استرضاء بكين والخيارات الصعبة لواشنطن في بحر الصين الجنوبي

نشر في 23-03-2014
آخر تحديث 23-03-2014 | 00:01
تحتاج الولايات المتحدة وديمقراطيات المنطقة المهددة عاجلاً أو آجلاً (من الأفضل أن يكون عاجلاً) إلى الاتحاد معاً لمواجهة تحركات بكين العدائية. في عام 2006، اقترح تارو أسو، وزير الخارجية الياباني آنذاك، إنشاء «قوس حرية وازدهار» في المنطقة.
 ناشيونال إنترست أعلن كين غانغ من وزارة الخارجية الصينية الاثنين الماضي أن سفن خفر السواحل الصينية منعت في اليوم السابق سفينتين تحملان العلم الفلبيني من الاقتراب من "حَيّد توماس الثاني". فقد تحدث البحارة الصينيون عبر مكبرات للصوت وأبعدوا المتطفلين، حسبما أوضح هذا الناطق الرسمي. وأضاف كين، مستخدماً الاسم الصيني لهذا الحيد: "يعرف الجميع أن الصين تملك جزر نانشا والمياه المحيطة بها، بما فيها حَيّد ريناي".

لكن ما من دولة أخرى غير الصين تعتقد أنها تملك حيد ريناي، الذي تطلق عليه مانيلا "حيّد أيونغين". يشكّل هذا الحَيّد المرجاني الطويل والمكتنر في عرضه جزءاً من جزر سبراتلي (250 جزيرةً وحَيّداً تمتد على مساحة تفوق الـ427300 كيلومتر مربع في بحر الصين الجنوبي). يبعد هذا الحَيّد المتنازع عليه نحو 105 أميال بحرية عن جزيرة بالاوان في الفلبين، في حين أن جزيرة هاينان، النقطة الصينية الأقرب إلى هذا الحَيّد، تبعد عنه مسافة تفوقها بنحو خمسة أضعاف.

تدعي بكين ملكية مساحات واسعة من هذه المنطقة. ففي السنوات الأخيرة، اتبعت الصين مناورات قاسية لتفرض تصاميمها الخاصة على هذه المنطقة. على سبيل المثال، حاصرت السفن الصينية في مطلع عام 2012 "حَيّد سكاربورو"، الذي يشكّل جزءاً من الفلبين، ويبعد نحو 120 ميلاً بحرياً عن البر الرئيسي في لوزون، ومن ثم سيطرت عليه. وفي شهر يونيو من تلك السنة، وافقت بكين ومانيلا، بعد وساطة أميركية، على سحب سفنهما من مياه سكاربورو. لكن مانيلا وحدها وفت بتعهدها هذا. ولاتزال السفن الصينية تمنع الفلبين من العودة إلى مناطق صيدهم التقليدية.

تفاخرت وسائل الإعلام الصينية بوقاحة بسيطرة حكومتها على تلك المنطقة. ولا يتردد المسؤولون العسكريون الصينيون اليوم، الذين غرّهم النجاح، في التباهي بعجرفة بأعمالهم الاستفزازية. على سبيل المثال، وصف اللواء زانغ زاوزونغ ما دعاه "استراتيجية الملفوف" التي طُبّقت بنجاح للسيطرة على سكاربورو. فبحصار الجزيرة "بطبقة تلو الأخرى من السفن الصغيرة، على غرار الملفوفة"، تمكنت القوات الصينية من ردع سفن الأمم الأخرى.

ولكن لمَ قرر الصينيون التحرك في هذه المرحلة بالتحديد؟ أخبر إرنست بوير من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن وكالة رويترز أن هذه الخطوات الاستفزازية ترجع على الأرجح إلى الفكرة التي كوّنها الصينيون عن أن واشنطن تبدو أقل تصميماً في سورية وأوكرانيا، لذلك ستكون ضعيفة على نحو مماثل في بحر الصين الجنوبي. لا شك في أن هذه نظرية مثيرة للاهتمام. ولكن ثمة تفسير آخر أكثر وضوحاً. يدرك الصينيون أن الولايات المتحدة لم تحاول التصدي لهم بعد عملهم العدواني الواضح في سكاربورو. وما زاد الطين بلة أن واشنطن لم تتخذ أي خطوات فاعلة، مع أن الصينيين انتهكوا الاتفاق الذي أدت فيه دور الوسيط.

