السينما التسجيلية... بين التجاهل الإعلامي وعزوف الموزعين
لم تثنِ الصعوبات التي تواجهها صناعة السينما التسجيلية، المخرجين الشباب عن الاهتمام بها، وما زال كثيرون يفضلون هذه السينما التي وصفت بالمقاتلة، رغم شعورهم بأن إبداعهم لن يشاهده أحد، بسبب إهمال الموزعين لهذه النوعية من الأفلام، من بين هؤلاء: أحمد رحال، تامر عيسى، وأحمد رشوان، ويسجل في هذا الإطار مبادرة «زاوية» التي احتضنت السينما التسجيلية.
المخرج الشاب أحمد رحال الذي سبق أن أخرج فيلمي «تحت الأرض» و{فيلم شعبي»، يضع اللمسات الأخيرة على آخر أفلامه «خماسي».حول علاقته بالسينما التسجيلية، يؤكد رحال أنها ممتعة في مراحلها كافة، سواء في التحضير أو التصوير والمونتاج، لأنه في رحلة بحث دائمة واستكشاف هذا العالم الذي قرر اختراقه ليعلم عنه المزيد.
يضيف: «الطريف أن مفاجآت تواجهني في مراحل صناعة الفيلم كافة، تكسر صوراً كنت رسمتها في خيالي سلفاً، وبنيت على أساسها مفاهيم وحسابات، ما يؤكد فكرة «المتعة» في تلك الصناعة التي تتيح لي عيش لعبة ذهنية خلال مراحل صناعة الفيلم».يوضح رحال أن الأفلام التسجيلية هي الأصل في السينما، بدليل أن أول عرض للأخوين لوميير، بعد صناعة أول كاميرا سينما، كان دخول قطار إلى المحطة.حول عدم إقبال الجمهور على تلك النوعية من الأفلام، يؤكد رحال أنه ليس مشغولا بالبحث عن الطريق الأسهل ليجذب أكبر عدد من الجمهور، ويقدم له ما يتوقعه، بل يجب عرض أنواع مختلفة من السينما، يقول: «أعتقد بأن جيلنا سينجح في إيصال الفيلم التسجيلي إلى دور العرض التجارية، وسيشتري الجمهور تذاكر ليشاهد الفيلم، لأن ثمة جيلا جديداً لديه شغف وتقبل لأنواع جديدة ومختلفة من الأفلام، وجيلا من صناع السينما لديه رؤية مختلفة يسعى إلى تقديمها لهذا الجمهور».مشروع زاويةفي مبادرة هي الأولى من نوعها في مصر، أنشأت المنتجة ماريان خوري مشروع «زاوية»، مساحة عرض استأجرتها في سينما أوديون لعرض أفلام بديلة، روائية قصيرة وطويلة وتسجيلية، لم يتمكن أصحابها من عرضها في دور العرض السينمائية، ما سيتيح الفرصة لعرض أفلام تسجيلية، للمرة الأولى في مصر، على شاشات السينما مقابل تذاكر بسعر رمزي، ولن يكون الهدف الأساسي منها الربح المادي بقدر التقدير المعنوي لصناع الأفلام، وإتاحة الفرصة أمامهم لتصل أعمالهم إلى المشاهد.يؤكد يوسف شاذلي، مدير «زاوية»، أن المشروع يفتح بابه للمخرجين والمبدعين الشباب لعرض أعمالهم، بتوصيف أدق سيكون «زاوية» بمثابة بوابة أمل لجيل يحلم بأن يرى إبداعه النور ولا يظل قابعاً في الأدراج.بور توفيق تامر عيسى مخرج شاب أسس «بور توفيق»، شركة إنتاح متخصصة بإنتاج الأفلام الوثائقية، أنتجت ثلاثة أفلام وثائقية طويلة، قبل أن يقاسمه الشركة الفنان حسن الجريتلي.يقول تامر إن هدفه الأساسي من إنشاء تلك الشركة «الانسلاخ عن السينما التجارية وإنتاج أعمال تهمنا بالفعل، وتعليم الأطفال صناعة الأفلام الوثائقية، وسيتم تنفيذ هذا المشروع في محافظات المنيا والمنصورة وسيوة والسويس}.