا من عيلة صحيح. بس مش مالكة.

= لا يا سيدي دا لقب طلعه عليه أصحابه وحبايبه. وهو ما صدق شبط فيه.

- أنت تستحق تبقى ملك مش برنس.

* لا يا عم رشدي كفاية عليا أكون برنس مش ناقص مشاكل أفندينا.  

= سيبكم من الكلام دا. أنت شرفت النادي يا أبو الرشد. بس كلامك وروحك بيقولوا أنك مصري رغم أن شكلك قريب من ولاد الجاليات الأجنبية اللي موجودة هنا في إسكندرية. بالظبط زي ما شكيت في علي أول ما شوفته افتكرته خواجة.

- وطلع إيه؟

= طلع معجون بمية مصريين هاهاها.

- أهو أنا برضه زي علي كدا... معجون بمية مصريين. بس عندي عرق طلياني.

= فزورة دي.

- لا فزورة ولا حاجة... بابا سعيد أباظة مأمور مركز دمنهور... وماما طليانية.

= على كدا تقرب لفكري باشا أباظة اللي بيقول محاضرات في الراديو.

* دا يبقى عمي. ابن عم بابا.

= لا يا {إكسلانس} دا أنت بقى اللي تستحق لقب برنس مش أنا. أنت طلعت من عيلة باشاوات.

- هاهاها... لا يا سيدي أنا كفاية عليا {إكسلانس}.

* الله. إحنا هانقضي الليلة في الكلام. إيه رأيك يا رشدي تلاعبني دور بلياردو؟

- أوي أوي... أتفضل.

* وأنت بتدرس ولا بتشتغل يا رشدي.

- أنا في البكالوريا السنة دي... وأنتم.

* إحنا غاويين فقر بعيد عنك. حاولنا نبقى ممثلين سينما مانفعناش... قررنا نرقص.

- ممثلين!

منذ تلك الليلة لم يفترق الأصدقاء الثلاثة لحظة في العطلات الأسبوعية، وزادت علاقتهم ارتباطاً، وإن كان لكل منهم هدفاً يسعى إلى تحقيقه، فأكبرهم سنا علي رضا، كان يسعى إلى أن يكون ممثلا ومخرجا في السينما، غير أنه لم يجد الفرصة المناسبة، فاتجه إلى الرقص حتى أتقنه، ليكون بوابته إلى السينما.

الأمر نفسه ينطبق على عادل أدهم، ابن الإسكندرية، الذي عشق الجمباز واستمر في ممارسته حتى تفوق فيه بين زملائه، كذلك مارس الملاكمة والمصارعة والسباحة، غير أنه وقبل أن ينال شهادة «البكالوريا» (الثانوية العامة) أخذته السينما بسحرها، فركض خلفها، ونزل إلى القاهرة يبحث عن فرصة بين أهلها، فذهب إلى الفنان أنور وجدي، الذي ما إن شاهده حتى قال له: «روح يا بني دور لك على شغلانه تاكل منها عيش أحسن... وإن كنت مصمم... يبقى تروح تمثل قدام المراية».

لم ييأس عادل أدهم من كلام أنور وجدي، والتقطه صديقه علي رضا، وأقنعه بأن الرقص يمكن أن يكون بوابته إلى التمثيل، ودربه حتى أصبح راقصاً ماهراً، وبالفعل وافق وجدي على أن يشركه معه في فيلم «ليلى بنت الفقراء» عام 1945، لكن كراقص وليس ممثلا.

البقية في الحلقة المقبلة

تمرد وثورة

بين طموحه وأحلامه وجد رشدي أباظة نفسه تائهاً، فربما تجد سفينته برا ترسو عليه، فقد ظل طوال سنوات دراسته الخمس في مدرسة «سان مارك» ممزقاً بين والده ووالدته، وحين بلغ عامه التاسع عشر، وأصبحت بينه وبين شهادة «البكالوريا» أيام معدودة، وجد نفسه أمام مفترق طرق، وكان لا بد أن يجيب عن سؤال مهم واجه به نفسه:

* ماذا بعد؟! هل أسعى إلى استكمال حلمي بأن أصبح ضابطاً طياراً، وهي نفسها الرغبة التي يحلم بها والدي، لأصبح صورة منه؟ لكني لا أريد أن أكون صورة منه، أريد أن أكون حرا، بلا قيود ولا التزامات أو أوامر صارمة، فيكفي ما عشت فيه من أوامر طيلة عمري، افعل هذا، لا تفعل ذلك، الأكل بميعاد، النوم بميعاد، حتى الضحك بميعاد... لا لا... أنا أريد أن أكون حراً، حتى والدتي تريدني أيضاً أن أكون صورة من والدي، رغم أنهما لم يستمرا كزوجين سوى أشهر قليلة، لكنها الصورة التي أحبتها، لم تستطع أن تمتلكها في الزوج، فلماذا لا تمتلكها في الابن... لا لا... أنا أريد أن أكون رشدي... أريد أن أكون نفسي.

كان التمرد والثورة على كل شيء، هما عنوان هذه المرحلة في حياة الفتى الأباظي، فكل من والديه يعيش في عالمه الخاص مع أسرته، وزاد أخ من والدته أطلقت عليه اسم «حامد»، كما أصبح لوالده ابنة من زوجته الثانية أطلق عليها اسم «رجاء» كان يداعبها رشدي كلما ذهب في إجازة لبيت والده ويناديها «البالونة الأباظية» لبدانتها الواضحة، كما زاد اقترابه من «فاطمة» ابنة زوجة والده التي أصبحت آنسة في عمر الزواج، ومن زوجة والده التي أصبحت بارعة في صنع «طبق العدس الأباظي» وهو عبارة عن عدس مصنوع بمرق الدجاج، وبه قطع دجاج صغيرة، حيث كان رشدي مغرما به، وتقدمه له جدته السيدة «زينب أباظة» فأصبح رشدي يطلبه من زوجة والده كلما زارهم.

فلم يكن ما يغضب رشدي وجود أخوة له غير أشقاء من والده ووالدته، ولا في زواج كل منهما بآخر، بل إن المشكلة الحقيقية أنه يجد نفسه ممزقا، ليس فقط بين أسرتين وبيئتين، بل الأهم بين ثقافتين مختلفتين تماماً، كل منهما يحاول أن يجذبه تجاهه.. فتمزق إلى جزئين.

ما إن ظهر ضوء النهار حتى كان رشدي قد انتهى إلى قرار، عزم على أن ينفذه مهما كانت النتائج، حزم حقائبه متجهاً إلى مدينة «بنها» في مديرية القليوبية، حيث كان قد نُقل والده إليها بعد ترقيته إلى رتبة «أميرالاي» ، فقرر رشدي أن يواجهه بما اتخذه من قرار.

back to top