«صحوة» عبد الناصر غارم ضد التطرف

نشر في 08-04-2014 | 00:02
آخر تحديث 08-04-2014 | 00:02
افتتح الفنان السعودي عبدالناصر غارم معرضه الجديد {الصحوة} في {غاليري أيام} دبي ويستمر حتى 30 أبريل الجاري.
غارم ليس فناناً جديداً، فهو ضابط في الجيش السعودي بدرجة تشكيلي مغامر، عمله لم يعفه من الفن، فحققت أعماله أرقاماً قياسية في المزادات والمعارض وتحوّل ظاهرة فنية في أوروبا والعالم، يبيّن ذلك  مدى اهتمام الصحف الغربية به، وتدوين الكتب عن تجربته وأعماله المبتكرة.

ارتسمت أسئلة دائمة في وسائل الإعلام: كيف نجح هذا الفنان في بيئة لا تعطي الفن أي اهتمام؟! وكيف لرجل عسكري تطغى عليه القسوة أن يكون فناناً من هذا الطراز؟! وكان جواب غارم أنه آت من بيئة ريفية من جنوب السعودية، يعمل والده مزارعاً، وكان للإنترنت الدور البارز في جذبه نحو الفن، بعدما سمحت له المؤسسة العسكرية بذلك.

قال غارم عن تجربته: {استغرقت نحو 18 عاماً لأعثر على نوع من التوافق بين كوني فناناً وكوني ضابطاً في الجيش. لكن عملي في الجيش، خصوصاً في هذا الوقت، ميزة، لأنه ساعدني ودعمني في عملي الفني، وفي القضية التي أسعى إلى التعبير عنها}.

ضحية غير مقصودة

 في معرضه الجديد، يبدو غارم محترفاً في انتقاء أفكاره التي تواكب الإشكالات الفكرية والقضايا الثقافية والدينية في العالم عموماً، والشرق الأوسط خصوصاً. يبدو ذلك واضحاً من عنوان المعرض أو الإشارة التي يسلط الضوء عليها.

يشير عنوان المعرض {الصحوة} (ثمة من يسميها {حركات إحيائية}) إلى الحركة التي ظهرت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وانتشرت في الحياة العامة والجامعات في السعودية والشرق الأوسط. عندما بدأت {الصحوة} بالتشكل مع النظام المدرسي، كان غارم في المرحلة الابتدائية، فاقتصرت المشاركة في المجموعة، بداية، خارج أوقات الدراسة، لكن لاحقاً {أصبحت تشكل هوية الطلاب ونموهم}، لدرجة أن غارم شعر بأن الحركة هدفت إلى تغيير {الجينات الروحية} وتحويله إلى {ضحية غير مقصودة}.

لم تكن الصحوة، صحوة بمعناها الإيجابي، بل عودة إلى عقلية القرون الوسطى والتزمت والتصحر وإلغاء كل ما هو مغاير من خلال الأفكار، وصولاً إلى الثياب والميديا والحياة العامة، كانت الصحوة بداية الطريق نحو الكهف.

يروي غارم ما شهده من لحظات لا تنسى في ذلك الوقت الحساس من طفولته، حيث تغير الزي الرسمي، وشهد حرمان البنات من المدارس، ورمي أجهزة التلفزيون من النوافذ، وكان الهدف من الحركة، آنذاك، إصدار نسخة جديدة من الاسلام تستند على ما يرى الصحويون أنه مناسب،  ما روج لظهور مواجهات مع كل من لا يتفق مع مبادئهم ومعتقداتهم، بما في ذلك الشيعة والصوفيين.

ويظهر غارم في معرضه نظرته إلى الرموز والصور والأحداث المرتبطة بالتاريخ الحديث للعالم الاسلامي، محاولاً صياغة رؤى محتملة للمستقبل التوافقي للأمة الاسلامية.  

صحوة معاصرة

يعرض غارم في محاولة تخيلية إبداعية، نمطاً جديداً من {الصحوة} ليقدمها إلى الشرق الأوسط المعاصر، ويرى أن الصحوة المعاصرة، لا بد من أن تستند إلى الإبداع والحوار وتبادل المعارف والتخاطب الفني والتعليم وحس التسامح، يقول في هذا الإطار: {أتمنى أن أشن حملة يسعى محورها إلى استعادة الإسلام الحقيقي، الذي يؤمن بالتعددية والتنوع، ويلتزم مواجهة التطرف}. لمجرد أن يعرض غارم أعماله فهو، بذلك، يتحدى التطرف ويفتح ثغرة في هذا الجدار الذي يخنق الواقع الثقافي في العالم العربي، إذ بات شعار الإحيائيين المتطرفين: المنع، النبذ، القتل، الحرق، رجم الماضي وارباك المستقبل سواء في السينما أو الفن أو السياسة وحتى التلفزيون والانترنت.... غلاة الصحوة المتطرفون، حالة مرضية لا تداوى إلا بالثقافة والتحدي... وهذا ما يفعله غارم بأعماله وأفكاره ومشاريعه.

يقدم غارم، في هذا المعرض، {نصف الكرة} و{تمويه}، وهما من أكبر أعماله الفنية للأختام المرسومة، تظهر في نصف الكرة خوذة محارب قديم مع قبة خضراء لمسجد، ويصور اللون الأخضر المهاب في العالم الاسلامي والعقيدة التي تسعى من أجل السلام، وتعرضت أخيراً للانتقاء من قبل عناصر معادية للبيئة الاسلامية الحقيقية.

تدل القبة والهلال، أيضاً،  على العمل التركيبي السابق {رسالة/ رسول} (2010) الذي نال استحساناً. ولا يقتصر اهتمام غارم على استعادة الماضي نحو الواجهة فحسب، بل استحضار التاريخ غير الرسمي إلى دائرة الضوء، كما في {الطريق} (2007) باعتباره عملاً تذكرياً، لهؤلاء الذي لقوا حتفهم ظلماً على جسر وادي التهامة، وفي ختم {المجاز} يعمل على استدراك العمليات البيروقراطية للدول الاسلامية، بينما تزهر مطبوعات سلسلة {رجل أثناء العمل} صوراً مجمعة تعرض استيلاء الغزو جنباً إلى جنب مع صور للأعمال الشاقة والصيانة.

أضحت أعمال عبد الناصر غارم مفعمة بالحيوية والطموح ومغايرة عن السائد، لا سيما بعد تناوله قضايا مهمة وإشكالية، سواء في تطرقها إلى البيئة والأشجار أو تناوله قضايا البيروقراطية والتطرف.

 في هذا المعرض يحاول أن يطالب جمهوره بالتفكير ملياً حول الصراع بين الأديان، إذ نراه يتزايد بشكل خطير وسريع في منطقة الشرق الاوسط.

back to top