يبدي تامر اندهاشه من الحال التي وصلت إليها السينما التسجيلية في مصر من ناحيتي التوزيع وعدم اهتمام المنتجين بها، «حتى حقبة الستينيات كانت الأفلام التسجيلية تعرض على شاشات السينما قبل عروض الأفلام الروائية الطويلة، لكن بعد تغير شكل السينما في السبعينيات وانتشار سينما المقاولات، تضاءل اهتمام الموزعين والمنتجين بتلك النوعية من الأفلام».أما المخرج أحمد رشوان فيوضح أن السينما التسجيلية لا تحظى باهتمام كافٍ في مصر، بدءاً من تدريسها في معهد السينما الذي خصص لها مادة واحدة فحسب، بينما من المفترض أن يكون ثمة قسم كامل يدرّس السينما التسجيلية.أحمد رشوان الذي أخرج أكثر من عشرين فيلماً وثائقياً منها: «مولود في 25 يناير»، «جوة البشر»، «اغتيال الشيخ الذهبي»، انتهى أخيراً من تصوير فيلم «جزيرة الأقباط»، تدور أحداثه حول الأقباط باعتبارهم جزءاً أساسياً في المجتمع، والظروف التي مروا بها في مصر، بعد ظهور التيار الإسلامي، واضطرار كثر منهم إلى الهجرة.تقنية رقميةيرى د. علي الغزولي، رائد السينما التسجيلية في مصر، أنه ليس من الضروري أن يكون ثمة قسم للسينما التسجيلية في المعهد، لأن السينما واحدة، والمخرج هو الذي يختار الطريقة التي يعبر بها عن فكرته، كذلك الفن في مجمله واحد لا يمكن تقسيمه، ولكل شخص طريقته في التعبير (من خلال الرسم أو النحت أو العزف)، بالتالي السينما التسجيلية والروائية واحدة من ناحيتي النظرية والأسس.يضيف أن التطور التكنولوجي الذي تتمتع به الكاميرات والأجهزة التقنية يسهل عمل المخرجين الشباب، المحترفين والهواة على السواء، ما يفسر ازدياد صناعة الأفلام الوثائقية أخيراً، خلافاً للسنوات الماضية، عندما كان المخرج يعاني في صناعة الفيلم التسجيلي، لثقل حجم الكاميرات وانتظاره النتيجة النهائية إلى ما بعد التحميض، بينما المخرج اليوم يرى النتيجة مباشرة أثناء التصوير بفضل التقنية الرقمية، مشيراً إلى أن المعضلة الحقيقية التي تعانيها السينما التسجيلية تتعلق بعدم حصولها على دعاية إعلامية كافية، وعدم تحمس المنتجين لإنتاجها.تتفق الناقدة ماجدة موريس مع الغزولي في هذه النقطة تحديداً، مشيرة إلى أنه في الماضي، كان التلفزيون المصري يهتم بإنتاج أفلام وثائقية وعرضها بانتظام، ويبث على شاشته برنامج «سينما في علب» (أوائل السبعينيات) الذي يناقش الأفلام التسجيلية ويحللها، «الآن لا توجد قناة تلفزيونية تتمتع بجماهيرية وعروض جيدة للأفلام الوثائقية، أو موعد أسبوعي ثابت لعرض فيلم تسجيلي ومناقشة صناعه، رغم استعداد الجمهور المصري لمشاهدة ألوان مختلفة من السينما تخاطب عقله».تلفت موريس إلى أن الطفرة التي تشهدها السينما التسجيلية في الإنتاج التقني والرؤى الجيدة، أغنت الحضور المصري في المهرجانات الدولية ربما أكثر من العرض الداخلي.