حاولت الولايات المتحدة خلال عهد هذه الإدارة والإدارتين السابقتين الحد من التوتر في بحر الصين الجنوبي، وحرصت على حل الادعاءات المتضاربة (تؤكد سبع أمم ملكيتها لأحياد وأرصفة وجزر في هذه المنطقة) بطرق سلمية. ولتحقيق هذه الغاية، اضطرت واشنطن، التي تُعتبر ضامن الأمن الأول في المنطقة، إلى خوض مسائل بالغة الدقة والحساسية.

تكمن مشكلة الولايات المتحدة في أن بكين مصممة على ارتكاب أعمال عدائية محدودة النطاق، على غرار "مناورة الملفوف" التي تحدث عنها اللواء زانغ، بغية تفادي أي رد. نتيجة لذلك، يصنّف اليابانيون أعمال الصين ضد أراضيهم (التي تشبه الاستفزازات الصينية ضد الفلبين) بأنها حوادث "المنطقة الرمادية".

يدرس مسؤولو الدفاع الأميركيون واليابانيون اليوم هذه الحوادث "الرمادية"، بما أنهم سيعملون هذه السنة على تحديث التوجيهات والإرشادات الدفاعية الثنائية، التي لم تُراجع منذ عام 1997. ولكن خلال مناقشاتهم الأولى، لاحظ اليابانيون أن ممثلي واشنطن يبدلون الخط الذي يتبعونه، ما أوحى لطوكيو أن الولايات المتحدة خائفة من معاداة بكين. إلا أن رويترز أفادت بأن "أحد مسؤولي الدفاع الأميركيين" نفى ذلك وأكد أن على هذين الحليفين، في رأيه، أن يضعا توجيهات عامة "أكثر مرونة وتفاعلاً". وأضاف هذا المسؤول الأميركي أن التركيز على الصين "مسألة ساذجة جداً".

قد تكون وجهة نظر طوكيو ساذجة. لكن اليابان لا تواجه التهديد إلا من أمة واحدة. فيحاول الصينيون الضغط على اليابان، ويرون في تردد الولايات المتحدة في مواجهة استفزازاتهم دليلاً على أنهم ينجحون في إخافة واشنطن.

تشاطر دول كثيرة في المنطقة الصين تقييمها هذا. صحيح أن واشنطن تعتبر سلوكها مضبوطاً ومسؤولاً، إلا أن الدول الأخرى تراه غير ملائم وعديم الجدوى. على سبيل المثال، عبّر رئيس الفلبين بينينيو أكينو الشهر الماضي عن وجهة النظر هذه بكل وضوح، معلناً أن بلده لن يقبل بعملية تجزئته البطيئة التي تنفذها الصين. وسأل في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز": "إذا رضينا بأمر نعتبره خطأ اليوم، فماذا يضمن لنا أن هذا الخطأ لن يتفاقم في المستقبل؟ متى نقول: كفى!؟ على العالم قول كفى! في مرحلة ما. يجب ألا ننسى أن العالم ضحى بالسوديت في محاولة لاسترضاء هتلر وتفادي الحرب العالمية الثانية".

لاشك في أن الصين ليست الرايخ الثالث. غير أن مقارنة أكينو الحاضر بعام 1938 يجب أن تقلق صانعي السياسات الأميركيين. فلم تواجه واشنطن الصينيين في مسألة سكاربورو، سامحة لهم بالسيطرة على جزء من الفلبين، رغم التزامهم بالدفاع عن هذا البلد، حسبما تنص عليه معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951. ويبدو جلياً أن البيت الأبيض، صانع السياسة حيال الصين، كان يحاول استرضاء بكين.

لم يحقق التخلي عن السوديت النتيجة المرجوة في عام 1938، شأنه في ذلك شأن التخلي عن سكاربورو عام 2012. فبعدما استولى الصينيون على هذا الحَيّد، بدأوا في النصف الثاني من السنة الماضية زيادة الضغط على "حيّد توماس الثاني". إذاً، أظهرت الولايات المتحدة (بمحاولتها حفظ السلام) لدول المنطقة قاطبة عن غير عمد أن العدائية فاعلة، فلمَ لا تواصل بكين مناوراتها هذه؟

في هذه الأثناء، تأمل واشنطن تهدئة التوتر الناجم بسبب "حَيّد توماس الثاني". فقد ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي أخيراً، مشيرة إلى العرقلة الصينية للسفن الفلبينية: "هذه خطوة استفزازية تفاقم التوتر. فبانتظار حل المزاعم المتنافسة في بحر الصين الجنوبي، يجب ألا نشهد أي تدخل في الجهود التي تبذلها الدول المتنازعة للحفاظ على الوضع الراهن".

لم تثر تعليقاتها الملطَّفة خوف الصينيين. فقد باتت التصريحات الأميركية اليوم عملة قليلة القيمة في شرق آسيا. صحيح أن واشنطن أدلت بتصريحات كثيرة مهدِّدة، إلا أن أعمالها لم تأتِ بقدر أقوالها. فقد صرّح الأميرال جوناثان غرينرت، المسؤول عن العمليات البحرية، نحو منتصف الشهر الماضي بأن الولايات المتحدة "ستساعد" الفلبين في حال احتلت الصين جزرها. لكن مانيلا تدرك أن الصينيين يتمركزون في "حيّد ميستشيف"، الذي استولت عليه بكين من مانيلا عام 1995، فضلاً عن أن سفنهم تبحر حول سكاربورو. وفي كلتا الحالتين، لم تقدّم لها واشنطن مساعدة تُذكر. ولاشك في أن أكينو والفلبينيين سيسمعون خطاباً قوياً، عندما يزور الرئيس أوباما مانيلا الشهر المقبل. لكنهم يحتاجون اليوم إلى خطوات أميركية حاسمة، مثل إبعاد السفن الصينية التي تجوب مياه سييرا مادري.

لم تعد التلميحات الأميركية تنفع في شرق آسيا. ولاشك في أن الصينيين سيرغمون صانعي السياسات الأميركيين قريباً على القيام بخيار واضح: إما الرضوخ لاعتداءات بكين وإما حماية حلفائهم وأصدقائهم. لاشك في أن واشنطن كانت تحاول طوال العقدين الماضيين تفادي القيام بخيار مماثل. ولكن ستحتاج الولايات المتحدة وديمقراطيات المنطقة المهددة عاجلاً أو آجلاً (من الأفضل أن يكون عاجلاً) إلى الاتحاد معاً. في عام 2006، اقترح تارو أسو، وزير الخارجية الياباني آنذاك، إنشاء "قوس حرية وازدهار" في المنطقة. لكن هذه الفكرة لم تلق آذاناً مصغية لأن واشنطن وعدداً من العواصم الأخرى بدت مصممة على التحاور مع الصين.

لكن التحاور لا يبدو، في جوهره، اليوم أفضل من الاسترضاء. فيتعرض عدد من الديمقراطيات لتهديد الصين. لذلك تشكّل فكرة وزير الخارجية الياباني أسو بنية ممتازة في مرحلة قاتمة مماثلة.

من الواضح أن الصين لن تكفّ عن الاستيلاء على المناطق إلى أن يضع أحد حداً لها. فلم يرضَ هتلر بجزء من تشيكوسلوفاكيا، كما لم يكتفِ الصينيون بجزء من الفلبين. وحري بالولايات المتحدة أن تدرك أن حل السوديت لا يجدي نفعاً.

Gordon Chang

back to top